باحث في علم الاجتماع التربوي: «النظام المدرسي الذي يهمل التنشئة الاجتماعية ويقتصر على التدريس يجعل التلميذ يخاف المدرسة ويفقد الثقة في المربين» تونس الصباح: كشفت وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين مؤخرا عن نسب تفشي السلوكيات المحفوفة بالمخاطر أو المنحرفة لدى فئة الشباب التونسي كالتسرب من منظومة التربية والتكوين والتدريب المهني وتناول الكحول وتعاطي المخدرات وهي لا تتجاوز على التوالي 2 فاصل 15 بالمائة و8 بالمائة و1 فاصل 5 بالمائة. ولكن هذه الإحصائيات التي تؤكد على انحصار الظاهرة لدى قلة من الشباب تثير انتباه الباحثين والمختصين في علم الاجتماع التربوي وفي علم النفس وعلوم التربية.. فالكثير منهم يلحون اليوم وأكثر من أي وقت مضى على ضرورة إصلاح المنظومة العلائقية داخل المنظومة التربوية وعلى تلطيف حدة التوترات في المدرسة التونسية وهم يعتبرون أن الإصلاح لا يقتصر على مجرد إصدار قوانين وأوامر تنظم الحياة المدرسية في القسم وخارجه.. وفي هذا الصدد يرى الباحث في علم الاجتماع التربوي الأستاذ طارق بن الحاج محمد أن الإصلاح هو "رؤية شاملة لما يجب أن تكون عليه التربية عموما من التعليم مرورا بالتعلم ووصولا إلى التنشئة الاجتماعية والنفسية السليمة وهذا ما يفترض على حد تعبيره الأخذ بعين الاعتبار الجوانب التعليمية والإدارية والتربوية والبيداغوجية وذلك ممكن حينما تصبح الصحة النفسية جزءا لا يتجزأ من الثقافة التربوية داخل القسم وخارجه". فرغم ترسانة القوانين والأوامر المنظمة للحياة المدرسية التي تمثل حاضنة ومرجعا للتجديد التربوي ورغم استفحال الأزمة العلائقية داخل المدرسة وانكشاف معالمها بوضوح يقول الباحث "لم ننجح بعد في اعتماد التشخيص الصائب والقراءة الدقيقة للمرحلة بحيث تواجه المستجدات بعقلانية وآليات جديدة وحديثة". ويمر تحديد مدخل جديد لتجاوز هذا المأزق والحيلولة دون تحول الأزمة التربوية إلى أزمة اجتماعية عبر التشبع بروح الإصلاح ومن بين شروط تحقيق ذلك هو أن تتحول الصحة النفسية إلى جزء أساسي ومبدئي في الثقافة التربوية. وقال الباحث "نريد أن نعلّم وكذلك نريد أن نربي على مجموعة من القيم ويكون ذلك ممكنا بجعل غاية المدرسة الأساسية هي تربية طفل متوازن منفتح مطلع ومندمج في المدرسة وخارجها". دور المدرسة في دراسة أجراها حول الصحة النفسية والثقافة التربوية وردت في نشرية «أنوار» التربوية الصادرة عن المركز الجهوي للتربية والتكوني المستمر بزغوان يرى الأستاذ طارق بن الحاج محمد أن المدرسة هي مؤسسة من مؤسسات التنشية الاجتماعية وكلما أدت دورها التربوي على أحسن وجه ازدادت كفاءتها الداخلية والخارجية ليس في ميدان التعليم فحسب بل وفي مجال التربية القويمة فكل ما يكسبه الفرد من فضائل وخصال وكلما يترسخ لديه من خصائص مثل حدة الوعي والتفكير البناء وقوة الإرادة والخصائص الأخلاقية الرفيعة وتماسك الشخصية إنما يأتي على حد تعبيره نتيجة لتفاعل الفرد مع غيره في وسط اجتماعي رصين ومنظم تمثله المدرسة وذلك من أجل جعلها مكانا للتنشئة الاجتماعية السليمة وليس مكانا للإقصاء والعنف التربوي والاجتماعي ويدعو الباحث إلى تجنيب الأطفال قدر الإمكان التعرض لخبرات قاسية يمكن أن تولد عندهم مجموعة من السلوكيات المَرَضِيَةِ الظاهرة والخفية. فغاية المدرسة وهدفها إحداث الإندماح الذي يتطلب بدوره تغيرا في سلوك الفرد وتفكيره واتجاهاته لكن بدرجة كبيرة من المرونة والحرفية ويرتبط الاندماج الإجتماعي داخل الفضاء المدرسي على حد تعبيره بما يوفره هذا الفضاء من وضعيات ومسارات تنمي الاتجاهات النفسية السليمة لدى الطفل بحيث تصبح نشاطاته وتصرفاته تقاس بمدى تطويره لقدرته على التوافق الاجتماعي مع مكونات المدرسة وإقامة علاقات اجتماعية سليمة مع أفرادها ومختلف مكوناتها لأن مدى نجاح التجربة الاجتماعية للمدرسة مرتبط بما توفره هذه البيئة من إحساس بالأمن والاستقرار وعادة ما يعاني الأطفال الأكثر قلقا من قلة القدرة على التكيف الاجتماعي وضعف انتظام المردود المدرسي. ويقول "يأتي الأطفال إلى المدرسة وهم بحاجة إلى الأمن والمحبة والإحساس بالانتماء والرغبة في الاعتماد على النفس وفي عيش حياة اجتماعية وقد لا تكون المدرسة قادرة دائما على تلبية هذه الاحتياجات مجمعة لجميع المنتسبين إليها.. والنظام المدرسي الذي يهمل جانب التنشئة الاجتماعية ويقتصر على التدريس فقط والذي يقوم على العقاب والقسوة والتوبيخ والأمر والنهي يهدد إحساس الطفل بالأمن ويجعله يخاف من المدرسة ويفقد الثقة بالراشدين وبذلك تتحول الخبرات المدرسية لدى الطفل إلى خبرات مؤلمة ومزعجة ومخيفة.