رغم هنات و ثغرات المرحلة الإنتقالية، و إرهاصات تثبيت الشرعيّة بعد الثورة فإننا لا نبالغ في القول إنه رغم المنعرجات السّياسيّة الخطيرة والإنزلاقات الحزبيّة فإننا ما زلنا نمسك بزمام المسار الدّيمقراطي و أنّ حالة التشتّت و التّشذرم التي شهدتها الخارطة الحزبيّة على الأقل قبل انتخابات أكتوبر الماضي بدأت ملامحها تبرز بوضوح أكثر من خلال جبهات حزبية وتحالفات واندماجات أدت الى بروز كتل سياسية واضحة المعالم.. و بالقاء نظرة الى الخلف نلاحظ أن الانتخابات الفارطة حققت مكسبا من خلال كسر شرنقة الاستقطاب الايديولوجي الحاد.. حيث نجد أن معظم الأحزاب السياسية انخرطت في مسار براغماتي.. كما أن انتخابات أكتوبر كانت امتحانا حقيقيا لموازين القوى السياسية والذي أسفر عن البروز السياسي لأحزاب لم يكن حجمها الانتخابي معلوما من قبل كحركة النهضة أو أحزاب فاجأتنا بحقيقة حجمها الانتخابي كحزبي التكتل والمؤتمر اللذين لم يكونا من الأحزاب ذات الوزن الثقيل خاصّة قبل الثورة، لتبقى مفاجأة الانتخابات وهي تيار العريضة الذي بدأ اليوم في التهاوي شعبيا.. سلطة الحكم وسلطة الشرعية النهضة ذات الأغلبية البرلمانية والتي سعت الى تكوين حكومة سياسية بحثت منذ البداية على تحالفات حزبية داخل التأسيسي وان رفضت بعض الأحزاب الحكم واختارت جبهة المعارضة داخل التأسيسي فان حزبي التكتل والمؤتمر اختارا التحالف مع الترويكا في اطار ائتلاف الترويكا الحاكم ورغم أن الترويكا لم تكن -كائتلاف حاكم- متجانسة سياسيا الاّ أنها دافعت على حظوظها في النجاح وانجاح أوّل حكومة ائتلافية في تاريخ تونس ورغم الثغرات البارزة أحيانا في الأداء الحكومي فان الترويكا ما تزال تستميت في دحض الاتهامات بالفشل التي تطلقها المعارضة وأطراف سياسية من حين الى آخر.. ولئن احتكرت حركة النهضة في الترويكا وزارات السيادة فان شريكيها في الحزب كان لهما نصيب من الوزارات ذات العبء الاجتماعي كوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التشغيل.. ورغم هنات الترويكا يرى ملاحظون أن أداء وزراء التكتل والمؤتمر مرضي الى حدّ ما في الحكومة وأنهما يحاولان قدر ما أسند لهما من صلاحيات لحلّ المشاكل القطاعية التي في عهدتهما.. لكن يرى ملاحظون أن حزبي التكتل والمؤتمر لم يتركا بصمتهما في هذه المرحلة الدقيقة من عملية التأسيس.. فرغم أن هناك قضايا مصيرية طرحت في نقاشات النواب لكن لم نر من شريكي النهضة مواقف حاسمة وحازمة.. حتى القناعات السياسية لهذين الحزبين لم تبرز بشكل واضح الى حدّ اليوم فحتى بالنسبة للفصل الأوّل والذي يعتبر إلى اليوم الفصل الوحيد المنجز من الدستور المرتقب وفي الحقيقة هذا الفصل لم ينجز بل وقع الإبقاء عليه من دستور 1959 وذلك بإرادة صريحة من حركة النهضة لكن باقي المسائل العالقة وعلى رأسها نظام الحكم والذي يريده الاسلاميون برلمانيا، رغم أن باقي الأحزاب بما فيها التكتل والمؤتمر تصرّح بعيدا عن المجلس التأسيسي أنها تريد نظاما رئاسيا معدّلا غير أنها لم تخض إلى اليوم «المعارك» البرلمانية لتحقيق رغبتها.. ولعل الذي استفز الكثير من الخبراء وشقا من الرأي العام هو مسودة الدستور التي خلت توطئتها من الإشارة مثلا إلى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان رغم أن حزبي المؤتمر والتكتل ناضلا من قبل تحت المظلة الحقوقية وكان من المتوقع أن يدافعا بشراسة على الحقوق والحريات لكن الى اليوم لم نر موقفا قويا وجريئا.. والهنات والثغرات الكبيرة التي وقفنا عليها في مشروع مسودة الدستور خاصّة في ما يتعلق بمجال الحريات العامة والحقوق يعوّل الشعب التونسي على أن يكون موقف الأحزاب منها وخاصّة حزبي المؤتمر والتكتل أكثر حسما وتأثيرا في أعمال لجنة الصياغة والجلسة العامة لمناقشة الدستور.