تعود سلسلة الإستقالات التي ميزت الأحداث خلال الأشهر الفارطة لتطفو على سطح الأحداث وتثار من جديد بين صفوف الملاحظين للمشهد اليومي التونسي. و تلقى الإستقالات التي تقدم بها مثلا كل من حسين الديماسي وزير المالية السابق، محمد عبو وزير الإصلاح الإداري السابق، كمال العبيدي رئيس الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والإتصال بالإضافة إلى الخبير عياض بن عاشور رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي، طرحا جديدا بين مؤيد لها وبين من حبذ عدم تقديمها لمزيد الضغط وعدم ترك الفراغ على خلفية ما جد من تجاذبات حول الإعلام ومسودة الدستور من جهة والوضع الإقتصادي والإجتماعي من جهة ثانية. كثيرون عابوا عليهم تقديم استقالاتهم وفضلوا أن يبقوا في مهامهم كورقة ضغط من أجل تحقيق أهداف الثورة وطرح عدة ملفات من ذلك ملفات الفساد ومحاسبة رؤوس النظام السابق وكل من تثبت إدانته في حق الشعب، كما أن كثيرين ساندوا الإستقالات وحبذوها باعتبارها وسيلة ضغط تبقى مدى فعاليتها وجدواها محل نقاش بدورها. سلوك سياسي فقد أكد الدكتور سامي ابراهم باحث في الجامعة التونسية أن "أولى الإستقالات السياسية الي سجلت وكان لها الأثر الكبير على مسار مرحلة الإنتقال الديمقراطي هو استقالة المعارضة من دورها في الحكومة ورفضها الإنخراط فيها وهو أول تصرف سلبي وأول سلوك سياسي أضر بالإنتقال الديمقراطي كان بامكانها أن تقبل بالعرض وتكون آلية ضغط على السلطة من الداخل أفضل من ان تمارسها من الخارج دون أي فاعلية فتخسر دورها من موقعها كمعارضة". وأضاف "الإستقالات التي تلت هذه الإستقالة لم تترجم إلى فعل سياسي لأنها لم تكن من خلال برامج وبالتالي استفاد منها أصول الحكومة، فالمسؤول لا يجب أن يتصرف على أنه في مرحلة سياسية عادية بل يجب أن يعي أن تونس فيها مرحلة انتقال ديمقراطي انطلقت من انهاء مرحلة الإستبداد ومرت إلى مرحلة عدم الشرعية إلى شرعية منقوصة وبالتالي فإن الذين استقالوا استقالوا من الدولة لا من الحكومة ولا الحزب الحاكم ولا "الترويكا" وبالتالي تخلوا عن مسؤولياتهم أمام الشعب فكان من الأجدر أن يبقوا للإستفادة من خبراتهم". وقال براهم :" المسؤول في الدولة مسؤول أمام الشعب ولا تكون للإستقالة إلا مبررا واحدا ألا وهو عدم قدرتهم على ممارسة ممهامهم من منطلق الكفاءة والخبرة لا من منطلق التعرض للضغوطات والتجاذبات". الإستقالة من الشعب في نفس الإطار أكد الدكتور محمد الحداد أستاذ جامعي ورئيس جمعية ابن أبي الضياف للحوار الديمقراطي في اتصال هاتفي ل"الصباح" أن "هذه السلسلة من الإستقالات يجب تقسيمها إلى قسمين: قسم شمل استقالات من مواقع مسؤوليات رسمية وهذا فيه حديث والقسم الثاني شمل ممثلين عن هيئات استشارية وفيه هذه أيضا تعاليق. وأوضح أن "الممثلين للمواقع الرسمية إذا ما وجدوا فارقا كبيرا بين رؤيتهم للملفات وبرامجهم المقترحة وبين طرح الحكومة لنفس الملفات التي شملت الوزارات المستقال منها، من الطبيعي أن يستقيلوا من مواقعهم إذا ما كُبلت جهودهم ومبادراتهم وتعرضوا إلى ضغوطات" وأضاف الحداد أن "هذا النوع من الإستقالات له ما يبرره فلا يمكن أن تطلب من مسؤول العمل على أسس غير ملائمة لبرنامجه وخطة اصلاحاته وتصوراتهم فتُلقى على عاتقه مسؤولية سياسية وأخلاقية". استقالة مسؤولي الهياكل والهيئات أما بالنسبة لكل من كمال العبيدي رئيس الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والإتصال والهيئة العليا فالمسألة مختلفة عن الأولى لأن هذه الهيئات لم تعترف بها الحكومة الحالية اعترافا واضحا واعتبرتها من بقايا الفترة الإنتقالية الأولى فلم يكن بالتالي التواصل والتفاعل ايجابيا مع مختلف القرارات والمقترحات المقدمة من هذه الهيئات، وعلى هذا الأساس من الطبيعي أن يشعر الأشخاص المعنيون بأنهم أضحوا في موقع عدم اعتراف من قبل السلطة الحالية بالرغم من كفاءاتهم ومستواهم العلمي. وقال:" غير أني فضلت شخصيا أن لا يستقيلوا وان لم تعترف بهم السلطة فانهم معترف بهم من قبل المختصين ومن جل مكونات المجتمع المدني، فربما لو بقوا لمثلوا سلطة معنوية وإن حُرمت من التدخل الفعلي والدور الإستشاري". استقالة مبرّرة في ذات السياق بيّن أمين محفوظ عضو سابق في لجنة الخبراء أنه "من الطبيعي أن يستقيل كل من شعر بأنه غير مرغوب في خدماته كما هو الشأن بالنسبة للجنة الخبراء التي ساهمت في إنجاح المرحلة الإنتقالية الأولى بصفة فعلية، فكان من المفروض أن تتواصل المجهودات حتى لا تحصل القطيعة بين الفترة الإنتقالية الأولى والفترة الإنتقالية الثانية. وبين محفوظ أن "اللجنة لم تكن مكلفة بالنسبة للمجموعة الوطنية، ولكن في ظل التجاذبات المسجلة منذ انتخابات 23 أكتوبر وأمام تغييب اللجنة وعدم التشاور معها ارتأت الإستقالة ولكن في المقابل سيتواصل هذا الدور ببعث جمعية وبالتالي الإنخراط في تحرك المجتمع المدني الذي ساهم بطريقة فعالة في مسار الثورة والفترة الإنتقالية بعيدا عن أي حسابات أو تجاذبات سياسية أو حزبية كما كانت دائما لجنة الخبراء". وقال :" تونس بعد الثورة نريدها أن تختلف عن تونس ما قبل الثورة حيث اكان الناس يتكالبون على المسؤوليات للحصول على امتيازات وتحقيق المصالح الشخصية". ستقالة مسؤولة بدوره أيد حسن المانسي رئيس المجلس الوطني المستقل للإعلام والإتصال هذه السلسلة من الإستقالات قائلا "المسؤول الذي أخذ على عاتقه تنفيذ برنامج إصلاحي أو تحقيق ملفات واضحة بعيدة عن أي تجاذبات سياسية أو حزبية وتخدم أهداف الثورة ووجد نفسه غير قادر على المضي قدما في عمله ويتحول منصبه ومسؤوليته إلى ملء للكرسي فحسب، من الأجدر به الإنسحاب والإستقالة وتوضيح ذلك إلى الرأي العام". وأضاف المانسي: "حبذا لو أن كل المسؤولين الذين يتعرضون إلى ضغوطات ممنهجة لصالح أطراف دون أخرى أن يسيروا على نفس المنهج حتى لا تمارس القيادات العليا للسلطة لسلطات تخدم مصالحها ومجالات نفوذها دون التفكير في المصلحة العامة للبلاد"