كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الشرعية الثورية حيث تساءل كثيرون عن ماهيتها وعمن يمثلها حاليا في تونس على اعتبار انه اصبح لكل طرف سياسي شارعه الذي يلتجئ اليه للتنصيص على موضوع ما او مسالة معينة وللمطالبة بتحقيق أهداف ثورة لم تتحقق اغلبها بعد فللحكومة أنصارها كما للمعارضة والمجتمع المدني أنصارهما لكن هل يمكن الحديث عن المشروعية الثورية بعد 23 أكتوبر من هذه االسنة؟ ومن سيمثل هذ الشرعية؟ «الصباح الأسبوعي» طرحت هذه الأسئلة وغيرها على خبيرين في القانون الدستوري ومختص في علم الاجتماع. بين الماضي والحاضر تقول الأستاذة حفيظة شقير دكتورة في القانون الدستوري: «عندما نتحدث عن الشرعية الثورية في الوقت الراهن وكأننا عدنا خطوات إلى الوراء. اما على المستوى القانوني فلا بد من التأكيد على ان السلطة التاسيسية الممثلة في المجلس التأسيسي أصلية وهي تتمتع بالسيادة المطلقة ولها صلاحيات تحديد مدة عملها رغم ان صلاحيات المجلس تمتد على مدار السنة الواحدة، وفي هذا الإطار سأضرب مثلا في دستور 1956 والأمر العلي للانتخابات الذي دعا الناس إلى انتخاب مجلس قومي دستوري لوضع دستور للمملكة وبعد انتخاب المجلس وفي جويلية 1957 تجاوز المجلس الأمر وأعلن عن قيام الجمهورية، وعليه فانه وفي حالة فراغ دستوري بعد انتهاء 23 أكتوبر فللمجلس التأسيسي صلاحيات مطلقة في تحديد الآجال لوضع دستور للبلاد. وعلى المستوى السياسي فمن الضروري الاسراع لوضع دستور وتحديد موعد نهائي للانتخابات بعد تكوين هيئة مستقلة للانتخابات لإعادة الثقة للتونسي». حديث في الثورة.. من جهته يقول الدكتور غازي الغرايري رئيس الاكاديمية العالمية للقانون الدستوري: «اعتقد انه من المفيد التذكير بان الحديث عن شرعية ثورية ارتبط بسياقات معينة خاصة حيث يمكن الحديث عن الشرعية الثورية لما نكون في حالة ثورة ذات توجه ايديولوجي محدد مثال الثورة الفرنسية او الثورة البلشفية او الثورة الايرانية. اما في الحالة الخصوصية التونسية فالثورة لم تكن لها قيادة سياسية او لون حزبي ايديولوجي وبالتالي فان الحديث عن شرعية ثورية يكون اما عن مغالطة او من اجل محاولة فرض او توجه سياسي ايديولوجي لاحق للثورة، ففي وضع بلادنا الراهن وخاصة امام التساؤل الكبير الذي يحوم حول تاريخ 23 اكتوبر 2012 على كل مكونات المجتمع السياسي سلطة ومعارضة داخل المجلس وخارجه ان يؤمنوا المرحلة الانتقالية الثانية على اساس شرعية التوافق، ناهيك وانه لا وجود لاي تناقض في قيام شرعية انتخابية الى جانب الشرعية التوافقية بل يكملان بعضهما البعض، وبذلك يكون للتحالف الحاكم اليوم مسؤولية تاريخية فعليه قيادة هذا السعي للتوافق بعيدا عن كل قراءة حزبية ضيقة. أما الحديث عن شرعية الشارع اليوم خاصة بعد الأحداث التي شهدناها الجمعة الفارط فهو من باب فتح الباب امام الفوضى لا قدر الله». الشرعية الثورية انتهت بدوره يؤكد سالم لبيض الدكتور في علم الاجتماع انه لا مجال للحديث عن الشرعية الثورية لانها انتهت اثر سقوط نظام بن علي عبر الثورة التي حققت بعض اهدافها السياسية ومكنت الجميع من ممارسة السياسية بالاسلوب السلمي على حد تعبيره- والتداول على السلطة. ويقول محدثنا: «يمكن ان نتحدث عن نوع اخر من الشرعية هي الشرعية الشعبية ومن خلالها كل يدعي انه يستطيع تحقيقها بمجرد نزوله الى الشارع ببعض الالاف من انصاره ومناضليه لملء هذه الساحة او تلك، ويوجد وجه اخر للشرعية يتمثل في الشرعية الانتخابية. وتختلف شعبية الاحزاب طبقا للاحداث وكيفية تعاملها معها ومواقفها من العديد من المسائل والقضايا التي تهم الراي العام فعلى سبيل المثال فان التجربة التي تخوضها النهضة في الحكم قد قلصت من حجم مؤيديها في الشارع، وفي الواقع فان تغير حجم المؤيدين لهذا الحزب او ذاك او لهذا التحالف او ذاك امر طبيعي في الديمقراطيات العريقة التي لا تسعى فيها القوى السياسية الى جعل كافة الناس من لون هذا الطرف او ذاك وانما تسعى الى استقطابهم الى برنامجها، يبقى ان نشير الى ان الشرعية بدورها متغيرة مع التغيرات السياسية والمجتمعية حيث لا يمكن ان تقاس اليوم الا عن طريق وسيلتين اما شعبية وقد كان ذلك حين اتفق الجميع باختلاف توجهاتهم الايديولوجية والسياسية على اسقاط بن علي، او انتخابية وهي الشرعية الاصلح في هذه المرحلة». ان الحديث عن الشرعية الثورية في ظرف أن هناك سبل للاحتكام فيه الى شرعيات اخرى على غرار الشرعية الانتخابية امر يتنافى وتوجهات دولة وجب عليها انهاء المرحلة الانتقالية الثانية بسرعة للانتقال الى الوضع العادي حيث الجمهورية الثانية كما يحلو للبعض تسميتها-. فلا مجال للحديث عن اللجوء الى تهييج الشارع من اجل إبلاغ رأي او قرار او التطرق الى مسالة معينة لانه سينجر عن ذلك فوضى عارمة ولان الاولى هو التوجه الى الاماكن المعلومة للحوار بشكل حضاري وديمقراطي.