المسلم المخلص يستقي صفاته واخلاقه من جمال خلق المرسلين عليه الصلاة والسلام وكمال خلقه، بما لا يحيط بوصفه البيان. هذا الرسول صاحب الخلق العظيم، فاضت باجلاله القلوب، وتفانى في حياطته واكباره الرجال بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره. فالذين عاشروه أحبوه الى حدّ الهيام لأن الخصال التي تميز بها لم يظهر بمثله بشر. لا أصف ما وصفه به السابقون شكلا، وانما أكشف الغطاء عما اختص به من مكارم اخلاق، وسعة معارف، وهذا ليس عجبا، فهو صاحب معجزة القرآن هذا الكتاب الذي هدى العلماء كلاّ حسب اختصاصه، وارشدهم الى أصدق المعارف، وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام، أوتي بجوامع الكلم، وخصّ ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، اجتمعت له قوه عارضة البادية وجزالتها، ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها الى التأييد الالهي الذي مدّده الوحي. وكان الحلم الاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه الله بها، وكل حليم قد عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزد مع كثرة الاذى الا صبرا، وعلى اسراف الجاهل الا حلما. قالت عائشة «ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن اثما، فان كان اثما كان ابعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه الا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» رواه البخاري ومسلم. وكان بعد أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضا. كان من صفة الجود والكرم على ما لايقادر قدره، كان يعطي عطاء من لايخاف الفقر. قال ابن عبّاس «كان النبي صلّى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة» رواه البخاري. وقال جابر «ما سئل شيئا قط فقال «لا» رواه البخاري. كان أشجع الناس في المواقف الصعبة. وأشدّ الناس حياء واغضاء وأعدل الناس وأعفهم وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة. واشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر وأوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرّحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس. أحسن الناس عشرة وأدبا وأبسط الناس خلقا، أبعد الناس من سوء الاخلاق، لم يكن فاحشا، ولامتفحشا، ولا لعّانا، ولا صخابا في الاسواق، ولايجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، هاته بعض الاوصاف التي ذكرها المؤرخون واهل السنة، واعترف بها حتى اعداؤه. فمتى ننتظر ان يكون هو قدوتنا ومرجعيتنا؟ ألم يكف أن كبار العلماء مصدرهم الثابت ما تركه من تراث للبشرية صاحب معجزة القرآن الكريم؟ فاتقوا الله يا من انحرفتم عن الاعتدال وضللتم الضلال البعيد. واعتصموا بحبل الله جميعا.