اسبوع صعب مر على الاعلاميين انطلق بتعيينات مسقطة على عدد من المؤسسات الاعلامية لاقت الرفض والتنديد من قبل اهل القطاع وانتهى بإيداع صاحب قناة «التونسية» سامي الفهري السجن مرورا باعتداءات مادية ومعنوية على عدد من الاعلاميين وهرسلة البعض الآخر عبر ايقاف برامجهم اوتغييرها وحتى تهديد زملاء بالتصفية الجسدية ومطالبة بإيقاف آخرين والاعتداء بالعنف على عدد آخر... ما حصل طيلة الاسبوع الماضي يعتبر ضربة قاصمة لحرية الاعلام والتعبير ومحاولة معلنة من قبل السلطة لوضع اليد على الاعلام ولجم الافواه ووضع الستار أمام الكاميراهات والميكروفونات وتطويع الاقلام..
فالتسميات الأخيرة طرحت أكثر من سؤال حول أسبابها وأهدافها وأجمع العارفون بالخفايا بأن الهدف منها سياسي بالأساس وبالتحديد خدمة حركة النهضة في الحملة الانتخابية القادمة وكبت الاقلام والاصوات المناوئة والمخالفة لرأي «الترويكا» الحاكمة أو التي أظهرت قربها من احزاب وشخصيات منافسة لها.
أما التضييقات والتي كانت ضحيتها مؤسسات اعلامية على غرار قناة «التونسية» واعلاميين على غرار بثينة قويعة في الاذاعة الوطنية وغيرها فان وراءها محاولات لالجام الالسن التي أقلقت السلطة الحاكمة واعتبرت أنها تجاوزت الخطوط الحمراء ومست من رموز البلاد خاصة عبر «القلابس» التي تم التضييق عليها بشتى الطرق واعلن رموز في السلطة صراحة عن ضرورة ايقافها ونجحوا في ذلك عبر العودة الى ملفات ديوانية وملف علاقة «كاكتوس» بالتلفزة التونسية الذي اغلق في وقت سابق لكن تمت العودة اليه وانتهى الامر بوضع سامي الفهري وراء القضبان. مع المطالبة بتجميد نشاط كل من معز بن غربية ونوفل الورتاني في القناة. الهرسلة ظهرت كذلك في كيفية التلويح بالكشف عن القائمة السوداء للإعلاميين واشعار كل طرف بانه يمكن أن يكون من بين الاسماء الواردة فيها لو لم يدخل بيت الطاعة وينضم لمن بادروا بدخوله لتبييض أنفسهم ورفع راية الشرف والطهارة. ضرب حرية الفكر والتعبير لم يقف عند هذا الحد بل وصل الى أروقة المحاكم حيث وجد أيوب المسعودي المستشار السابق لرئيس الجمهورية المؤقت نفسه يواجه تهمة جنائية أمام التحقيق العسكري تتضمن أن المسعودي وجه تهمة «خيانة دولة» لرئيس أركان الجيش بعدم اعلامه الرئيس المؤقت بتسليم البغدادي المحمدودي للسلطات الليبية وهو ما أعتبر «مسا من كرامة الجيش التونسي والتشكيك في صدق المؤسسة العسكرية وإخلاص قادتها وحيادهم والزج بتلك المؤسسة في المتاهات والتجاذبات السياسية التي من المفروض أن تكون في منأى عنها».. محاكمة الفكر والرأي تواصلت ليمثل أمس الصحفي عادل الحاجي من جريدة «الطريق الجديد» أمام القضاء بعد أن رفع ضده وزير التعليم العالي قضية من أجل مقال بعنوان «بعد تسوية كل الملفات الجامعية وزير التعليم العالي يحدّد القبلة» وطالب الوزير بتتبع عادل الحاجي وصحيفته بتهمتي «الثلب و نشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو الأمن العام..»! القمع وضرب الفكر ظهرا كذلك في «فك لجام» السلفيين ومنحهم حرية الاعتداء على اصحاب القلم والفكر وكل من يخالفهم الراي وآخر ضحايا هذا الفكر التكفيري الشاعر الصغير أولاد أحمد الذي تعرض للاعتداء -حسب قوله-من قبل مجموعة سلفية هددته سابقا نتيجة آرائه واشعاره وكتاباته.. لقد طمأنت الحكومة مرارا الصحفيين والراي العام بان زمن الهيمنة على الاعلام قد ولى الى الأبد، إلا أن الافعال وبعض التصريحات الاخرى لقيادات حكومية وحزبية من الترويكا الحاكمة خاصة المتعلقة بخصخصة الاعلام العمومي بما في ذلك بيع مؤسسة التلفزة الوطنية تثير حفيظة الاعلاميين حول مستقبل مؤسساتهم ومهنتهم. ان حرية الرأي والتعبير باتت اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى خاصة في ظل تجاهل الحكومة وعدم اجازتها للمرسومين 115 و116 اللذين صدرا قبل انتخابات 23 أكتوبر من العام الماضي واللذين كان يفترض أن ينظما الإطار التشريعي للمشهد الإعلامي في البلاد. وفي ظل هذا الضغط على الاعلاميين ومحاولات وضع اليد مجددا على الاعلام وكبت الافكار، يبقى الخوف قائما صلب أهل المهنة على مستقبل حرية الصحافة والاعلام بصفة خاصة ومستقبل الحريات بصفة عامة في تونس رغم المكاسب التي جاءت بها الثورة.