لما كانت آثارنا ومعالمنا التاريخية معرّضة للإنتهاك والتهريب على امتداد أكثر من عقد كامل. لم يكن بالامكان الكشف عن عصابات اختصت في هذا المجال أو الحديث عنها إلى أن جاءت الثورة. وظهر المستور وفتحت القصور لنجد قطعا أثرية قد تم الاعتداء عليها. وأصبحت في غير موضعها للتزويق أو للتفاخر... أسماء عديدة تورّطت في قضايا مختلفة. وفتحت ملفات.. لكن هل ذهبت الانتهاكات بعد الثورة؟ سؤال طرحناه على عبد اللطيف المرابط مستشار وزير الثقافة لمعرفة حقيقة ما يجري داخل أروقة المعهد الوطني للتراث. وهل أن الهياكل المسؤولة تمكنت فعلا من وضع آليات لوقف نزيف انتهاك «حرمة» آثارنا ومواقعنا الأثرية؟ وما هي الاجراءات المتخذة؟ انتهاكات صارخة.. وتدخل ناجع بعد الكشف عن ملفات الفساد في مجال الآثار والانتهاكات التي تعرّضت لها عدة مواقع أثرية ظل الاعتقاد سائدا أنه لا مجال بعد اليوم الى «التطاول» على شواهد حضارات متتالية مرت على بلادنا لكن العكس هو الذي حصل وآخرها ما حصل في سور الأغالبة بمدينة القيروان وما خلفته الأيادي بعد فتح باب السور هذه العملية وما تبعها ظلت مبهمة ولم يتمكّن العارفون والملاحظون من فك عدة ألغاز أبرزها من الذي ساهم في تمكين المواطن من فتح الباب؟ من ساعده على ذلك بموقفه السلبي؟ ومن الذي خشي عواقب قيامه بالواجب المهني وتحمله المسؤولية؟ كل هذه الأسئلة لم تنتظر الإجابة حتى كان لتدخل وزير الثقافة بنفسه ومواجهته الشجاعة لمن أنفق الملايين من أجل إقامة مشروعه على حساب القيمة الحضارية للمعلم.. وهو الذي لو لم يجد الصمت و«الخوف» لما تمادى في خرقه للقانون. ولما أنفق كل هذه الأموال... الوزير بتدخله الجريء وضع كل واحد أمام مسؤوليته لتتوقف الأشغال ويعود الوضع كما كان من قبل في وقت قياسي بعد سدم الباب... هذا مثال حي جعلنا اليوم نتأكد أن الوزير لم يجد أمامه من حل سوى التدخل شخصيا. رغم وضع الوزارة لآليات تشريعية لحماية التراث منذ 1993 إلا أن صعوبة التنفيذ خصوصا في الظروف الحالية وما عرفته البلاد من «انفلات» يزيد المسألة تعقيدا كما أن تنوع التراث وغزارته وانتشاره بعدة أماكن كان سببا في صعوبة المراقبة والتنفيذ إضافة للعدد المحدود من الأعوان ونقص التكوين كل هذه العوامل وغيرها جعلت الوزارة تتدخل بكل ثقلها وتصدر قرارات إيقاف أشغال بناءات قرب معالم أثرية تاريخية بمدينة صفاقس لتفادي تشويهها كما ساهمت في استرجاع كنيسة قابس لفائدة أملاك الدولة بعد إدعاء شركة عقارية ملكيتها الوزارة كان لها تدخل ناجع في مسألة منتزه قرطاج وذلك بتكوين لجنة لتسوية الوضعيات العقارية ومعالجة الملفات العقارية ودراستها بسبب عمليات رفع الترتيب وتسوية الوضعيات العقارية. كما أن الوزارة تتابع عمليات الصيانة للمواقع والمعالم الأثرية طبق المواصفات العالمية وبمتابعة من اليونسكو. وتقف في وجه كل عمليات التخريب التي تتعرض لها أضرحة الأولياء الصالحين. مراجعة التشريعات وتفعيل دور البلديات الوزارة ولخطورة الأعمال التي يتعرض لها موروثنا الحضاري أصبحت تفكر في مراجعة التشريعات وتجريم عدد من المخالفات لحماية الموروث من الاعتداءات على غرار ما تم بمدينة القيروان بموقع صبرة «المنصورية» التي لم يتبق منها سوى 20 هكتارا بعد أن غزاها البناء الفوضوي على مساحة 30 هكتارا. وقد شرعت البلدية في حصر المنطقة الأثرية وذلك بوضع حاجز ترابي مع إشعار كل المواطنين بتحمل مسؤولياتهم والتنبيه على كل المتدخلين محامين وعدول اشهاد وغيرهم في خصوص إبرام العقود بهذه المنطقة. أهمية السياحة الثقافية ودفع عجلة التنمية من جهة أخرى انطلقت وزارة الثقافة في إدراج التراث في الدورة الاقتصادية وذلك بالتعاون مع وزارة السياحة باعتماد سياسة تنموية تقوم على بعث مشاريع نموذجية بمدينة الكاف (قلعة سنان - حيدرة) وكذلك بسليانة ومشروع ثالث بالقصرين وقد تم رصد 600 ألف دينار لكل ولاية معتمدة بالتساوي بين وزارة السياحة (300 مليون) ووزارة الثقافة (300 مليون) وذلك بإحداث مسالك سياحية ثقافية وترميم ما يمكن ترميمه من المعالم وإبراز قيمتها التاريخية كما سيتم بعث مرصد للانتهاكات لحماية المواقع التراثية وتسجيل كل المخالفات وتفعيل التدخل السريع والناجع كما ينتظر بعث لجان مشتركة مع وزارات السياحة ، الفلاحة، البيئة) وإيجاد ممثلين لهم بكل الجهات ضمن هذه اللجان.