الآن وقد وقف جميعنا على جملة الصعوبات التي عرفتها البلاد خلال صيف صعب بكل المقاييس والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تعالوا نتحدث بهدوء ودون انفعال عما قدم كل منا للبلاد، وعما عاشه المواطنون خلال الشهرين الأخيرين سواء كانوا داخل العاصمة أو في بقية المدن الكبرى والقرى والأرياف وخاصة أولئك المرابطين في صمت في الجهات الداخلية. نقول هذا لنتحدث عن مسؤولية كل طرف وواجبه تجاه المجموعة الوطنية، ولنبدأ بالحكومة باعتبارها الضامن الأول في هذا الباب لتحقيق حاجيات المواطنين والاستجابة لطلباتهم وتلبية الوعود التي قطعتها على نفسها تجاه ما وعدت به أو مواجهة ما طرأ وما يطرأ باعتبارها سلطة وصاحبة قرار. إن حاجيات المواطنين وطلباتهم تعددت وتنوعت، فمنها ما هو قديم جديد مثل التنمية والشغل، ومنها ما هو جديد وطارىء مثل ماء الشراب والكهرباء ومنها أيضا ما تعدى ذلك ليتصل بشعارات الثورة التي سالت من أجلها الدماء مثل الكرامة والحرية والديموقراطية. وهي مطالب كلها شرعية ولا يمكن مواجهتها بالمماطلة والتسويف وبالعصا الغليظة مثلما تم ذلك في الأيام الأخيرة في جهات مثل سيدي بوزيد وصفاقس وبعض الجهات الأخرى التي بدأ فيها الأمن يعود إلى عادته القديمة. دعونا نتصارح لنقول إن الحمل ثقيل وإن ثقله لم يأت فقط من تكاثر الطلبات وتنوعها إنما جاء من أساليب مواجهتها التي غابت فيها الجدية وغلبت عليها الحسابات الضيقة داخل الحكومة، وتأثرت أيضا بسياسات تقوم على الاستقطاب والهروب إلى الأمام ضمن حسابات بات يدركها الجميع وتتلخص في السباق نحو استحقاقات الانتخابات التشريعية القادمة والبقاء في السلطة. هذا المنطق ألفه الشعب التونسي مع النظام البائد الذي مارس أساليب الضغط والعصا والجزرة، وهو أسلوب نلمسه اليوم في مظاهر عديدة منها خاصة السعي لوضع اليد على قطاعات حساسة مثل الاعلام والإدارة ليكونا مطية يسهل بهما الوصول إلى المآرب والأهداف المنشودة. هذه الحسابات بدأت تنكشف للجميع، وبات المواطن العادي لا ينبهر بالوعود الجوفاء، كما أنه يرفض أن يساق كالقطيع بعد أن قال يوم 14 جانفي وداعا للخوف الذي سكن القلوب لعشريات طويلة. فكفى مهاترات وحسابات ضيقة وهروبا إلى الأمام، ولنواجه واقعنا بشكل أكثر واقعية بعيدا عن الحسابات الضيقة التي سرعان ما تنكشف لأن حبل الكذب قصير.