تاريخيا تتمتّع تونس بعراقة دستورية أرسينا تقاليدها منذ عهد الأمان في 1857 الذي يعتبر أوّل دستور عربي قنّن إلى حدّ ما العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. و بعد ما أثير من تحفظات حول ما قدّم على أنه مسودة الدستور المرتقب بات يطرح أكثر إشكال ومنها على وجه الخصوص أجل الانتهاء من صياغة الدستور أو التاريخ المبدئي الذي أعلنه رئيس المجلس التأسيسي أي موعد 23 أكتوبر الذي ترى بعض القوى السياسية الفاعلة أنه من الصعب الالتزام به كما أن أمل الرأي العام في أن يكون دستور ما بعد الثورة عاكسا لعمق هذه التجربة الدستورية وحاضنا للمطالب الثورية وكافلا للحريات والحقوق. لكن تفاجأنا بتصريحات خبراء وفقهاء القانون الدستوري المخيبة للآمال بعد اطلاعهم على مسودة الدستور الذي استغرق جهدا ووقتا من طرف نواب المجلس التأسيسي الذين أتيحت لهم كل الإمكانيات للاطلاع على القوانين المقارنة والاستماع إلى الخبراء في أكثر من 200 جلسة استماع.. ورغم حجم المجهود الذي بذل فان نتائجه فيما قدّم في المسودة يبدو محتشما حسب ما صرّح به الخبراء وأن هناك خلالا كبيرا على مستوى الشكل يتمثّل خاصّة في الأسلوب الإنشائي والأدبي والذي طغى على أعمال الصياغة وخالف اللغة القانونية التي تتميز ببساطتها وبوضوحها الذي يغني عن الاجتهاد والتأويل الذي يفتح الباب لتعدد المفاهيم. والى جانب الاخلالات الفنية والتقنية أعرب الخبراء عن خيبتهم من الأفكار والتصوّرات التي طرحت في المسودة. نقد اللاذع ..واعتراف بالأخطاء لم تجامل لجنة الخبراء نواب المجلس التأسيسي واعتبرت أن مسودة الدستور التي قدّمت للتباحث في شأنها ضمت كثيرا من الاخلالات الخطيرة التي ترتقي الى مستوى المناقشة في جلسة العامة وقد ذكر بعضهم أن تمرير بعض مما ورد في المسودة سيعود بالوبال على المناخ العام وسيساهم في وأد المطالب..فقد أكّد عياض بن عاشور أن هذه المسودة التي فتحت الباب للتأويلات الفضفاضة من خلال إدراج مصطلح المقدسات دون تحديد مجال المقدّس ,اغتالت في الآن ذاته حرية الفكر وضيقت الخناق على حرية التعبير والإبداع كما لم تول المسودة أمهات القضايا الاهتمام الذي تستحق بل دخلت في متاهات إنشائية وترهات تعتبر نشازا في الدساتير الحديثة كتسهيل الزواج وغيرها من المسائل التي تجانب المبادئ العامة المتعارف عليها في الدستور. اسكندر بوعلاقي الناطق باسم تيار العريضة الشعبية في المجلس التأسيسي يؤكّد أن تصريحات عياض بن عاشور فيها الكثير من التجنّي على عمل اللجان التي لم تتدخر مجهودا في محاولة إيجاد أرضية دستورية تستجيب للإرادة الثورية للشعب التونسي.. وأنّ مسودة الدستور لا يمكن أن تكون بحال مبشرة بعودة الدكتاتورية سواء كانت دينية أو غيرها من الدكتاتورية وبالنسبة للمقدسات نحن كعريضة شعبية نتمسّك بالمصطلح دون نقص أو زيادة لكن رغم ذلك نعترف بوجود نقائص على غرار إهمال جانب البعد الاجتماعي في الدستور كالصحة المجانية ومنحة البطالة وغيرها من المطالب الثورية التي نصّ عليها البرنامج الانتخابي لتيار العريضة الشعبية وأضاف بوعلاقي أن جاهزية الدستور في 23 أكتوبر مرتبط عضويا بأعمال لجنة الصياغة وروح التوافق بين جميع الأحزاب داخل التأسيسي. خاتمة عمل لجان وليست مسودة دستور يقول أحمد السافي النائب بالمجلس التأسيسي عن الحزب العمال الشيوعي «ما وقعت مناقشته من طرف لجنة الخبراء ليست مسودة دستور لكن خاتمة عمل اللجان التأسيسية والتي ستقوم لجنة الصياغة فيما بعد بتجميع هذه الفصول التي قدمت لها..وهو ما قدّ يفسّر الاخلالات الموجودة والتي نعترف بها ومنها التوطئة التي بدت مطوّلة وليست مختصرة كما هو معهود مع خلط بين الحقوق والحريات بالاضافة الى الأخطاء الفنية واستعمال مصطلحات تبدو غريبة كالرعايا والدولة الراعية وعدم وضوح مصطلح مقدسات كما رصدنا في خاتمة عمل اللجان تداخل في مستوى الأعمال والصلاحيات وهذا كله سيقع تجاوزه في لجنة الصياغة، أما تسليم الدستور في أجل 23 أكتوبر فانه يقتضي التوافق والعمل الحثيث.