من المنتظر أن تعقد الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي آخر جلسة لها يوم الخميس القادم 13 أكتوبر الجاري بحضور الوزير الاول المؤقت السيد الباجي قائد السبسي وبعض أعضاء الحكومة المؤقتة ومن المتوقع أن تتم خلال هذه الجلسة تلاوة تقرير عام أعده مقرر الهيئة حول نشاطها منذ مارس الماضي .وهذا التقرير سيرفع إلى رئيس الجمهورية المؤقت . وهذه الهيئة التي تضم 150 عضوا يمثلون 12 حزبا سياسيا و 13 جهة وعدة منظمات تعنى بحقوق الإنسان ومنظمات مهنية وشخصيات وطنية إلى جانب لجنة خبراء تضم 21 عضوا، باشرت مهامها في ظروف صعبة وفي أوقات عرفت فيها البلاد التونسية انفلاتا اجتماعيا وإعلاميا وأمنيا ومظاهر عديدة من الفوضى والإعتصامات والاحتجاجات . كما تعرضت الهيئة إلى طعون في شرعيتها وفي مصداقيتها وإلى تشكيك في وجودها وهي بالفعل هيئة غير متجانسة في تشكيلتها ولا تمثل كل الأحزاب والمنظمات و مكونات المجتمع المدني . إلا أنها مع مرور الزمن فرضت وجودها وشكلت على إمتداد ثمانية أشهر من خلال عقدها حوالي 55 جلسة فضاء للممارسة الديمقراطية الناشئة وكرست حق الإختلاف في الرأي وفي المقاربات وحتى في التوجهات وإستشراف المستقبل والتباين الواضح في المواقف تجاه أهداف الثورة وإستحقاقاتها . ولقد عرفت أغلب جلسات الهيئة نقاشا صاخبا وخلافات حادة أدت إلى إنسحاب عديد أعضاء الهيئة على غرار ممثلي جمعية القضاة وأعضاء آخرين مستقلين بالإضافة إلى تعليق بعض الأحزاب عضويتها على غرار حزب النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب الإصلاح والتنمية . وكل متتبع لأشغال الهيئة وجلساتها يتبين أن أداءها لم يرتق إلى مستوى التطلعات والإنتظارات ولم تتمكن من تحقيق أهداف الثورة وهي عديدة ومتنوعة ومن تحقيق النقلة النوعية المطلوبة في الإنتقال الديمقراطي . فعديد أعضاء هذه الهيئة إن لم نقل أغلبهم ثابروا على البروز وإحتلال مواقع في المشهد السياسي والحزبي الوطني .حتى أن البعض منهم دأب في كل جلسة على إفتعال مشاكل وإثارة مسائل واهية وإثارة الفوضى والدخول في مهاترات حتى أن الواحد يخال نفسه في مقهى او ملعب أو "حمام" !! ولا في رحاب هيئة من المفروض أن تسمو بنفسها وتكون في مستوى المسؤولية التاريخية الجسيمة المناطة بعهدتها وتنأى إذن بذاتها عن الصراعات والتجاذبات وخدمة المصالح الفئوية والحزبية والذاتية الضيقة . والحقيقة الثابتة أنه لم يحصل ولو مرة واحدة توافق بين جميع أعضاء الهيئة بل ساد أشغالها على إمتداد حوالي ثمانية أشهر مناخ من التباين والصراعات والانقسامات الواضحة والخفية وهي صراعات وانقسامات تحكمها توجهات حزبية وفئوية وإيديولوجية . وحتى لا نكون قاسين في الحكم على الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي نقول إنها حققت مكاسب . فهي على الأقل شكلت أول فضاء بعد الثورة وفي غياب مؤسسات برلمانية للحوار إتسع لعديد الآراء وتكريس إلى حد ما الممارسة الديمقراطية والتعبير عن الرأي بكل حرية دون رقيب أو ضغوط أو خوف من المساءلة والمحاسبة . وقد أمكن للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أن تحقق بعض النجاحات من خلال الإعداد والمصادقة على المرسوم الانتخابي الذي استغرقت مناقشة الفصل 15 الشهير منه أكثر من شهر وهو يتعلق بالحرمان من حق الترشح لعضوية المجلس التأسيسي لمناشدي الرئيس المخلوع ولمن تحمل المسؤولية في صلب هياكل الحزب الحاكم المنحل التجمع الدستوري الديمقراطي متفادية بذلك الإجتثاث والإقصاء لمئات الآلاف من التونسيين ويحسب لفائدة الهيئة نجاحها الباهر في انتخابات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تشرف اليوم على تنظيم أول انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة في تاريخ تونس . الهيئة نجحت أيضا في المصادقة على جملة من المراسيم تهم تنظيم الأحزاب السياسية والجمعيات وحرية الاتصال السمعي والبصري ومجلة الصحافة والطباعة والنشر بالإضافة إلى العقد الجمهوري وإعلان المسار الانتقالي وعلاوة على تنظيم لقاءات حوارية مع الوزير الأول في الحكومة المؤقتة في مناسبتين ومع وزير الشؤون الاجتماعية ورئيس لجنة تقصي الحقائق حول أحداث الثورة ورئيس لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة ورئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال . وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة كانت برمجت سلسلة من اللقاءات الحوارية مع عدد من أعضاء الحكومة المؤقتة إلا أنها لم تفلح في ذلك بسبب عدم التجاوب والاستجابة لطلباتها . ومجمل القول تنتهي مهمة الهيئة العليا لتحقيق الثورة يوم الخميس القادم سواء نجحت أو فشلت في مهمتها لتفسح المجال لمؤسسة دستورية شرعية ستؤمن الانتقال الديمقراطي الحقيقي وتؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ تونس وهي المجلس الوطني التأسيسي الذي سيتم إنتخابه يوم 23 أكتوبر الجاري .