تأليف الدكتور محسن عبد النّاظر الحلقة الرّابعة الفصل الثالث: الصّد عن الإسلام بالقول صدع الرسول (ص) بما أنزل عليه ونشره في مكة فكانت لمن بلغتهم الدعوة مواقف جاء في الفصل السابق ان أصحابها سيدافعون عنها وينتصرون لها بوسائل متعددة ومتنوعة فمن أهل مكة من تكون مواقفه معتمدة الحوار والسجال وغيرهما من الوسائل التي تقتصر على الكلمة ومنهم من يلجأ الى العنف المادي للدفاع عن مواقفه وفرضها فالدعوة حركت السواكن ونبهت العقول واججت المشاعر فوجد فيها مخرجا من كان متحفظا على العقائد المنتشرة والطقوس المتبعة والعلاقات التي فرضها الاقوياء وادرك من كان قائما على شؤون الالهة، ومن كانت بيده السلطة ورثها عن آبائه واجداده ان الدّين الذي يدعو اليه محمد (ص) ثورة تهدّد مصالحهم وتقضي على هيبتهم وتفقدهم دورهم القيادي فهو يدعو الى منهج جديد في الحياة العامة والخاصة يناقض ماهم عليه من استعباد للضعيف واسترقاق لمن يأسرونه ظلما واستنقاص لمكانة الانثى الى درجة تبيح وأدها ادرك اغلب سادة مكة واشرافها هذا وغيره كما ادركوا ان للقران الذي يتلوه محمد (ص) نظما ومضمونا لم يألفهما العرب ففيه قيم جديدة وفيه بلاغة وحلاوة تنفذ بفضلهما معانيه الى اعماق النفوس فتوقضها وتدفعها الى الطاعة والتسليم فعملوا على محاربته والصد عنه حتى ترفضه عقولهم وتمجّه عواطفهم وتقاومه جوارحهم، وحتى يحملوا غيرهم على ان يكون تبعا لهم في هذا الصد سينوّع هؤلاء وسائلهم فيستخدمون القول والدعاية ويمارسون العنف والاكراه متى تمسك مخالفوهم بالايمان وتحدّوهم وسعوا الى اقناعهم لنشر مايدعو اليه الاسلام ويخصص هذا الفصل للصدّ الذي يقتصر اصحابه على الكلمة والذين اشار اليهم قوله تعالى: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون» (الصفّ/8) لجأ هؤلاء الى الحجاج والى السخرية والاستهزاء والتجريح والاتهام والتحدي. تتبع الفصل حجاج المشركين واستهزاءهم بالرسول (ص) وسخريتهم منه والتهم التي ألصقوها به والاغراء الذي عرضوه عليه والمطالب والاسئلة التي سعوا الى احراجه بها واظهار تفوقهم المعرفي عليه والتشويش الذي مارسوه لافساد مجالسه والحملات الاعلامية التي تفننوا في صناعتها والتي ذكر القرآن بعضها في قوله تعالى «وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم اذا مزقتم كل ممزق انكم لفي خلق جديد.افترى على الله كذبا ام به جنة بل الذين لايؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد» (سبأ 7-8) جاء في الاخبار ان المشركين من عمل على البحث عمن يريد لقاء الرسول (ص) لتحذيره واثنائه عن عزمه «فقريش لما اهمهم امر النبي ورأوا تأثير القرآن في نفوس الناس وأخذ اتباع الاسلام يكثرون وصار الوافدون على مكة في موسم الحج وغيرهم يسألون الناس عن هذا القران ومايدعو اليه دبر الوليد بن المغيرة معاذير واختلافا يختلقونه ليقنعوا السائل به فندب منهم ستة عشر رجلا بعثهم ايام الموسم يقعدون في عقبات مكة وطرقها التي يرد منها الناس يقولون لمن يسألهم: لاتغتروا بهذا الذي يدّعي أنه نبيّ فانه مجنون أو ساحر أو شاعر أو كاهن وأن الكلام الذي يقوله أساطير من أساطير الأولين اكتتبها. «فالمتدبّر في صنيع الوليد هذا يلاحظ حضور الاصول التي يعتمدها المسيطرون على وسائل الاعلام في بعض البلدان لنشر مايريدون نشره ودعم مايودّون دعمه وترسيخ مايقرّون ترسيخه حتى يستقر في الاذهان وتتفاعل معه فصائل الرأي العام يعمل هذا الاعلام على ان يكون سباقا فيضمن بذلك اسباب النجاح في كسب الانصار وامتلاك العقول والاحاسيس يتطلب هذا السبق ان يذهب ناشر الخبر الى المتلقي ادرك الوليد بن المغيرة هذه القاعدة فنشر وسائل اعلامه المتحركة في اطراف مكة وشعابها حتى يستقبل القائمون عليها الوافدين وينشروا فيهم مايريدون ترسيخه في اذهانهم وفي هذا الصنيع تقنية اعلامية تعمل على ان يكون مصدر الخبر متعددا ومتباعدا فيقع تصديقه ومن الاصول الدعائية التي استخدمها الوليد وهيأ أعوانه حتى ينجحوا بفضلها مخاطبة المتلقين بما يفهمون وبما هو مناسب لمداركهم وعواطفهم لذلك زودهم بأوصاف متعددة تذم الرسول (ص) والقران الكريم فالهدف من تعدد هذه الاوصاف المحرجة اختيار المخبر انسبها واقربها حتى يقبله المتلقي ويستقر في ذهنه ان محمدا (ص) خطر على العرب وان ما أتى به لايستحق الاطلاع عليه ونقله فصنيع الوليد يشبه الى حد بعيد مايسلكه الذين يخشون التغيير الجذري لانظمة يدافعون عنها ويؤمنون بأن زوالها يفقدهم مراكزهم القيادية فيحرمون من تفوقهم المادي والاجتماعي. دأب هؤلاء قديما وحديثا على امتلاك وسائل اعلام مختلفة تضفي مسحة من الخير ومن الفضيلة ومن النبل على مؤسساتهم وعلى مشاريعهم مقابل الحط والتحذير من خصومهم الداعين الى التغيير والتجديد وذلك بوصفهم بشتى النقائص ورميهم بأبشع التهم. لقد شن المشركون على الاسلام ورسوله حربا اعلامية فجندوا اعوانهم ونشروهم في شعاب مكة وطرقها وكلفوهم بأن يبحثوا عن المحتاجين الى النصح والتوجيه وان يرشدوا من يصلون اليه منهم حتى يعدل عن لقاء محمد (ص) ويدرك انه لاتتوفر فيه شروط الهادي وانه لايملك دليلا على صدقه وعلى نزول الوحي عليه فهو مفتر على الله وناقل لاقوال لاتصدر الا عن المجانين فهو يدعي ان البشر سيعودون الى الحياة بعد الموت وان من لايصدقه ويأتمر بأوامره سيلقى به في النار وسيذوق الوان العذاب لا يختلف منهج هؤلاء واسلوبهم ووسائلهم عما يسلكه ويمارسه المتخصصون في اعلام يصنع رأيا عاما يحشد بفضله الاتباع والانصار ويقودهم الي التسليم بما يدعو اليه والى محاربة من يخالفونه فهو اعلام يعتمد التخويف من المخالف ومن التجديد الذي يدعو اليه ويستبق صانعوه الاحداث ويسارعون الى مخاطبة الجماهير خطابا يصور الوقائع كما يريدون ويحصر الطرق الموصلة الى الحقيقة حتى لاتؤدي إلا الى مايرسمون فهم يريدون ان يسيطروا على عقول المخاطبين سيطرة تجعلهم يسلمون بما يسمعون ويتعصبون لما يدعون اليه ويزهدون في التعرف على المواقف المخالفة التي كانوا يريدون الوصول الى اصحابها والتعرف عليهم والاستماع الى مايدعون اليه فالذين كانوا يترصدون الوافدين على مكة او المقبلين على الرسول لمعرفة ما يدعو اليه لابعادهم عنه وتهيئتهم لتكذيبه كانوا مدركين ان عقيدة البعث خطر على نظامهم وخاصة على علاقتهم الاجتماعية التي كانت تبيح للاشراف والسادة ان يفعلوا مايريدون دون ان يحاسبوا على مايصدر عنهم لا عاجلا ولا آجلا ان الذين سعوا الى نحت رأي عام معاد للرسول كانوا ينظرون الى عقيدة البعث نظرة تدرك ان العامة يصعب عليهم التسليم بعودة الانسان الى الحياة بعد الموت فهم سيصدقون اتهام من يدعي ذلك بالافتراء على الله ان كانوا مؤمنين بوجوده او بالجنون ان لم يكونوا كذلك. يستنتج مما تقدم - من المشركين من ادرك ان للاعلام المباشر دورا في ايجاد رأي عام مناهض لما يدعو اليه محمد (ص) فعمل على الاتصال بالذين يحتمل ان تبلغهم دعوته وبالذين يبحثون عنه وبالذين يصدر عنهم مايشير الى تصديقه لاقناع الجميع بضرورة الابتعاد عنه وتخويفهم من دعوته. - اتبع هؤلاء منهجا يحتم على من يخاطبونه ان يصل الى نتيجة مطابقة لما يريدون فيصبح من انصارهم بعد ان كاد الايمان بمحمد (ص) يدخل قلبه ووجدانه. - يبرز منهج هؤلاء في البحث عن الانصار وفي اختيار موضوع الاعلام وطرق نشره ان من افراد المجتمع المكي من كانت له القدرة على ايجاد رأي عام يناصره حتى وان كان مايطرحه ومايعمل على دعمه وحمايته لايخدم هذا الرأي العام ووجد هذا الاعلام في التحذير من كل جديد ومن التشهير بصاحبه ورميه باقبح الصفات واحطها وسائل تنفر العرب وغيرهم من دعوة محمد (ص). - لم يأت في مواقف الذين صدوا عن الاسلام بالكلمة مايفيد انهم كانوا يستخدمون الردع فهل كانوا يأملون ان يحققوا اهدافهم دون اللجوء الى الوسائل القمعية ام انهم جمعوا بين هذه وتلك اذ تأكدوا من فضل ما تفننوا فيه من استهزاء وسخرية وتجريح وغيرها من الوسائل القولية؟