بقلوب خفّاقة بحب الحرية تواقة إلى إعلام نزيه، هبّ مئات الصحفيين والحقوقيين والنقابيين والمثقفين والمناضلين والجامعيين والسياسيين الديمقراطيين وغيرهم من المواطنين صباح أمس إلى "دار الصباح"، وأعلنوا بأصوات مدوية استماتتهم في الدفاع عن هذه القلعة الاعلامية الشامخة، حتى تكون صحفها مستقلة على الدوام، عاكسة لهموم الشعب، قريبة من مشاغله، بعيدة بخطّها التحريري الذي عرفت به طيلة ما يزيد عن ستين عاما عن كل التجاذبات السياسية وعن هيمنة رأس المال، شعارها في ذلك الولاء كل الولاء للوطن، والوفاء كل الوفاء للشعب. وأكد جميعهم أنهم "سيكونون على الدوام حصن "الصباح" المهاب الذي لن يتجرأ عليه أحد مهما علا مقامه"، محذرين كل من تسول لهم أنفسهم محاولة السطو عليها أو تركيعها مذكّرين أن الصّباح هي ملك للوطن ولا يحق لأي أحد وضع يده عليها.. وانتقد العديد منهم ما أسموه ب"الخطة الممنهجة" التي تتبعها الحكومة وتحديدا حركة النهضة للسيطرة على الاعلام من خلال التعيينات المسقطة على رأس المؤسسات الاعلامية العمومية والضغط على الاعلاميين واطلاق حملات التشويه ضدهم. وفي نفس السياق طمأن أبناء دار الصباح جميع مكونات المجتمع المدني على مستقبل حرية الصحافة بترديهم شعار "صامدين.. صامدين .. ماناش متراجعين"..
حرية الاعلام مهددة
تقول السيدة بلقيس المشري نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إن ملف الإعلام هو من أهم الملفات المطروحة اليوم لأنه لا يمس حقوق الصحفيين فقط بل هو حق من حقوق المواطن التونسي.. وبينت أن ملف "الصباح" "هو دليل قاطع على عملية استحواذ حزب النهضة على الاعلام وقالت إن للرابطة جميع الأدلة الموثقة على ذلك".. وبينت أن "الرابطيين لن يتنازلوا عن هذا الملف وأنه على بقية مكونات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات التجنّد للدفاع عن حرية الاعلام في تونس لأنها مهددة جدا جدا" . وأضافت المشري أن ما يحدث على الساحة يدل على محاولة استحواذ النهضة على كل مؤسسات الدولة وحملت حزب حركة النهضة مسؤولية هذا الخطإ الذي سيؤدي إلى إجهاض الثورة ومطالبها. وتذهب راضية بالحاج زكري من جمعية "التونسيات للبحث حول التنمية" إلى أن "حرية الاعلام مهددة وإن هناك هجمة شرسة على هذا القطاع من قبل السلطة لكن مازال هناك أمل في المقاومة فبن علي حاول تركيع الاعلام ونجح لأنه قسم نشطاء المجتمع المدني ولم تكن ردورد الفعل سريعة وبالقوة المطلوبة لكن اليوم هذا الأمر لن يتكرر والمجتمع المدني مرابط ويقظ ومتضامن وبالتالي فإنهم لن يمروا وحملاتهم التشويهية التي يشنونها ضد الحقوقيين والاعلاميين ستعود عليهم."
هيمنة
ويؤكد عبد الستار السحباني رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع أن "مجتمعا دون صحافة ودون اعلام حر نزيه وشفاف ومستقل لا مستقبل له". واعتبر أن العمل على تدجين الاعلام هو سعي لإعادة انتاج آليات هيمنة نظام سياسي على الدولة ولاحتكار المجتمع. وتقول سناء ساسي (فنانة وكاتبة) أن "الاعلام حر وسيبقى كذلك وإن الحكومة مدعوة لوضع يدها على الاعلام لأن حرية الصحافة تعد من أبرز الركائز الاساسية للديمقراطية الحقيقية." ويشدد جوهر بن مبارك من شبكة دستورنا على أن فضاء الحرية الذي اتاحته الثورة" لن تستطيع قوى الظلام أن تغلقه من جديد" وعبر عن تضامنه مع أبناء الدار في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها من أجل الدفاع عن حرية الكلمة. وتؤكد الصحفية فاطمة سحيم أن ابناء دار الصباح يقودون ثورة في مجال الاعلام لتحريره من القيود السياسية والمصالح الشخصية والتي ستشع بفضلها الصحافة والاعلام في سماء الحرية. وقالت:" لا بد أن نكون يدا واحدة ضد أي تركيع ولجم اللسان الصحفي الحر." ويعتبر علي الفزاني أن حرية الاعلام هي الركيزة الأساسية لكل تحول ديمقراطي وركيزة لأي بناء جدي لدولة ديمقراطية تريد التأسيس لمنظومة تحترم حقوق الانسان وخاصة منها حرية الفكر والابداع والاعلام.
مساندة الديمقراطية الناشئة
وقال سليم بن عبد السلام النائب بالمجلس التأسيسي إن مساندة الصحفيين ونضالاتهم هي مساندة للديمقراطية الناشئة في الوطن العزيز. ويؤكد المؤرخ عميرة عليا الصغير مساندته لحركة صحفيي دار الصباح ولنضالاتهم من أجل صحافة حرة ومستقلة وهو يرى أن حرية الصحافة هي أساس كل الحريات. وتقول نادية شعبان النائبة بالتأسيسي: "مشاركتي في الوقفة الاحتجاجية لدار الصباح هي مساندة لحرية الصحافة والتعبير إذ أصبحنا نشعر بوجود تهديدات حقيقية وقوية للحريات وهناك نزعة لإرجاع اللون الواحد وهذا مخيف.. ويقول الفاهم بوكدوس (مركز تونس لحرية الصحافة) إن ابناء "الصباح" يشنون اليوم معركة حاسمة للدفاع عن مؤسستهم أمام اتجاهات السيطرة والإغراق السياسي، وهم يفتتحون معركة مفصلية للدفاع عن اعلام تونسي مستقل ومتنوع وحرفي أمام تيار رهين للوبيات السياسية والمالية والحكومية. ويرى محمد براهمي أمين عام حركة الشعب وعضو المجلس التأسيسي أن "الثورة الرائعة التي فجرها الشعب التونسي يوم 17 ديسمبر 2010 مقدر لها ان تستمر حتى تحقيق أهدافها رغم العراقيل والعقبات والمكائد.. فلا سبيل لعودة الاستبداد مهما كانت التضحيات ولا مكان للمستبدين بيننا في تونس الثورة." وأثنى النائب على جهود العاملين في دار الصباح وعلى الوقفة الشجاعة التي قاموا بها من أجل اعلام حر وتونس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقارنت نزيهة رجيبة أم زياد هذه المرحلة السياسية الدقيقة التي تعيشها تونس بأواخر الثمانيات حيث عمل بن علي على التضييق على الحريات وخاصة حرية الاعلام مشيرة إلى تجربتها في جريدة الرأي. وأبدت ام زياد استبسالا كبيرا في الدفاع عن حرية الكلمة.
زر النور وزر الظلام
وأثنى سليم بن عرفة عضو المكتب التنفيذي للمسار الديمقراطي الاجتماعي على نضالية أبناء الدار "في سبيل حرية الاعلام واستقلالية مؤسستهم وأكد أن الحرية التي دفع الشعب التونسي ثمنها غاليا من دمائه هي حق مكتسب لا يمكن التفريط فيه..وعبّر بن عرفة عن مساندة الحركة للوقفة الاحتجاجية." ويقول محمد الكيلاني (الحزب الاشتراكي اليساري) أن صحافيات وصحافيي دار الصباح "ضغطوا على زر النور لطرد الظلام." وعبرت حميدة البور (أستاذة معهد الصحافة وعلوم الاخبار) عن تضامنها الكامل مع الصحافيين الذين يدافعون اليوم عن استقلالية الخط التحريري لصحف الدار.. وترى أن حرية الصحافة هي اهم مبدأ يدافع عليه اليوم كل الاعلاميين ولا يمكن الوصول إلى تكريس هذا المبدإ إلا عبر رفض الانصياع لكل محاولات المس من استقلالية وسائل الاعلام وتدجينها. وقالت الصحفية انيسة سليم عضو النقابة الاساسية بدار الانوار ان الوقفة الاحتجاجية والاعتصام المفتوح للعاملين في "دار الصباح"هما درس للجميع وخطوة هامة ضد تركيع حرية الاعلام والتحرك الاحتجاجي لأبناء الدار "يمثل أول الحلقات ضد الدكتاتورية الجديدة في سبيل اعلاء الكلمة الحرة والتصدى لكل محاولات تدجين الاعلام." كما جددت انيسة سليم رفضها لسياسة التعيينات المسقطة في المؤسسات الاعلامية واي محاولة لتركيع وتدجين الاعلام مطالبة بمواصلة الصمود في وجه الدكتاتورية الجديدة التى تسعى بشتى الطرق الى السيطرة على الاعلام وتطويعه لمصالح خاصة. من جهته اعتبر المسرحي محمد العوني ان اعتصام دار الصباح هو بداية للتصدى لتسييس الاعلام ولعل حضور ممثلي المجتمع المدني وأحزاب سياسية ومبدعين ومسرحيين ورياضيين هو دليل قاطع على رفض التعيينات على رأس المؤسسة وكل المحاولات لضرب استقلاليتها وحياديتها.. وأضاف العوني ان الشعارات التى رفعت في التحرك الاحتجاجي "تنم عن وطنية لخدمة بلادنا اعلاميا، ومؤسسة دار الصباح جمعت الفرقاء في السياسة". وقال أيوب المسعودى المستشار الاعلامي السابق لدى رئيس الجمهورية ان "السيطرة على دار الصباح والتعيينات المسقطة على رأس المؤسسات الاعلامية فيها نوع من التوجيه من طرف السلطة السياسية على الاعلام اضافة الى فرض وصاية على القضاء و الاعلام قبل الاستحقاق الانتخابي المقبل". وقال :" التعيين المسقط على دار الصباح فيه انحراف عن الخط التحريري للدار وهناك استهداف للاعلام والمؤسسات الاعلامية." وأضاف "نحن ندعم ونساند كل العاملين في هذه المؤسسة العريقة ولابد من الصمود في وجه كل محاولات السيطرة على هذا الصرح الاعلامي الكبير". بدوره أكد الصغير الصالحي (مهندس و ناشط حقوقي) ان "مؤسسة "الصباح" تبقى من أعرق المدارس في الاعلام سواء وطنيا أو دوليا بفضل الخط التحريري المحايد والمستقل لها وقد أثبتت انها صرح كبير رغم الازمات التى واجهتها منذ تأسيسها وهي لسان للنخب المثقفة وكذلك للطبقات الشغيلة وكانت دوما في قلب الحدث." وأضاف ان دور الاعلام مهم خاصة في المرحلة الانتقالية التى تشهدها بلادنا ولابد ان تكون صحافتنا مستقلة ومحايدة وبعيدة عن أي توظيف سياسي. واعتبر الصالحي ان "التعيينات المسقطة على المؤسسات الاعلامية غايتها معلومة وهدفها تركيع الاعلام والهيمنة على مفاصل المؤسسات الاعلامية لاننا كمجتمع اليوم نحتاج الى المعلومة والى الكلمة الحرة لبناء تونس جديدة وتؤسس الى مرحلة جديدة في تاريخ تونس ما بعد الثورة."
مواطنون وقراء
الحضور لم يشمل مكونات المجتمع المدني من جمعيات و منظمات وممثلين عن الاحزاب السياسية ومبدعين وفنانين ومسرحيين فحسب بل كانت مشاركة المواطنين البسطاء ومن قراء جرائد دار الصباح بارزة بقوة وقد قدموا مثالا رائعا في المساندة والدعم المعنوي للتحرك الاحتجاجي للعاملين بدار الصباح. إذ أكدت المواطنة المناضلة سيدة السعيداني (أصيلة سجنان ولاية بنزرت) انها تساند وتدعم التحرك الاحتجاجي لكل العاملين بالمؤسسة الاعلامية ضد التعيينات المسقطة،وقالت ان الثورة التى قام بها التونسييون كانت ضد الدكتاتورية ومصادرة الحريات الفردية و العامة واليوم من الضرورى التصدى لكل محاولات الهيمنة على قطاع الاعلام باعتباره محرك الاحداث في بلادنا ولا يجب ان يكون اعلام ما بعد الثورة بوقا للدعاية للسلطة السياسية فذلك أمر مرفوض ومن الضروري القطع كليا مع ممارسات النظام السابق. وجددت المناضلة سيدة السعيداني مساندتها للعاملين بدار الصباح وكل صحفي شريف ودعوتها للصحفيين الاحرار للوقوف صفا وحدا ضد كل اشكال الهيمنة والتدجين والحفاظ على حيادية واستقلالية الاعلام مؤكدة ان الحرية تقتضي طول النفس والصمود ومواصلة المشوار في سبيل حرية التعبير و الكلمة الحرة. وعبر العديد من الصحفيين من مختلف المؤسسات الاعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية عن دعمهم الكبير لأبناء الدار وعن وقوفهم في صف النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للثقافة والاعلام من أجل الدفاع عن حرية الاعلام وحقوق الصحفيين التونسيين.