على الرغم من كمّ المنغّصات الأمنية والسياسية التي لا تزال تطبع المشهد الوطني في بلادنا منذ سقوط دولة المجرم بن علي وانتصار الثورة... وعلى الرغم من نذر الفوضى والانفلات الأمني التي لاتزال تطل برأسها بين الحين والآخر على التونسيين فتربك معيشهم اليومي وتعكر أمزجتهم... فإن توجه أكثر من مليوني تلميذ وتلميذة يوم أمس إلى مقاعد الدراسة في مفتتح السنة الدراسية الجديدة (2013 2012) لابد أن يبعث فينا كتونسيين شعورا ولو «مؤقتا» ! بالارتياح والاطمئنان وأن يذكرنا بضرورة أن نكون في مستوى تحديات المرحلة وفي مستوى الأمانة التاريخية تجاه الوطن والأجيال.. وما من شك أن تونس ما بعد ثورة 14 جانفي وانتخابات 23 أكتوبر 2011 ستكون بخير إذا ما أراد لها أبناؤها أن تكون كذلك... ف»المسألة» اليوم وبعد سقوط دولة الفساد والاستبداد أضحت بالكامل في يد الشعب وقواه الوطنية الحية.. ونجاح عملية الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة التونسيةالجديدة.. دولة العدالة والحريات والقانون والمؤسسات هو بالتأكيد رهين اجتماع كل التونسيين على خدمة هذا المشروع التاريخي من منطلق وطني صرف لا تشوبه شائبة الحسابات السياسية أو الفئوية الضيقة... فهل نحن على هذا المنهج؟ ربما سيكون من باب التفاؤل الساذج القول بأننا «بخير» تماما أو أننا نسير في طريق سالكة باتجاه مشروع الدولة التونسيةالجديدة... ولكن سيكون من الخطورة بمكان أيضا الترويج وبإطلاق كما يفعل البعض لمقولات التشاؤم والإحباط والتشكيك والتيئيس والإيحاء للناس في الداخل والخارج بأننا قد أضعنا الطريق وخنّا أنفسنا وثورتنا ودماء شهدائنا !!! نعم،،، ربما نكون نسير ببطء وبصعوبة على طريق البناء والإصلاح ولكننا بالتأكيد نتقدم في هذا الاتجاه.. لا نريد تعداد ما تحقق... وإنما نريد أن ننبه إلى بعض المحاذير التي باتت تهدد بالفعل لا فقط هذا «القليل» الذي تحقق وإنما أيضا تهدد مسار بناء دولة العدالة والحريات في تونسالجديدة... وعلى رأس هذه المحاذير غول التطرف بوجهيه الديني والإيديولوجي.. إن استضعاف الدولة مثلا والعمل على حشرها في الزاوية سياسيا واجتماعيا والتطاول الوقح على رموزها ومؤسساتها الدستورية والأمنية والعسكرية يمثل مساهمة في إنعاش ظاهرة التطرف وفي شد أزر المتطرفين بل وتحريضا على العنف والفوضى.. ويكفي أن نقف مثلا على «طلعات» سياسية بعينها مثل الإعلان عن «موعد» انتهاء شرعية المجلس الوطني التأسيسي وانتهاء شرعية الحكومة والمؤسسات المنبثقة عنهما لنتبين مدى ضيق أفق بعض الأطراف السياسية و»الحقوقية» ودرجة تورطها في منطق الحسابات السياسية والإيديولوجية الضيقة ! مطلوب اليوم من كل القوى الوطنية الوسطية أن تكون في صف المشروع الإصلاحي لدولة ما بعد الثورة وأن تتوافق فيما بينها من أجل تحقيقه وفاء للوطن والأجيال وقطعا للطريق على جحافل المتطرفين مهما كانت عقيدتهم وانتماؤهم.