تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    مدير عام الديوانة يدعو لليقظة و التصدي إلى مختلف أشكال التهريب    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    متابعة/ فاجعة البحارة في المهدية: تفاصيل جديدة وهذا ما كشفه أول الواصلين الى مكان الحادثة..    سوسة: إنقاذ مركب صيد بحري على متنه 11 شخصا من الغرق    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : حكام الجولة التاسعة عشرة    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    المنيهلة - أريانة: إصابة 5 ركاب في حادث مرور    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أجور مساعدي الصيادلة مجمدة منذ 2022 ماالقصة ؟    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    الاطاحة بعنصر خطير نفذ سلسلة من "البراكاجات"..وهذه التفاصيل..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    مؤسس "باينانس" قد يواجه السجن لمدة 3 سنوات    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرب سواحل المنستير: تواصل البحث عن بحارة مفقودين في غرق مركب صيد    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعدد الآراء والمواقف إزاء مشروع قانون التعليم العالي أمر طبيعي
وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا في حديث خاص ل"الصباح":
نشر في الصباح يوم 03 - 02 - 2008

هذه أسباب عدم تعميم مبدأ انتخاب العمداء والمديرين ورؤساء الجامعات
تونس-الصباح: أكد السيد الأزهر بوعوني وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا في أول حديث صحفي له تنفرد بنشره "الصباح" على أن اختلاف الآراء والأفكار والمواقف إزاء مشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي -
الذي ينتظر أن يعرض قريبا على مجلس النواب في صيغته المعدلة - يعتبر أمرا طبيعيا مشيرا إلى أن الوزارة أصغت إلى مشاغل كل الأطراف وتعاملت معها في مختلف المراحل في إطار التوجهات الرئيسية للمشروع.
وقال الوزير أن بعض الآراء بشأن ما ورد في مشروع قانون التعليم العالي نتجت عن خلط بين بعض المفاهيم على غرار ما يتعلّق بعلاقة التقييم بالتفقّد البيداغوجي، مؤكدا على أن التفقّد البيداغوجي غير وارد إطلاقا في المؤسّسات الجامعية ولا وجود لشيء آخر غير التفقّد الإداري والمالي العادي لمؤسسات التعليم العالي والبحث. وبخصوص الإحالة إلى الأوامر التي وردت بمشروع القانون بين الوزير أنها تخصّ كل ما لا يمسّ من المبادئ الأساسية التي تعتبر وحدها من مجال القانون، موضحا أن المجلس الدستوري لم يبد أيّ تحفّظ بشأنها، واعتبر أن مشروع القانون مطابقا للدستور.
وتناول الحديث أيضا جوانب أخرى تهم خصوصا مشروع قانون التعليم العالي على غرار أسباب عدم تعميم مبدأ انتخاب العمداء والمديرين ورؤساء الجامعات، ومدى استقلالية الجامعات في مشروع القانون الجديد، وأبرز ملامح مستقبل الجامعة التونسية خلال المرحلة المقبلة. كما شمل الحديث مدى تحسن المؤشرات المعتمدة في قطاع التعليم العالي في السنوات الأخيرة على غرار تعدّد الشهادات وتنوّعها خصوصا في المجالات الواعدة الأكثر تشغيلية. وارتفاع الإعتمادات المخصّصة لإقتناء التجهيزات العلمية لفائدة مؤسسات التعليم العالي والبحث ومدى تطوّر البنية التحتية الأساسية، خاصة في ما يتعلق بطاقة الاستيعاب في مجالي التكوين والإسكان.
وفي ما يلي نص الحديث:
* يرى البعض أن مشروع القانون يحيل في عدّة مجالات إلى الأوامر ويعتبر هذه الإحالة في غير محلّها نظرا لأنها تدخل في مجال القانون؟
إن توزيع السلطات بين مجال القانون ومجال التراتيب أو الأوامر يحدّده دستور البلاد. وبالنسبة إلى مشروع قانون التعليم العالي فإن الإحالة إلى الأوامر تخصّ كل ما لا يمسّ من المبادئ الأساسية التي تعتبر وحدها من مجال القانون. وقد نظر المجلس الدستوري في محتوى نصّ القانون بكل فصوله بما في ذلك الإحالة إلى الجوانب التي يدّعي البعض أنّها لا تستقيم دستوريّا. ولم يبد المجلس أيّ تحفّظ بشأنها، واعتبر أن مشروع القانون مطابق للدستور. وعملا بأحكام الفصل 75 من الدستور فإن رأي المجلس كان معلّلا. ورأي المجلس كما هو معلوم ملزم لجميع السلطات العموميّة إدارية كانت أم تنفيذية أم تشريعية.
* هل صحيح أن التكوين الجامعي سيصبح في إطار نظام "إمد" بمثابة التكوين المهني؟
إن ضمان تشغيلية الخريجين يتطلب تمكينهم من تكوين جامعي يخوّل لهم اكتساب المعارف والكفاءات والمهارات اللازمة لمباشرة مهنة أو مجموعة من المهن المحددة، وهو ما تسعى الوزارة إلى تحقيقه بالتقريب بين متطلبات سوق الشغل وملامح التكوين الجامعي على غرار ما هو معمول به حاليا في الدّول المتقدمة وهذا التمشي نحو التكوين المرتبط بالتشغيلية هو تمشّ عام على المستوى الدولي.
أما إذا أراد البعض من نقدهم مواصلة التكوين الذي كانت تؤمنه مؤسسات عديدة لا تأخذ تشغيلية خريجيها في الاعتبار فإنّ ذلك لا يمكن اعتماده لأنّ محدوديته بارزة ولا ينازع فيها عاقل. وآل إلى تضخم عدد العاطلين منهم عن العمل خلال السنوات الأخيرة مما استوجب وضع برامج خصوصية للتكوين التكميلي لفائدتهم حتى يتسنى إعطاؤهم فرصة للاندماج في سوق الشغل.
وسواء تعلق الأمر بالتكوين التطبيقي أو بالتكوين الأساسي في نطاق الإصلاح الجامعي الجديد فإن الاتجاه يتمثل بداهة في المحافظة على مواصفات التكوين الجامعي مع الاهتمام بإدماج خريجي المؤسسات الجامعية في سوق الشغل حتى لا تواصل جامعاتنا تكوينا تقليديا لم يعد ملائما لطلبات المحيط التي تعد وحدها المحك الذي يقيّم به المردود الخارجي للمؤسسات الجامعية. وقد تجاوزت الجامعات المتقدمة في كلّ أنحاء العالم هذا الجدل. وأحدثت مئات المسالك ذات الطابع الممهنن في إطارات شراكات بنّاءة مع المحيط. لذلك آن الأوان لتجاوز المسالك المسطحة التقليدية.
* أين تكمن استقلالية الجامعات في مشروع القانون الجديد ؟
يتمثّل تعزيز استقلالية الجامعات في مشروع القانون الجديد في جوانب متعّددة إذ أن للجامعات صلاحيات إدارية ومالية واسعة. ذلك أن الجامعات تتولّى انتداب الأعوان الإداريين والفنيين والعملة وتتصرّف في شؤونهم الإدارية والمالية. وهي تتصرّف أيضا في الباب الأوّل من الميزانية. وهذا الباب يخصّ مختلف نفقات التصرّف والتسيير. والجامعة هي التي توزّع الإعتمادات المالية على مختلف مؤسسات التعليم العالي الراجعة لها بالنظر. وتتصرّف الجامعات كذلك في الباب الثاني من الميزانية الذي يخصّ نفقات التجهيز. فالجامعة هي التي تصدر طلبات العروض المتعلّقة بالإقتناءات الداخلة في إنجاز المشاريع التي تقدّمها مؤسسات التعليم العالي. وتتمتع الجامعات أيضا بصلاحيات بيداغوجية كاملة في مجالات التكوين والبحث المتميز. فبخصوص التكوين تصدر جميع عروض التكوين عن الجامعات من إحداث للمسالك ومراحل الدراسة كالمرحلة التحضيرية وشهادات الماجستير والدكتوراه. وتتولّى الجامعات إنجاز ذلك في إطار شراكات مع المحيط الاقتصادي والمهني أو في إطار شراكات مع الخارج.
وأمّا في مجال البحث فإنّ المؤسسات الجامعية تضع برامج البحث وتقدّم عروض إحداث وحدات البحث ومخابره وتبرمج الندوات العلمية. كما يمكنها أن تقترح مدارس الدكتوراه. وفي مجال النشر تتولّى عديد المؤسّسات الجامعيّة إعداد دوريّات علميّة محكّمة يُشهد لها عالميّا بالقيمة العلميّة الثابتة. كما تنشر رسائل البحث وأطروحات الدكتوراه وأعمال الندوات دون رجوع في ذلك للوزارة.
ويشار إلى أن القانون الجديد أقرّ مبدأ التعاقد حول التكوين والبحث. وهو مفهوم جديد أصبح شائعا في الجامعات المرموقة. ومعلوم أن التعاقد يرسم إطارا يتيح ممارسة حرّية المبادرة بما يعزّز الاستقلالية البيداغوجيّة للجامعات ومؤسسات التعليم العالي التابعة لها.
* لماذا لم يتمّ ربط المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية بالجامعات ؟
أحدثت المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية سنة 1992 للاستجابة إلى طلب اقتصادي خصوصي يتمثل في تكوين إطارات وسيطة على مرحلة واحدة. وهذه الإطارات قابلة للتوظيف في القطاعات الصناعية والخدماتية. وقد تشكلت هذه المعاهد وفق شبكة تجمع بينها خصائص تكوينية وهيكلية من أهمها الشراكة العضوية مع المحيط الاقتصادي مع إيلاء الجوانب التطبيقية والتربّصات حيّزا هاما في التكوين فضلا عن إحداث سلك مدرسين مختصين للتدريس بهذه المعاهد وهو سلك المدرسين التكنولوجيين. ويخضع هذا السلك لنظام أساسي خاص لأعوانه ولنظام تأجير خاص بهم كذلك. ويختلف هاذان النظامان عن نظامي انتداب وتأجير مختلف أصناف أساتذة التعليم العالي. وخلافا لمنظومة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية فإنّ الجامعات تشرف على كليّات ومعاهد عليا تشتمل على ثلاث مراحل للتكوين. ويدرّس بهذه المؤسسات جميع الأسلاك الجامعية من مساعدين وأساتذة مساعدين وأساتذة محاضرين وأساتذة التعليم العالي.
* لماذا لم يتم تعميم مبدإ انتخاب العمداء والمديرين ورؤساء الجامعات؟
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أنظمة تسيير الجامعات ومؤسسات التعليم العالي تختلف من دولة إلى أخرى بالنظر إلى خصوصياتها. وفي هذا الصدد أبقى مشروع القانون الحالي على ما هو معمول به في قانون 1989 بأن حافظ على انتخاب العمداء وعلى تعيين مديري المؤسسات ورؤساء الجامعات. وعلى سبيل المثال فإن المعلومات المتوفرة بخصوص العديد من الدول الشقيقة كالجزائر والمغرب ومصر والأردن والسعودية وسوريا ولبنان وموريتانيا تأخذ بمبدأ التعيين من جهة.
ومن جهة أخرى فإن المعطيات المتوفرة بخصوص دول منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OCDE) تعطي إفادات كبيرة في هذا المجال. وعلى سبيل المثال تعتمد فرنسا مبدأ انتخاب رؤساء الجامعات. لكن هذا الانتخاب هو ذو خصوصية لأن المشاركة فيه لا تقتصر على المدرّسين الجامعيين بل تشمل الموظفين والفنيين والأعوان والطلبة. إلاّ أنّ رئيس الجامعة يعمل تحت سلطة رئيس الأكاديمية (Le Recteur de l'Académie) الذي هو مُعيّن والذي تمّتدّ صلاحياته لا إلى مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي فحسب بل كذلك إلى المؤسسات التربوية من مدارس ومعاهد ثانوية.
وخلافا لما يتراءى للبعض فإنّ مؤسّسة العمادة في فرنسا لم تعد كما كانت سابقا بل إنّ الجامعات أصبحت تعتمد داخلها نظام "وحدات التكوين والبحث" (Unité de Formation et de Recherche UFR) التي تقتصر استقلاليتها على المجال البيداغوجيّ دون سواه. وليس لها شخصيّة قانونيّة ولا استقلال مالي واحتفظت فقط بصلاحيات بيداغوجيّة نسبيّة إذ هي مُلزمة بتقديم عروض التكوين إلى مجلس إدارة الجامعة للمصادقة عليها.
أما في الأنظمة الأنقلوسكسونية فإنّ الجامعات تعمل بمنطق المؤسسة الاقتصادية وتُسيّر طبقا لذلك إذ يسيّرها رؤساء لمجالس الإدارة ولا تعرف نظام انتخاب العمداء. ثمّ إنّ موارد الجامعة جُلّها أو كلّها موارد خاصّة.
والواقع أن الإبقاء على صيغ الانتخاب في الكليات في بلادنا والتي تغيّرت في أوروبا كما أبرزناه يعود خاصة إلى غياب مؤسسة الجامعة في بلادنا بين سنتي 1968 و1986 وهو ما خلق "تقاليد" مغايرة لما هو معتمد في الأنظمة التي تعطي الجامعة وحدها الشخصية المدنية والإستقلال الإداري والمالي.
* يرى البعض أن إدراج موضوع التقييم في مشروع القانون يؤدي إلى شكل من أشكال التفقّد البيداغوجي في التعليم العالي؟
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الدول المتقدمة أدرجت منذ مدّة طويلة مبدأ التقييم في جامعاتها وحدّدت صيغه وضبطت تبعات نتائجه وجعلته شاملا يهمّ في وقت واحد الجامعة والمؤسسة والأستاذ المدرّس. وقد قطعت في هذا المجال أشواطا بعيدة. وجعلت مختلف المتدخلين في المنظومة خاضعين لهذا النظام ممّا أضفى على التكوين والبحث والتسيير الإداري والبيداغوجي والمالي شفافية مطلقة. وسمح اعتماد التقييم بالتقدّم أشواطا كبيرة في مجال تحقيق الجودة.
والحقيقة أن منظومتنا الوطنية لم تعمل بمبدأ التقييم إلا بصفة محتشمة. وهي تفتقر إلى تقاليد في هذا المجال. بينما يعتمد التقييم كأداة رئيسية في عملية التمويل العمومي للجامعات ومؤسسات التعليم العالي في الدول المتقدمة. وحرصا منّا على اللحاق بمعايير الدولية في هذا المجال تمّ إدراج التقييم في مشروع القانون ليشمل لأوّل مرّة في نصّ من هذا المستوى تقييم المسالك والمؤسسات والمدرّسين كذلك.
ويهدف التقييم خاصة إلى قياس أداء المؤسسة وتحديد مردودها الداخلي والخارجي وبذلك يكون التقييم آلية للتطوير والتجديد إذ يمكّن المؤسسة من تشخيص مزاياها التفاضلية والوقوف على مواطن الضعف لتداركها بما يؤهلها للتموقع في المشهد الجامعي الوطني والدولي ويعزّز مقروئية (lisibilité) شهائدها لدى الرأي العام الداخلي والخارجيّ.
أمّا في ما يتعلّق بعلاقة التقييم بالتفقّد البيداغوجي فينبغي الإشارة إلى أنّ ذلك ناتج عن خلط بين المفهومين. إذ التفقّد البيداغوجي غير وارد إطلاقا في المؤسّسات الجامعية ولا وجود لشيء آخر غير التفقّد الإداري والمالي العادي لمؤسسات التعليم العالي والبحث كلّما تطلّب الأمر ذلك.
* ما هي أبرز ملامح مستقبل الجامعة التونسية خلال المرحلة المقبلة في ظلّ القانون التوجيهي للتعليم العالي؟
في إطار تجسيم البرنامج الإنتخابي للرئيس زين العابدين بن علي تتمثل أبرز ملامح مستقبل الجامعات التونسية في المرحلة القادمة خاصة في توفير التكوين الملائم لمقتضيات التنمية ومتطلبات سوق الشغل. كما تهدف إلى تحقيق شراكة فعلية وناجعة مع المحيط الإقتصادي والصناعي لتخريج حاملي شهادات تعليم عالي قادرين على الإندماج في سوق الشغل. إمّا بالعمل في القطاع العمومي أو الخاص أو بإحداث الخريجين لمشاريعهم الشخصية مستفيدين في ذلك من مختلف الآليات التي وضعتها الدولة للغرض وفي هذا السياق سيتمّ دعم البناء المشترك في الإجازات التطبيقية التي يضعها الجامعيون والمهنيون. كما يمكن الإستفادة من الفضاءات وأساليب الإحاطة والتأطير التي توفّرها محاضن المؤسّسات لباعثي المشاريع من الخريجين.
وسيتم الاهتمام بتطوير عروض التكوين والاتجاه نحو تعدّد الشهادات المشتركة مع الجامعات الأجنبية والتأطير المشترك لأطروحات الدكتوراه مع هذه الجامعات لمزيد التعريف بمنتوجنا ومواصفاته ومزيد التركيز على لحاقنا بالمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال بالتدّرج نحو تعميم نظام الجودة وإحداث أقطاب امتياز في مختلف الجامعات.
ومن أهمّ مشاغلنا بالنسبة إلى المرحلة القادمة كذلك التركيز على مشاريع تكوين وبحث تهدف إلى تملّك التكنولوجيا وتطويرها والاهتمام أكثر بالبحث التنموي في سياق التوصيات المنبثقة عن الأيام الوطنية للبحث العلمي التي انعقدت في نوفمبر الماضي وشارك فيها ما يناهز 2200 باحث إضافة على ممثلي الأحزاب والمنظّمات الوطنية.
إنّ هذه الإستراتيجية التي تهدف تدريجيا إلى التقدّم بخطى ثابتة نحو بناء جامعة وذلك خاصة في اتجاه تجسيم سياسة الجودة والاعتماد بالنسبة إلى مؤسساتنا التكوينية والبحثية. وسيساعدنا ذلك على رفع تحدّيات المنافسة الشاملة في عصر العولمة وكذلك على الاندراج تدريجيّا في الترتيب العالمي للجامعات. وتجدر الإشارة في هذا السياق لإنارة الرأي العام الوطني إلى أنّ التقرير الأخير لمنتدى دافوس العالمي الذي ينبني على تقييم من المهنيين وصنّاع القرار السياسي والاقتصادي رتّب بلادنا في المرتبة 26 بالنسبة إلى التجديد وفي المرتبة 30 بالنسبة إلى التعليم العالي عالميّا.
* كيف تقيّمون تعدد المواقف والآراء واختلافها بشأن مشروع القانون التوجيهي للتعليم العالي؟
لقد عرفت بلادنا منذ الإستقلال قانونين للتعليم العالي تزامن إعتمادهما مع مراحل تاريخية مختلفة هي بناء الدولة المستقلة وتكوين إطاراتها تمّ تطوير المنظومة الوطنية مع بداية التحوّل. أما مشروع القانون الجديد فهو يؤسّس لمرحلة هامّة في حياة بلادنا تعدّدت فيها التحديات واستوجبت لذلك إحداث نقلة نوعية تمكن من رفعها والتأسيس لجامعات القرن الحادي والعشرين. ونظرا لما أقرّه سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية من إرساء لأسس التعدّدية ودعم لأركانها، واعتبارا لتعدّد الحساسيات الفكرية فمن الطبيعي أن يساهم كلّ مهتمّ بهذا الشأن بآرائه وأفكاره ومواقفه إزاءه وأن يعبّر عنها بكلّ حرّية. وقد أصغت الوزارة إلى مشاغل كل الأطراف وتعاملت معها في مختلف المراحل في إطار التوجهات الرئيسية للمشروع.
* تراهنون على تجسيم عنصر الجودة في منظومة التعليم العالي والبحث، فما هي أبرز الخطوات المقطوعة في هذا المجال خصوصا مع انطلاق تطبيق النظام الجديد للتعليم العالي "إمد"؟
يندرج الرهان على تجسيم عنصر الجودة في منظومة التعليم العالي في إطار أشمل هو حرص الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية على الإرتقاء بالأداء والمردود في مختلف السياسات القطاعية، من ذلك تُوصّل بلادنا إلى النجاح في إنجاز برنامج التأهيل الشامل لمؤسساتنا الاقتصادية والاجتماعية مما سمح بترتيبنا ترتيبا مشرّفا على المستوى الدولي من قبل مختلف الهيئات المختصّة ذات المصداقية العالية.
أما في ما يخصّ تجسيم الجودة في منظومة التعليم العالي والبحث فإنّنا قطعنا خطوات هامة على مستوى تكوين المكوّنين لاسيّما مع انطلاق برنامج التدريب البيداغوجي للمنتدبين الجدد وتحوّل نظام شهاداتنا إلى منظومة "إمد" التي تعتمد المعايير الدولية في التكوين. وإلى جانب ذلك تمّ لأوّل مرّة إرساء برنامج تنافسي لدعم جودة التكوين من جهة وجودة التصرّف البيداغوجي والإداري والمالي خاصّة بالتقدم في التصرّف حسب الأهداف من جهة أخرى. كما تمّ لأوّل مرّة كذلك سنّ ترتيبات جديدة تؤسّس لنظام مدارس الدكتوراه التي تقوم بطبعها على الإمتياز. وأدخلنا حركيّة جديدة تتمثّل في إدخال ثقافة المنافسة بين مؤسسات التعليم العالي والبحث للفوز باعتمادات مالية تحفيزيّة للمشاريع المتميّزة. وعلى صلة بذلك تم تعميم التقييم في المؤسسات العمومية للبحث العلمي وكذلك هياكل البحث من مخابر ووحدات في الجامعات.
ونحن نراهن على الدور الهام المُوكل للأقطاب التكنولوجية لإحداث التفاعل الإيجابي بين مؤسسات التكوين ومراكز الإنتاج في المجالات المجدّدة لاستقطاب المستثمرين والمبدعين في هذه المجالات. إنّنا نراهن بقوّة وبثقة كبيرة وعزم راسخ على رفع منظومتنا التكوينية والبحثية إلى فوق. ونعوّل على كلّ ذوي النوايا الصادقة وهم كثيرون في مؤسّساتنا الجامعية لكسب هذا الرهان الوطني. ونعتقد أنّ ذلك ليس بعزيز على ذكاء أبناء تونس وبناتها من أساتذة وباحثين وطلبة.
* ما مدى تحسن المؤشرات المعتمدة في مجال التعليم العالي خلال الفترة الأخيرة على غرار تنوع الشهادات وتعددها خصوصا منها ذات الطابع التشغيلي, نسب التأطير داخل الجامعات مقارنة مع عدد الطلبة, توفر البنية الأساسية من مرافق وتجهيزات جامعية، وغيرها من المؤشرات؟
شهدت السنوات الأخيرة تحسّنا ملحوظا في عديد المؤشرات المعتمدة في القطاع عكس ما يحظى به قطاع التعليم العالي والبحث العلمي من رعاية فائقة لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية في إطار تجسيم التوجّهات الواردة في البرنامج الرئاسي. فبالنسبة إلى تعدّد الشهادات وتنوّعها خصوصا في المجالات الواعدة الأكثر تشغيلية، تجدر الإشارة إلى أنّ عدد الدارسين في شعب الإعلامية والاتصالات والملتميديا ارتفع من 11.729 طالبا في السنة الجامعية 2000-2001 إلى 42.705 طلبة من السنة الجامعية 2007-2008 وارتفع عدد الطلبة الدارسين في الفنون والحرف خلال نفس الفترة من 3900 طالب إلى 16300 طالب. بينما ارتفع في نفس الفترة عدد الطلبة بالنسبة إلى اللغات المطبّقة في الإنسانيات من 13283 طالبا إلى 28065 طالب وارتفع عدد الطلبة الدارسين في المدارس التحضيرية لتكوين المهندسين من 4684 إلى 11811 خلال نفس الفترة وعدد الطلبة الدارسين في المدارس الوطنية للهندسة من 7422 إلى 10412 خلال نفس الفترة.
أمّا مؤشّر عدد الشعب فقد ارتفع من 545 شعبة في 2004-2005 إلى 850 شعبة سنة 2007-2008. في ما يخصّ نسبة التأطير ارتفعت النسبة من أستاذ لكل 20 طالبا سنة 2000 -2001 إلى أستاذ لكلّ 18 طالبا سنة 2007 -2008. وتحسّنت نسبة المدرّسين من 19% سنة 2000 -2001 إلى 35.1% سنة 2007-2008 بالنسبة إلى الشريحة العمرية 19- 24سنة. وارتفعت نسبة الفتيات في مؤسّسات التعليم العالي من 51.9% سنة 2000 -2001 إلى 59.4% سنة 2007 -2008. وارتفع عدد الجامعات من 7 جامعات سنة 2000- 2001إلى 13 جامعة سنة 2007- 2008بينما ارتفع عدد المؤسسات الجامعية من 108 مؤسسات سنة 2000- 2001إلى 190 مؤسسة سنة 2007-2008 بما في ذلك الجامعة الافتراضية التي يؤمّها الآن ما يزيد عن 37000 طالب يتابعون الدراسات في شهادة الإعلامية والأنترنات.
بخصوص مؤشّر الإعتمادات المخصّصة لإقتناء التجهيزات العلمية الثقيلة لفائدة مؤسسات التعليم العالي والبحث يلاحظ أنّه تطوّر من 1.750م.د سنة 2003 إلى 3.690م.د سنة 2007.
أمّا حجم الإعتمادات المرصودة لإقتناء التجهيزات العلمية والإعلامية والمختلفة لفائدة الجامعات فقد تطوّر من 4.4 مليون دينار سنة 2000 إلى 29.1 مليون دينار سنة 2008.
كما تطوّرت البنية التحتية الأساسية، إذ تدعمت طاقة الاستيعاب في مجالي التكوين والإسكان وتمّ إحداث حوالي 100 ألف مقعد إضافي إمّا بتوسيع مؤسسات قائمة أو بإحداث معاهد وكليات جديدة وقد انتفعت بذلك جميع ولايات الجمهورية.
أجرى الحديث: نورالدين عاشور - رفيق بن عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.