عاجل/ حادث مروّع في الكاف.. وهذه حصيلة المصابين    يروّج للمثلية: تنديد واسع بكُتيّب تم توزيعه بمعرض الكتاب    وزارة التربية تتعهّد بانتداب 1000 أستاذ نائب    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    عاجل/ بشرى سارة للفلاحين: التخفيض في سعر هذا الصنف من الأعلاف    عاجل : القبض على شخص متهم بالإنتماء إلى تنظيم إرهابي    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    جامعة التعليم الأساسي: ترسيم 850 عونا وقتيا    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    في مبادرة تضامنية نوعية مع فلسطين: أطفال تونس يصنعون الحدث ويدخلون تاريخ الإنسانية من الباب الكبير    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    هرقلة: ضبط كمية من "الكوكايين" و"الزطلة" بسيارة    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    مؤتمر وطني علمي حول الأنشطة البدنية والرياضية بمدينة طبرقة    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    تقلص العجز التجاري الشهري    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكّر الإسلامي العجمي الوريمي - الإسلام لم يخرج من التاريخ ...ونظرية صراع الحضارات دليل على ذلك
نشر في الفجر نيوز يوم 09 - 07 - 2012

«المنتدى» فضاء جديد للتواصل مع قرائها بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011. اليوم يستضيف «المنتدى» المفكّر الإسلامي التونسي الأستاذ العجمي الوريمي الّذي تضعه عدّة أوساط في موقع مهمّ للغاية ليس فقط في تواجده ضمن قيادة حركة النهضة بل في تصوّر وبلورة الرؤى الوطنيّة المستقبليّة ،
حظى الوريمي بتقدير واسع على الصعيد المحلي وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي فهو محلّ حفاوة في العديد من المنتديات الفكرية والفلسفيّة.
إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.
وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة ) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته .
هل تستشعرون «في حركتكم» أنكم في عمق تجربة تاريخية إنسانية يمكن أن تفتح الباب أمام أوضاع جديدة ليس في المنطقة فقط بل في العالم أساسها إعطاء نفس جديد للإسلام في الحكم والمجتمع والشؤون العامة للناس؟
المنطقة بكاملها دخلت طورا جديدا وهي مفتوحة على المستقبل أمام أجيالها الجديدة فرصة تاريخيّة للنهوض والنماء والازدهار وأقصر الطرق نحو ذلك هو حلّ مسألة السلطة والتوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص أمام أبناء الشعب الواحد والأمّة الواحدة، وبقدر التزام النخبة بالخيار الديمقراطي الثوري وانخراط الشباب والنساء في المسار يكون اختصار الطريق إلى المدنيّة والاستقلال الحضاري.
حركة النهضة متأثرة بالتجربة التركية ، ولكن هل من الممكن إعادة نفس النموذج في تونس وهل تعتبرون التجربة التركية تجربة إسلامية بروح علمانية ام هي تجربة علمانية بروح إسلامية؟
النموذج التركي نموذج جذاب وموجب للاهتمام، وقد أثار اهتمام العلمانيين قبل الإسلاميين بين مستبشر ومشكّك، وقد رأينا فيه برهانا عمليّا على قدرة الإسلام على استيعاب الأوضاع الحديثة فتركيا بلد صاعد وفرصة لتعميم صيغة جديدة من المواءمة والملاءمة بين القيم الإسلاميّة والقيم الحديثة، فالعدالة والتنمية قدّم تجربة إسلاميّة في الحكم داخل فضاء أوروبي وبرغبة صادقة في الانضمام إلى هذا الفضاء وقد استكملت تركيا شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بحزمة من الإصلاحات اقترحها أو قبل بها حزب أردوغان.
التجربة التركيّة تجربة ديمقراطيّة أو في طريق الديمقراطيّة يقودها حزب ذو أصول إسلاميّة وقد جدّد له الشعب التركي البقاء في الحكم بأعلى نسبة في انتخابات حرّة وشفّافة ونزيهة، عمل حزب العدالة والتنمية تحت سقف العلمانيّة بعد أن خلّصها من العداء للمظاهر الدينيّة وقد يكون بسبيل تخطّيها إلى طور يطويها بعد أن استنفذت أعراضها وشحّ فرعها وجفّ نبعها وبارت بضاعتها ومن أخطاء النخب الإسلاميّة تعجّلها زوال العلمانيّة ومن أخطاء العلمانيين تحويلهم الاختيار العلماني إلى اختيار مقدّس غير قابل للنقد والمراجعة والاتجاه به نحو قالب جامد وشعار وحيد هو الفصل الجذري بين الدولة والدّين أو بين الشأن السياسي والشأن الديني.
ميزة التجربة التركيّة أنّها حرّكت الحدود بين الفسطاتين العلماني والإسلامي وجعلتها متموّجة حتّى تحوّلت خيمة واحدة تظلّ الجميع دون إقصاء أو ذوبان.
لقد أثبتت التجربة التركيّة أنّ الإسلام السياسي قادر على تحرير العقل العربي والإسلامي من رواسب التحنّط والجمود في الفقه والسياسة والمعاملات ، فالإسلام السياسي هو قبل كلّ شيء ثورة معرفيّة على عوامل الانحطاط وأسبابه وإزالة الاحتقان أزالت حالة الاحتقان بين النص والعقل التي كرستها بعض التأويلات والاجتهادات البشرية قبل وخلال عصور الانحطاط وخاصة بعد صدمة الحداثة ، والغريب أنّه في الوقت الّذي أعاد فيه الإسلام السياسي الاعتبار للاجتهاد تجنحُ بعض العلمانيات إلى تحويل مفاهيمها وشعاراتها إلى مقدّسات محنّطة غير قابلة للمراجعة والتغيّر.
ونحن نستلهم من التجربة السياسيّة التركيّة المعاصرة بحسب حاجتنا مثلما نستفيد من غيرها ونشجّع العلمانيين في بلدنا أن يطّلعوا على المختبر التركي حتّى لا تبقى بلادنا يتجاذبها مشروعان أحدهما ينسب نفسه للحداثة والآخر للهويّة والأصالة وأن تتبنّى مشروعا وطنيّا مستقبليّا جامعا لا يستثني ولا يقصي ولا يُلغي أحدا.
تجربة الحكم في تونس وأكثر من بعدها السياسي أعطت فكرة عن إمكانية التعايش بين أكثر من مرجعية فكرية في إطار الترويكا ,كيف تقرؤون مستقبل هذه التجربة على المستوى الفكري وهل من الممكن فعلا أن يتم تقارب بين التيارات الإسلامية ونظيرتها العلمانية والملائكة؟
تجربة الترويكا في تونس تاريخيّة ومفيدة لتونس وثورتها ، فنحن في مرحلة انتقاليّة هي مرحلة بناء وتأسيس وإصلاحات جذريّة عميقة وشاملة نريد فيها الالتزام بأهداف الثورة وتحقيق معادلة الحريّة والاستقرار والتنمية والعدالة وتحصين المسار من الفوضى وعودة الاستبداد ، فالثورة المضادة تعمل على محور تقسيم المجتمع التونسي وتغذية الانفلاتات وإضعاف المؤسّسات.
تنجزون قريبا مؤتمركم التاسع ماذا عن الرؤية الفكرية لحركة النهضة وهل شهدت تطورا عما كانت عليه إبان التأسيس؟
المؤتمر سيؤكّد على المرجعية الإسلاميّة للحركة وعلى التزامها بقضايا الشعب وعلى توجّهها التوافقي وعلى ضرورة اجتناب الاستقطاب الإيديولوجي.
الرؤية الفكريّة الّتي نعتز بها جاءت في ظرف تاريخي مختلف عن الظرف الّذي نعيشه الآن وهي في حاجة إلى الإثراء والمراجعة، ولن يتوقّف المؤتمر كثيرا عندها فقط سيتمّ التذكير بالمبادئ والصفات الّتي تُميّز الحركة كالاعتدال والوسطيّة والجماهيريّة والوطنيّة.
وأين موقع راشد الغنوشي في كلّ تلك القراءات والمراجعات؟
الشيخ راشد الغنوشي من رموز الإصلاحيّة والتجديديّة وله إسهامات غزيرة وتجميع كتاباته وتبويب القضايا الّتي تطرّق إليها وله فيها مواقف مميّزة يحتاج إلى عمل فريق كامل وهو ثابت على بعض المواقف وكما طوّر مقاربات لعديد المسائل الحركيّة والفكريّة والجيل الإسلامي المعاصر يأخذ من تلك الكتابات والمواقف ما يتناسب مع حاجاته وقد لاحظنا اهتماما كبيرا لدى شباب الحركات الإسلاميّة مشرقا ومغربا بما يكتب ويعلن من مواقف يستدلّ بها في مواجهة النزعات المحافظة والإنعزاليّة وأعتقد بأنّ الصيت الّذي تلقاه بعض أفكاره ومواقفه هو صيت لتونس ولفكرها الإصلاحي وثقافتها الحيّة النيّرة.
نشعر اليوم وكأنّ الإسلاميين يتجنبون طرح المواضيع الأساسية بعين الناقد بداية من النص القرآني من جانبه الالسنيً والانتروبولوجي؟
سبق وأن طالبتُ بأن تضع الحركات الإسلاميّة تجربتها على ذمّة الباحثين السوسيولوجيين والمؤرخين ، وبالمقارنة مع بداياتها الأولى فإنّ الحركات الإسلاميّة قد كسبت أصدقاء كثيرين من خارج دائرة قاعدتها التقليديّة وضمنت تأييدا ممّن كانوا يصوّتون لخصومها أو يقفون تجاهها وتجاههم على نفس المسافة ، وخروجها من الحصار والسريّة المفروضة جعل الناس يقفون على خصائص مشروعها وطاقة خطابها في ملامسة قضاياهم وطاقة نخبتها على الملاءمة بين قيم العصر وقيم الإسلام.
إنّ للنص مكانة مركزيّة في تفكير الإسلاميين وفي حياتهم لا تدانيها مكانة أخرى ولا أتوقّع أن تتمّ زحزحة النص عن هذا المقام ، وهل يُمكن لأمّة الكتاب أن تحطّ من مقام الوحي الّّذي ظلّت تهتدي به على مدى القرون يجيب عن أسئلة الوجود ويقدّم للناس تصورا عن الألوهيّة وعن عالم الغيب وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
إنّ اعتماد مناهج جديدة للفهم وقواعد جديدة للتأويل مطلب الدّين نفسه ، والحثّ على الاجتهاد وإعمال العقل توجيه الوحي قبل مطلب البشر الّذين أوقعوا أنفسهم في الوثنية والشرك والخرافة والدّجل وارتضوا اللامعقول وتقديس ما لا يملك قداسة ذاتية وولعوا به لذاته أو لصفاته وخصائصه أو وسيلة لما هو أعلى منه وأسمى.
وأخشى أن يُصادر على من يؤمن بالوحي أنّه يُقزّمُ العقل أو يتّهم من يرفع من شأن العقل وحريّة الإنسان بالتطاول على الألوهيّة أو يزعمها لنفسه ، وعلى العموم فالبشريّة قد طوت صفحة إعلان موت الإله وموت الإنسان وصار رصيدها أن بإمكانها أن لا تكرّر مثل هذه الدعوات فلا بديل عن الله ولا لنهاية للإنسان إلاّ على معنى كلّ نفس ذائقة الموت.
ألا ترون أن التجديد الإسلامي لا يزال منقوصا وان فكرة العودة إلى القديم أي السلف لا تتلاءم إطلاقا مع تغيرات الواقع وتطورات المجتمعات الإنسانية؟
الاجتهاد حركة مستمرة والتجديد ثمرة من ثمار هذه الحركة وليس غاية في حدّ ذاته وقد بدأت تنشأ ضمن الحركة الثقافيّة والعلميّة في البلاد الإسلاميّة وحتّى الغربيّة مؤسّسات أكاديميّة حديثة إلى جانب الجهد العلمي للباحثين والعلماء الأفذاذ والأحرار وجهد المؤسسات التقليديّة مثل الأزهر ممّا يُعزّزُ الأمل بتوسيع نطاق الاجتهاد في كلّ المسائل.
وممّا عطّل حركة الاجتهاد وأضعف التفاعل بين الباحثين أزمة الثقة والاتهامات المتبادلة والشكّ في النوايا حتّى غدت النزعات المحافظة ظلاميّة والنزعات المغايرة انسلاخيّة ، وقد وجب التأكيد على قابليّة المنظومة الإسلاميّة لإفساح المجال لفعل العقل وقابليّة النزعات العقليّة للفاعليّة القصوى في إطار الأفق الإسلامي لا يحدّها إلاّ قيود العقل وحدوده ممّا يمكن أن يحتكم فيه إلى نقديّة عقليّة إسلاميّة تزعم أنّها أرحب من النقديّة العقليّة الكانطيّة وأرحب من شتّى ضروب الجدليات الّتي ثمّنتها الفلسفات الغربيّة بعد ثوراتها العلميّة والإجتماعيّة.
العلاقة بين الشرق والغرب في نظركم كيف يُمكن أن تكون في ظل تغيّرات العصر؟
العلاقة بين الشرق والغرب هي مستقبل الإنسانيّة ، أي أنّها يجب أن تدخل طورا جديدا فيه الاحترام والتفاعل والتضامن والتعاون.
عندما نضع أقدامنا في بلدان الغرب ترتسم على وجوهنا علامات الدّهشة إعجابا بالمدينة والنظام وحسن الإدارة والتصرّف في الموارد ، كما يلفت نظرنا ابتكار الحلول للمستجدّ من المشكلات ولكنّنا نتضايق من نظرة التعالي الّتي نراها في بعض العيون تشعرنا بأنّنا غرباء ولو لا تلك النظرة لكنّا أبناء الإنسانيّة فحسب.
أمّا أبناء الضفّة الأخرى فعندما تطأ أقدامهم الأرض الّتي فيها نشأنا ينتابهم أسف أنّنا لا نزال على كبرياء ويغريهم تواضعنا بالتمعّن في الماضي فيرون ما هو لنا ملكا لعم بحق التاريخ واستحقاق الحضارة ..لقد مرّ أسلافهم من هنا أو رست سفنهم وعساكرهم في موانئنا.
السؤال : كيف نتخلّص من نظرة الاندهاش ويتخلّصون هم من وهم تعميدنا وتحضيرنا ، الأرض كلّها لله يورثها من يشاء ، وقال تعالى:» ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» ، بتمكين الإيمان والعلم والنفع حتّى يتحقّق التعارف بين الثقافات بلا مركزيّة مدّعاة أو كونيّة مرتجاة ليست إلاّ غربنة حضاريّة وعولمة اقتصاديّة.
إنّ العالم يكتشفنا من جديد من خلال الربيع العربي ويكوّن لنفسه عنّا نظرة مغايرة وجديدة ونحن نستقبلهُ اليوم بأفقنا الجديد ومنجزنا الثوري الأوّل على رأس الألفيّة الثالثة.
حقيقة الفصل اليوم بين الدين والسياسة في العالم العربي والإسلامي كما تم في أوروبا دون أن يخرج الدين المسيحي من حياة الناس؟
كنّا منذ أسبوع في زيارة إلى ارلندا وبلجيكيا: بلدان أوربيان ومجتمعان يحتلّ الدّين مكانة كبيرة في بنائهما ونسيجهما وتأثير حاسم للكنيسة في الإشراف على عمليّة التربية والثقافة ...هؤلاء يعرفون الديمقراطيّة ولا يعرفون اللائكيّة أي لم يرتضوها إطارا ومضمونا لتنظيمهم الإجتماعي والسياسي وقد تبيّن لنا أنّ الكنيسة بدأت تخفّف بصفة طوعيّة هيمنتها على المجال التعليمي والثقافي وتتصالح مع مقتضيات الحريّة الشخصيّة حتّى تبقى محبّبة إلى النفوس تدلي بإسهامها في توجيه الحياة بالقواعد الأخلاقيّة والمعاني الروحيّة وهي تتطوّر مع المجتمع دون أن تخشى على نفوذها أو تفقد احترامها من مجتمع طبعت تاريخه الوسيط والحديث.
إنّ أمامنا فرصة في تونس لنقدّم تجربة تتخلّص من سلبيات الفصل بين الدولة والدين في مجتمع لا يرى حياته خارج التوجيه الديني ودولة لا ترى نفسها مفوتة في تنظيم الشأن الديني لأيّ مؤسّسة خاصّة.
كما أنّه أمامنا فرصة لإدخال الأطراف الّتي تتمسّك في فهمها للدّين وللسياسة وللفن والثقافة والتربية والتنمية بمقاربة تصالح بينها جميعا ولا تتقبّلها ولا تتمثّلها متنافرة متنابذة بل هي أبعاد التجربة الإنسانيّة الواحدة ، فكما أنّ الدين لله فالأرض أيضا لله والناس جميعا فقراء إلى الله يرتضي لهم الإخاء والتضامن ويكسبهم الحريّة في أصل التكوين ، ولا تقبل شريعته السمحاء ظلما باسم الدين أو ظلما لأجل الدنيا وما التداول السلمي على السلطة إلاّ تنسيب للسياسة وتأكيد على أنّ دوام الملك ليس للبشر وإنّما لملك لله.
لذلك دعا الفيلسوف الفرنسي جان لوك ماريون لأن تكون العلاقة بين الدولة والكنيسة علاقة تكامل لا تضاد.
وتوصّلنا في إحدى الوثائق المعدّة ضمن إئتلاف 18 أكتوبر قبل الثورة إلى ضرورة تحييد المساجد عن التجاذبات الحزبيّة والتزام الجميع باحترام الهويّة العربيّة الإسلاميّة ، واليوم يتطلّع أجوارنا وإخواننا إلى ما قطعناه من خطوات لتحقيق التوافق والتعايش والالتزام بالثوابت.
بعض المفكرين يرون ان الإسلام أضحى اليوم شانا عالميا ، بقي ان بعض التيارات الإسلامية مازالت حبيسة قراءات فيها الكثير من الغلو والتطرف لروح هذا الدين العالمي والإنساني ,برأيكم كيف السبيل لإعطاء الصورة المثلى لإسلام عادل متسامح على ارض الواقع ؟
إن نظرية صدام الحضارات للمفكر الأمريكي «هنتنغتون» دليل على أن الإسلام حقيقة عالمية ويمثل تحديا حضاريا تجاه الغرب.
ولا يكون التصادم إلا بين قوى متكافئة في القوة أو ينزع بعضها إلى تدمير البعض الآخر ، ورغم أن نظرية «هنتنغتون» باطلة والإيمان بها والعمل وفقها سيؤدي حتما إلى كوارث فإن الجدل بين الإسلام والعالم حقيقة لأنه جزء من هذا العالم يتفاعل مع ثقافاته ودياناته وحضاراته لكنه لا يذوب فيها ضرورة وهناك محاولات لاستيعاب أفضل صيغ للتعايش وضمان الحق في ممارسة القناعات الدينية .
وهذا المسعى يتم بصعوبة أو بيسر وسط أصوات ترتفع مضخمة مخاطر الاعتراف بالإسلام وأخرى محذرة من خطر الذوبان في الحضارة الغربية.
أما أفضل طريقة لإعطاء صورة مثلى لما أسميته في سؤالك « إسلام عادل ومتسامح» فهي تقديم نموذج حتى للمسلم المعاصر الناجح والمتفوق والنافع للآخرين والفاعل ضمن الجماعة والمجتمع ، الطبيب والمحامي والمهندس والتاجر والمربي والعامل المسلم في أية بيئة هم من سيحكم الناس على الإسلام من خلالهم مهما كانت الدعاية لصالح الإسلام أو ضده .
هل ترون في هذا الزمن والعالم يتقارب أكثر من أي وقت مضى هل يمكن الحكم بالإسلام بما هو تشريعات ونظم للحكم والمعاملات؟
الإسلام كل لا يتجزأ والتشويه الذي تعرض له ناتج عن النظرة التجزيئية أو في التطبيق التعسفي ، وبحسب حاجاتنا يمنحنا الإسلام الجانب الذي نبحث عنه ، ومثلما أن لكل مرض دواء ومختصون في تشخيصه كذلك الأوضاع التاريخية والاجتماعية لكل وضعية ما يناسبها من الأحكام ، ولا أي مبررا لسحب الإسلام من ساحة الحلول ولا لسحب أوضاع على أوضاع لا تشبهها و أحيانا يكون من الأجدى عوض أن نقول كان الرسول صلى اله عليه وسلم يفعل كذا بل نسأل : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا إلى ماذا كان سيرشدنا وكيف يسير بنا إلى الحل.
لكن العالم أصبح قرية واحدة وهو ما اصطلح على تسميته بالعولمة ، هل المسلمون وهم بهذا الضعف الحالي قادرون على الانخراط في العولمة والاستفادة منها؟
لنتّفق أولا على أن المسلمين ليسوا ضحايا العولمة، ولن تكون نكبة عليهم، وبالتالي هم ليسوا مطالبين بأن يكونوا مناهضين لها بصفة آلية، وإن كانت لهم الأهلية والشرعية لنقدها وحتى تقديم تصور لعولمة مغايرة أو بديلة. السبب فيما آل إليه حال المسلمين هو توقف فاعلية الدين في حياتهم لفترة طويلة، حتى خشي أن لا يبقى إطارا يجمعهم، وقاعدة لسلوكهم، وأساسا لرؤيتهم للعالم، وحافزا للتفكير في الحلول الصائبة لمشاكلهم. وقد انجر عن ذلك فقدانهم الثقة بأنفسهم، وترسخ شعورهم بالدونية تجاه الآخر، وتخليهم عن الأخذ بأسباب العلم والمعرفة، وعجزهم عن توظيف ثرواتهم الطبيعية ومواردهم البشرية، وهي ضخمة وثرية جدا، لكنها تبدد كل يوم بسبب سوء التقدير وسوء التدبير وسوء التخطيط وهبوط الهمم والعجز عن الإبداع.
ولا يكمن الحل في البكاء على الأطلال، أو في الحنين إلى الماضي، أو في تأثيم الحاضر، أو في الخوف من المجهول، أو في التخاذل أمام العدو. بل في الثقة بالله أولا وفي إنسانية رسالة هذه الأمة. فالوحي نزل على الرسول محمد (صلى الله عليه و سلم) لكنه توجه بالخطاب إليه وللمؤمنين والمسلمين عامة والناس كافة. وماذا يعني الانخراط في العولمة إن لم يكن باعتبار القرآن خطابا مناسبا للألفية القادمة، يخاطب المسلم المعاصر وإنسان العولمة.
صحيح أن العولمة تمثل تحديا كبيرا يختلف بالنوع لا بالدرجة عما عهدناه من تحديات اقتصادية وثقافية وحضارية. لكنها بالمقابل فرصة ليأخذ الإسلام من جديد بعدا كونيا، ويقدم نفسه للناس حلا لمشاكل الإنسانية، وهي فرصة أيضا للفكر العربي لكي يخرج عن نطاق محليته ليلامس قضايا الإنسان.
يرى بعض الفلاسفة أن الثقافة اليهودية المسيحية نشدت الكونية بترجمة الإنجيل إلى اللغة اليونانية، في حين أن الثقافة العربية تطلعت إلى ذات الهدف ولعلها بلغته ردحا من الزمن بترجمة الحكمة اليونانية إلى العربية، وتَمثُّلها ضمن الثوابت العقدية والخلقية لحضارة الإسلام. واليوم يقع على عاتق مفكري الإسلام إبراز الأبعاد الكونية لقيمه، والمضامين الإنسانية والعصرية لحلوله. وكلما نزع الفكر الإسلامي إلى الكونية وهي وجهته الأصيلة، كلما استدعى الواقع الحل الإسلامي.
ولذلك فوجئنا وكان علينا إن لا نستغرب ذلك بحديث علماء الاقتصاد الغربيين والمؤسسات السياسية والاقتصادية والمالية الأوروبية عن فضائل التمويل الإسلامي كأحد الحلول الممكنة للأزمة المالية العالمية.
إن العولمة، وهي تختبر طاقتنا على البقاء والتطور، ستمنحنا فرصة، وتقترح علينا مشكلات، وتطرح علينا تحدي الإجابة عنها بمعية باقي الثقافات والشعوب. هي بالتأكيد حلول الرسالة الخاتمة المهيمنة والأمة الوسطية الطليعية، لا حلول الأمة المتخلفة التابعة المقلدة.
بالمنطق الفلسفي كيف نربط العالم العربي بعصر الحداثة الغربية وهل يمكن للعرب ان يكونوا حداثيين في علاقتهم بالمقدس؟
لم يعد المطلوب منا اللحاق بالغرب واحتذاءه احتذاء النقل للنقل وانما المطلوب الالتقاء على نفس القيم أو على جلها على الأقل مادام يضمنا نفس الفضاء خاصة بلدان الغرب الإسلامي التي تقع على خط التماس مع أوروبا ولم يعد السؤال نقبل الحداثة أو ننبذها نقبل عليها أو ندبر عنها انما أية حداثة وأيَة منهجية للتحديث وقد تعلقت الهمم باقتحام الحداثة من الباب العريض ، كما التي ترفع الأذان الى السجاد الذي يقيم عليه الصلاة إلى رنة الهاتف الجوال ومكيفات الهواء في الحرم ... فنحن نؤسس مسيرة مركبة من التحديث والأسلمة فلم يعد بإمكان المسلم أن يسحب نفسه من الحياة الحديثة ولم يعد بإمكان المجتمع أن يكون بمعزل عن الدَين وعقائده وقيمه ونظمه ومعانيه الفلسفية والخلقية.
لكن الغرب قبل نقد كل شيء حتى النصوص المقدسة وفصلوا بين الدين ودنياهم؟
يتضمن القرآن طاقة نقدية غير محدودة وتتضمن عديد الآيات حجاجا مع أهل العقائد السابقة داعيا إياها إلى الأصل المشترك وداعيا إياهم إلى تصحيح عقائدهم بالاستناد إلى حقائق الوحي كما نشأ الإٌسلام تحت طائلة النقد الموجّه إليه من الجاهليين والكتابيين. بل إنّ نشأة علم الكلام كانت ترجمة لهذه العلاقة النقدية والنقضية إلى تفكير فلسفي عقلي منفتح على عقائد وفلسفات الأمم التي دخلت تحت السيادة الإسلامية.
إن نقد الدين ليس هواية إسلامية، أمّا نقد الأوضاع التاريخية والاجتماعية باعتماد المقولات الدينية والأطر المفاهيمية الإسلامية فهذا مطمح الكثير من المفكرين الإسلاميين ومنزعهم، وإذا كل المقصود بالمقدس إفهام بعض الجماعات فليس هناك فهم فوق النقد والعصمة تكون للوحي لا للفهم وأظن بأنّ موضة التطاول على المقدس قد انقضى زمنها وانقرض المولعون بها أو هم بصدد الانقراض.
ترون ان العالم الغربي على وجه الخصوص أجرى مراجعات عميقة في نظرته للإسلام السياسي ام هو في وضع مسايرة أوضاع ثورية فعلية اختارت الخيار الإسلامي ؟
الغرب في حيرة ، أولا لأنه يمر بأزمة حقيقية ، ثانيا لأن قدرته على التحكم في مسار المجتمعات وفي مصير الشعوب في تراجع، ثالثا هو يراقب صحوات دينية ومقاومة لهيمنته ، رابعا هو يفاجأ بتغيرات جذرية وموجات عميقة تشق المجتمعات العربية والإسلامية وتقلب الأوضاع رأسا على عقب ، خامسا ، لا يمكن له أن لا يعترف ويقر بأن مطلب الكرامة والحرية والعدالة الذي رفعته الثورات العربية مطلب شرعي ينبغي أن يثمّن أخلاقيا وهو يطرح السؤال على الضمير العربي كي يلوم نفسه ويراجعها على دعمها للفاسدين والمستبدين والظالمين على حساب الشعوب.
وأعتقد أن علاقة الغرب مع الإسلام السياسي قد دخلت مع الثورات العربية طورا جديدا لكنها لا تزال في مرحلة الاختبار ومحاولة الفهم لأن العواصم الغربية تخشى أن تفوت الفرصة على نفسها إذا سعت فقط لقطع الطريق أمام الإسلام السياسي وتفويت الفرصة عليه والاستفادة من أوضاع الحرية التي طالما ناضل من أجلها وقدم تضحيات كبيرة لتحقيقها.
إن أزمة الثقة بين الطرفين لا يمكن أن تزول دفعة واحدة او بين عشية وضحاها بمجرد إعلان حسن النوايا وإرسال رسائل الطمأنة.
ومن خلال المقابلات الكثيرة مع قادة غربيين ومتابعة ما يكتب من المختصين يمكن أن ننتظر مواقف أكثر إنصافا للمسلمين فهم يعلنون أنهم متفاجئون بالطاقة التي أظهرها الإسلام في التجدد ومتفهمون حرص المسلمين على الحفاظ على هويتهم وأن مقولة أنّ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لها أجندات خفية ، مقولة لم تعد تجدي نفعا ولا يصدقها أحد ، كما يدركون أن أمام المسلمين مصاعب للارتقاء بأوضاعهم وأنهم يبذلون جهودا صادقة للتغلب عليها وأن الحلول المستوردة ليست هي الطريق الموصلة، وأعتقد أن علينا نحن أيضا أن لا نرى في ما يصدر عن الغربيين إلى مؤامرة حيكت خيوطها بعناية.
في الشأن التونسي، يعتبر البعض أن ما بعد المخلوع فراغ دستوري غير مسبوق يحتاج إلى جهد سياسي وتشريعي حتى يتم العبور إلى وضع مستقر ودائم ما قولكم؟
أنا اميل إلى المقاربة التي تعتبر أن نجاح الثورة لم ينشأ عنه فراغ سياسي و أمني ، وانفلات حزبي وأمني بل نجم عنه تحرر لفاعلية القيم الأصيلة و لطاقات الفئات المغيبة والمقهورة .
هي وثبة نحو المستقبل و قد استعمل أحد المفكرين على صفحات الشروق تعبير» فيضان المكبوت» الذي يعني من بين ما يعنيه تصحر الأطر القديمة وسقوط الحصون المتبعة تحت موجات الغضب والثورة ووقوع القائمين على الأوضاع وحراس الفساد والاستبداد في هاوية ما كسبت أيديهم وغدا الماضي الأمس القريب برموزه ومؤسساته وقوانينه وتشريعاته و صمة عار يراد لها أن تمحى وصفحة تطوى ، وأول ما يطلب من هؤلاء الرموز الانسحاب إلى الخطوط الخلفية والغياب الإرادي وفسح المجال للمجتمع أن يتطهر وفق ما يريد بلا وصاية أو قيود.
ما حدث في البلاد هل كان متوقعا أو منتظرا وهل تلمسون استبشارا حقيقيا لدى النخبة بتلك النهاية؟
لقد اهتزت شعبية النظام وشرعيته وكان واضحا أنه باتجاه أزمة مفتوحة. تسارعت الأحداث وكانت إرادة الشعب أقوى من قدرة السلطة على إدارة الأزمة.
ما حدث ثورة تغلب فيها الناس على الخوف وتغلبت فيها القيادات الملتزمة على الحذر وتعالت على الحسابات الضيقة وسرعان ما أدرك الخبيرون بأنّ الحراك وصل نقطة اللاعودة وأن الهزيمة معناها الانتقام المنظم من طرف النظام والدولة وأنه موجات قمعية ممنهجة ستطال الثوريين من كل الجهات.
لم نكن نتوقع انهيارا سريعا وشاملا للنظام ولكن كنا على يقين بأننا أمام منعرج تاريخي يتطلب الالتحام بالشعب والانحياز التام لقضاياه والتبني الصادق واللامشروط لمطالبه والتبرؤ من النظام وحلقاته ، والفرز العمودي كما تعلم علامة من علامات الثورة وشرط من شروط نجاحها لذلك اشترى الكثيرون أنفسهم بالالتحاق بالثوار أيام الحسم الأخيرة خاصة يوم 14 جانفي والساعات الأخيرة التي يريد أن يعرف التونسيون أدق تفاصيلها هي التي تحققت فيها معادلة الإنقاذ والانقطاع والحسم ، وأصبح فيها مستقبل تونس عنده عنوان واضح طرد الطاغية ورحيله أو ترحيله دون عودة وقد تطهرت تونس في يوم جمعة 14 جانفي من إدراك الماضي وارتاحت النفوس أن البلاد بلغت لحظة الانتصار وأنقذها الله .من حمام دم وتحويل ثورتها إلى فتنة أي تقاتل بدون مضمون اجتماعي أو ثوري حتى يدوم الاستبداد أو يعم الخراب وقد تغلبت عبقرية هذا الشعب العظيم على مناورات أعدائه ومكرهم.
لا تخفي عدة أوساط محلية ودولية مخاوفها من انتشار التيارات الإسلامية وخاصة منها المغالية والمتطرفة وتهديدها لحرية الإبداع والمكاسب المجتمعية ,في رأيكم كيف تحقيق التمايز بين الإسلام السمح والإسلام العنيف؟
التمايز بين التيارات الإيديولوجية والسياسية يتم كل يوم فنحن في مرحلة انتقالية يبحث فيها كل طرف عن إثبات وجوده ودعم حضوره ، ونحن لا نسير نحو استقطاب إيديولوجي بين إسلام وعلمانية أو حداثة ومحافظة أو بين تجديد وتقليد أو بين أصيل ودخيل وإنما نسير نحو التعبير الحر عن التنوع والتزاحم على الوسط الذي سيشكل التيار الأساسي في الأمة. فللوسط جاذبية أكثر من الأطراف وهذا ما يحدث لأول مرة منذ عقود طويلة وهو علامة على أن الأمة لم تعد حبيسة الشعور بالهزيمة وأنها تتلمس مشروعها المستقبلي وأنها في طريق النهوض وتحتاج فقط إلى استجماع الشروط المادية والروحية لذلك.
أما في ما يتعلق بما يشعر به الفنانون والمبدعون من تهديد واقع أو متوقع فثمة خوف مزدوج خوف من جهة المبدع على حقه في ممارسة حرية الإبداع والخوف على حريته الشخصية أن يكون الإبداع بالنسبة إليه لا مصدرا للقوت وإنما نمط وجود.
أما الخوف من الجهة الأخرى أي من جانب شباب الصحوة بما يعتقدون أنه تهديد للهوية ولثوابت الدين وعقيدة الأمة.
وبقدر الشعور بالتهديد تكون حدة الدفاع عن المكتسب والمعتقد وأظن أن الفريقين بعد تدافع واختصام يتجمعان نحو التعايش ، وكما أن المسؤولية مشتركة في حال التصادم فإن الجهد مشترك للتعايش ويستحق الثناء على الجميع.
لكن التيارات السلفية وخاصة منها الوهابية تهدد فعلا لا المجتمع التونسي فقط بل صورة الدين الإسلامي الإنساني والحضاري؟
قد لا يكون التهديد الحقيقي للمجتمع واستقراره متمثلا أساسا في الفقر والتهميش والتفاوت الجهوي والإقصاء والجريمة المنظمة والسلوك غير المتمدن وعقلية الغنم زمن الانفلات والانتهازية حال الاستقرار.
إن ترسيخ قيمة التضامن الحقيقي وثقافة المواطنة هي الحل الأنسب لمظاهر الانفلات الأمني والشعائري والعنف الاجتماعي والسياسي.
إن الشباب في حاجة إلى التأطير وهي مسؤولية الدولة والأحزاب والمجتمع المدني وتجاهل قضاياه وحاجاته سيدفعه إلى ازدراء القوانين والمؤسسات لأنه يرى فيها المنظومة القهرية التي تقصيه وتتجاهله.
البعض يرى ان هذه التيارات السلفية تمثل خطورة حتى على تجربة الانتقال الديمقراطي وواقع التعايش بين مختلف التيارات في تونس ؟
كل من يفضل الانقسام على التوافق والوصاية على المشاركة والحزبي والفئوي على الوطني والجامع يمثل تهديدا وخطرا على تجربة الانتقال الديمقراطي من كان حريصا على المصلحة العامة ينبغي أن تعطى له الفرصة للإسهام في البناء الحضاري والوطني مهما كانت قناعاته وانتماؤه الإيديولوجي.
هل يأتي وقت وتنتهي فيه حالة الاستقطاب الأيديولوجي في تونس وبحسب رأيكم من المسؤول عن إشعال وإطالة أمد هذا الاستقطاب؟
الاستقطاب فيه فائدة عندما تترسخ قواعد التعامل الديمقراطي والتداول السلمي واحترام إرادة الشعب ولكن الاستقطاب الإيديولوجي يتحول إلى أمر خطير عندما يكون مفتعلا ويقوم على شيطنة الآخر ويتحول إلى تكفير وتكفير مضاد وإقصاء مضاد وعنف لفظي ومادي واستقواء بالمناصرين من أهل الملة ومن أعداء الوطن والدين ، فالاستقطاب تدور رحاه على الدولة والوطن والثوابت الدينية والوطنية لتطحن المكتسب المجتمعي والمنجز الإنساني ولا تبالي بتدمير الدولة أو بث الفتنة المهم أن لا يخفض أي قطب الجناح للقطب الآخر وغاية الغايات نفيه وكسر شوكته ، إنّ استقطابا من هذا القبيل ولى زمنه وهو لا يمكن أن يكون إلا لعبة خطرة هي لعبة الثورة المضادة .
البعض يتهم حركات الإسلام السياسي بأنها تعتمد التقية وأنها تخطط بمنهجية المراحل بمعنى انه في الأخير الغاية هي تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية ولو على مراحل وبتدرج؟
لا أعتقد بأن الدولة الإسلامية مسألة تكتيكية لأي تيار من التيارات الإسلامية فالبعض يراها دولة مدنية ضامنة للحريات لا هي بالدولة التيوقراطية ولا هي بالدولة للأوتوقراطية ،إنما هي بناء يستمد شرعيته من رسالة الأمَة وسلطة الشعب .. والبعض الأخر يراها دولة إيديولوجية أي دولة المؤمنين وقد يماهي بينها وبين جماعة مخصوصة تعاهد وتعادي على أساس المذهب والمعتقد...
وعلى العموم يحتاج المسلمون اليوم إلى تجديد نظريات الدولة ونظرتهم إلى الحكم والى الأهمية الكبرى لمفهوم المواطنة والتأكد أن ما نحتاجه هو الدولة العادلة وأن الخطر على المجتمع وعلى الدين يأتي من الدولة وأن الخطر على المجتمع وعلى الدين يأتي من الدولة القاهرة مهما كانت هويتها.
اما التقية فيلجأ إليها المهددون في وجودهم ولا يبرزها الا القمع المهاد لذلك الوجود. امَا في عالم الأفكار فلا يمكن أن تكون هنالك تقية إنما هناك اجتهادات يتخذ بعضها طابع التعبير عن القديم بصيغ جديدة أو التعبير عن الجديد بإصلاحات كلاسيكية وبقدر الإعلاء من شأن العقل أو الشك فيه أو ازدرائه يكون المضمون المنبثق عن ذلك الاجتهاد والتقية ظاهرة سلبية حتى عندما تكون ظرفية او استثنائية وظاهرة مرضية والية لفكر مأزوم يقرض الحقيقة ذات اليمين وذات اليسار الشمال وحري بالفكر أن ينشد الحقيقة ويجعلها مبتغاه البعيد يقصد البها دون تهيب مثلما يقول الغزالي في المنقذ من الظلال:» إقبال الجسور».
هل يظهر لكم أن الحركات الإسلامية ترتكب أخطاء جوهرية ومنها ما هو منهجي بغضّ النظر على أهم شيء وهو التاريخ كأنها تريد الحكم بالإسلام وتتجاهل ما لا يقل عن 14 قرنا؟
الحركات الإسلامية ليست معصومة من الخطأ ولكنها ليست على الطريق الخطأ. فهي على صواب في اعتمادها المرجعية الإسلامية وعلى صواب في اعتبارها الأمة مصدر الشرعية. وفي دعوتها إلى مراقبة الحكام ومحاسبتها على أدائهم وحملهم على اعتماد الشورى والتزام العدل بين الناس.
أما تجاهل التاريخ فقد يكون تعبيرا من الجيل الإسلامي المعاصر عن الحاجة والرغبة في رد الفجوة التاريخية بين واقعنا وبيت الحضارة المنتصرة التي بيدها ناصية العلم والتقنية وتتفوق علينا اقتصاديا وعسكريا وتخضعنا إلى هيمنتها الثقافية فإذا تبعناها إتباع المقلدة خسرنا أنفسنا وإذا قاومنا بلا إعداد ولا عدّة تغلبت علينا ولأنّ لا وقت للإعداد اكتفت الأجيال الإسلامية بالتحصّن بالعقيدة أملا في وثبة تعيدها إلى مركز العقل المسلم إلا بعد حين فنشأت أدبيات النقد الذاتي والمراجعات وقامت على ذلك مؤسسات مثل المعهد العالمي للفكر الإسلامي وأريد أن أنبّه إلى أنّ النقد الذاتي الذي يمارسه باحثون إسلاميون قائم على الثقة بالإسلام والثقة وقدرة الحركة الإسلامية على قيادة عملية النهوض في حين أن بعض الباحثين من خارج الحركة الإسلامية الذين يشنّعون عليها لا تاريخيتها ولا نقديتها لا يثقون بالإسلام دينا وحضارة ولا بقدرته على استيعاب معطيات العصر ولا بقدرة الفكر الإسلامي على التجدد الذاتي، ولعلّ المنحيين بسبيل الالتقاء بعد اكتشاف طاقات الإسلام الكامنة في تحرير الإنسان والعقل.
ومما يدل على أنها لا تتجاهل التاريخ بل هي في صلبه ان الأحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية مثل حركة النهضة هي أحزاب حديثة في هيكلتها وادارتها وتسييرها وطرق عملها ، وهي تتطور وتطور خطابها ووسائل تواصلها مع المجتمع.
وهي اليوم تثبت اقتدارها في قيادة الحكومة وتسيير دواليب الدَولة ، كما أنها أنبتت اقتدارها في التخطيط والتفاوض وعقد التوافقات وليس لديها عوائق ذهنية أو مفهومية تمنعها من المبادر والاجتهاد ذبل أن الحركة الإسلامية أمكن لها في أقطار عربية وبلدان اسلامية واقعة تحت هيمنة الثقافة التقليدية أن تحرر فعالية تلك البلدان بما في ذلك المرأة العربية والمسلمة التي استعادت داخل الحركة وغيرها من خلال المؤسسات والشبكات الاجتماعية التي أنشأتها استعادت حقها في المشاركة ودرها في زيادة النهضة الاجتماعية وذلك بعد أن ضمنت الحركة حقها المشروع في التعليم وأصَلت لواجبها وحقها في العمل وفي ممارستها لمواطنتها كاملة.
تهمة الانتقاص من حرية وحقوق المرأة وخاصة أمام دعوات المساواة بين الجنسين، والمساواة في الميراث ما تزال تلاحق المنظرين للفكر الإسلامي، ما هي وجهة نظركم ؟
قد يكون في ذلك بعض الصواب وفيه إجحاف أيضا. إذ إن بعض الدعاة، خوفا منهم على الدين وغيرة منهم على المرأة، يعملون بمبدأ سد الذرائع، ما يمنعهم من الإشارة إلى مساحات فعل كثيرة يمكن للمرأة المسلمة المعاصرة أن تقتحمها دون أن يخشى عليها أو أن تخشى على دينها والتزامها واستقامتها. والتشنيع بمواقف بعض العلماء والدعاة فيه الكثير من التجني والانتقاء، وأحيانا إخراج المواقف من سياقاتها لغاية في نفس المشنعين أبعد ما تكون عن الحرص على مصلحة المرأة.
إن دعوة المساواة ليست دعوة منكرة في ذاتها، ولا ننسى بأن أولى الدعوات الإصلاحية قد صدرت عن علماء دين هالهم ما وصلت إليه أوضاع المسلمين وأوضاع المرأة كجزء منها. ولأمر ما يتعمد المؤرخون والنقاد والباحثون حجب تلك الدعوات وعدم التعريف بها، وكان يمكن أن تدرج في المقرر الدراسي، كما إن لبعض الأئمة والعلماء مواقف وفتاوى تناصر حقوق المرأة ولكن يقع تجاهلها لأسباب إيديولوجية إذ إن هؤلاء العلماء يمثلون مرجعية لبعض التيارات والمذاهب المرفوضة من الإيديولوجيات المعنية.
وقد ألبت دعوة المساواة كثيرا من العلماء على الداعين لها لما حمله السياق وزاعمو الدفاع عن حقوق المرأة من مشاريع لا ترمي إلى النهوض والنهوض وحده، بل تقصد إلى التقويض والهدم، سواء صرّحت بذلك أم أضمرته. وكثيرا ما تذهب النوايا المبيتة بالأفكار الجديدة والجيدة، ولعلك تلاحظ أن الطريقة التي أدخلت بها إلى ثقافتنا مفاهيم ومقولات ونظريات ليست شرا كلها قد أدت إلى التباس لم يسدل ستار الشك على تلك الأفكار فحسب بل أدخل فتنة مزقت وعينا الشقيّ بطبعه منذ أن وقفنا على الفجوة الهائلة بين الموجود والمنشود. والسبب في الالتباس والفتنة حملة الأفكار لا الأفكار ذاتها إذ كان يدفعهم إلى اعتناقها والترويج لها أحقاد وعقد وقد جمعوا في أشخاصهم صفتي الجهل والتحامل.
إن قضية المرأة قضية خطيرة ومفصلية فما الفائدة من تهميش دور علماء الدين المؤهلين لنقد أوضاعنا بحب وإخلاص؟ وما الفائدة من جلد ذواتنا بسادية أو بشهوة قتل الأب، واسمح لي أن أحيل القارئ على كتاب الدكتور (محمد عمارة) «التحرير الإسلامي للمرأة» فقد يجد فيه ردا لشبهات كثيرة ألصقت بالإسلام وبالعلماء، والذين هم من أمثال الدكتور عمارة كثير ممن لا شبهة في صدقهم وعمق تفكيرهم وغزارة علمهم واتساع ثقافتهم.
كيف ينظر العجمي الوريمي المفكّر والسياسي للمرأة؟
أظنك تقصد نظرة المثقف الإسلامي إلى واقع المرأة العربية المسلمة. أعتقد أن نظرة المرأة إلى نفسها أهم من نظرة المثقف والرجل إليها. علما بأن ما بين الشعارات «التقدمية» للإيديولوجيين وبين مواقفهم الحقيقية وممارساتهم الفعلية تجاه المرأة بون شاسع. ومن الصعب أن يتخلص المثقف العربي نهائيا من نظرته الموروثة عن المجتمع تجاه المرأة أو تجاه نفسه أو تجاه الظواهر الاجتماعية والإنسانية، التي تمثل البيئة التي يعيش فيها، ولا يزال يسيطر عليها مخيال اجتماعي لا ينصف المرأة كثيرا، وهذا ليس تبريرا فالخطأ لا يبرّر إلا لِيُتجاوز فما بالك ببنية ذهنية واجتماعية انحطاطية ينبغي أن تفكك وتحارب.
نحن نحمل بين جنوبنا عقدا كثيرة لعلّها وراء النظرة الدونية تجاه المرأة، أو نظرة التكريم والتبجيل بل حتى التقديس لها. وكلما ظننا أننا تخطينا عقدنا وتغلبنا عليها إلا وعاودت الظهور عند أول اختبار، وأظن أننا ابتعدنا عن الإنصاف وعن النظرة التحريرية للمرأة التي جاء بها الإسلام، ويتوهم الكثير منا أنها وفدت علينا من ثقافات وفلسفات أخرى.
وعلى العموم فإن مشكلة المرأة في بعض الأقطار العربية والإسلامية اجتماعية بالأساس وليست تشريعية، وفي بعضها الآخر اجتماعية وتشريعية معا. ويحصل أن تكون النصوص متقدمة على الواقع أو متأخرة عليه. والمرأة العربية المسلمة تحقق اليوم مكاسب وتدفع مقابل ذلك ضريبة قد توازي تلك المكاسب أو تفوقها، وقد تدفعها نيابة عنها بنات الجيل القادم أي المجتمع في النهاية.
إن المكان الطبيعي للمرأة مثل الرجل هو المجتمع فلا مجتمع بدون النساء. وللمرأة أن ترتاد وتقتحم الفضاء العمومي فاعلا أصيلا وشريكا مساويا، له مصلحة مشروعة في الانتفاع بالفرص المتاحة، وبذل الطاقة في الإسهام في نهوض المجتمع. والمرأة الملتزمة بالحجاب تعدُّ التزامها به شرط اندماجها في المجتمع إذ إن ذلك يرفع عنها حرج الخروج أو مصادفة الغرباء.
فمواطنة المرأة ينبغي أن تكون كاملة غير منقوصة وإن اختصت بشيء فلا يقلل ذلك من أهمية دورها، بل يؤكد خطورته. ولا مزية للرجل عليها إن اختصها بحق أو بواجب، فحقوقها من واجباته وواجباتها من حقوقه، ولا يحابي المولى جل وعلا مؤمنا على مؤمنة ولا مؤمنة على مؤمن فلا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى.
واليوم تتم في الغرب مراجعات نقدية لتجارب وأفكار الحركات النسوية، بما يجعلها تقترب من مفهوم الإسلام لدور المرأة. وجدير بالملاحظة أن مواقف الإسلاميين من دور المرأة وحقوقها السياسية تتطور باستمرار. وقد عكس النقاش الذي جرى بين قادة الحركات الإسلامية الإخوانية حول برنامج «الإخوان المسلمون» في مصر وعيهم بأهمية التحري فيما هو قطعي وما ليس بقطعي، وأهمية مواكبة التحولات والانتظارات. كما ارتفعت في السنوات الأخيرة أصوات نسائية من داخل الحركة الإسلامية تنادي بمشاركة كاملة للمرأة. وأذكر على سبيل المثال كتابات المفكرة المصرية المتميزة «هبة رؤوف عزت».
بحسب رأيكم وتقييمكم ونظرتكم الاستشرافيّة ، أي شكل للدولة المعاصرة أنسب للمجتمع العربي الإسلامي اليوم؟
لقد كانت الشورى هي النظام الذي انتهجه المسلمون في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) رغم وجوده بينهم، واستمرار نزول الوحي عليه، وهو ما اختاره الله للنبي وجماعته السياسية. نحن نتحدث هنا عن شكل الدولة، قال تعالى :»وشاورهم في الأمر» وامتدح الله المؤمنين بقوله: «وأمرهم شورى بينهم» وهو ما تميزوا به عن غيرهم من الجماعات الجاهلية والمشركة وجماعات أهل الكتاب، بل لم يكن نظام الحكم الفارسي أو البيزنطي شوريا بل كان فرديا استبداديا.
وكانت مشورة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه من رحمة الله بهم. وما دامت الشورى مبدأ وقاعدة في التعامل بين المسلمين فرحمة الله باقية تعصمهم من الضلال وتجازيهم على الاجتهاد.
ثم كانت الخلافة كصيغة عملية توصل إليها الصحابة بعد وفات الرسول (صلى الله عليه و سلم) أرادوا من خلالها تجسيد مبدأ الشورى ومبدأ وحدة الجماعة وعصمتها، ما دامت متحملة أمانة الدعوة وإبلاغ رسالة التوحيد مداها العقدي والاجتماعي والسياسي والحضاري. أما الدولة الحديثة فمع التزامها بالديمقراطية وهي في تقديري نسخة غير مطابقة للشورى، وإن تضمنت بعض معانيها، فهي تتقيد بالقانون وتراقب بعض سلطاتها بعضها الآخر. فالسلطة تخضع للرقابة والمحاسبة ولا ضير في ذلك، فذلك من مقتضيات العهد بينها وبين مواطنيها، ويجري فيها التداول على المسؤوليات والمراكز والمناصب، وهي بذلك تطور نفسها، وهي في تجددها تعبر في نفس الوقت عن إرادة الشعب الذي منه تستمد سلطتها وإليه تعود بتجديد مشروعيتها. وفي اعتقادي فإن الشورى تحتوي ضمانات أكثر لحقوق الأقلية مما تضمنه الديمقراطية التي تخضع إرادة الأقلية لإرادة الأغلبية.
ومع التجدد الدائم للحكومة بالانتخاب والاحتكام إلى صندوق الاقتراع تتحقق فيها ضمانة الاستمرار بمرجعية قاعدية هي هوية الدولة والمجتمع معا، وهذه المرجعية القاعدية هي غير التفويض الإلهي الذي يمكن أن يدعيه حاكم يريد أن يكون فوق المساءلة والمحاسبة والاختيار.
من هو العجمي الوريمي؟
العجمي الوريمي مثقّف ومفكّر إسلامي وقيادي بارز في الحركة الطلابية التونسية في فترة الثمانينات. قضى ستة عشر عاما ونصف العام في السجون التونسية، بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد في أشهر القضايا السياسية في تاريخ تونس المعاصر، وهي قضية حركة «النهضة» الإسلامية المحظورة في تونس.
أطلق عليه بعض أصدقائه لقب «منديلا تونس» لما اشتهر به من اعتدال ومسالمة واحترام لمخالفيه في الرأي ودفاع عن حق الاختلاف.. عرف باشتغاله بالفكر ودفاعه عن الفلسفة ومحبته للحكمة، إضافة إلى دماثة أخلاقه التي بوّأته مكانة خاصة عند كل من عرفه من أصدقائه ومنافسيه وخصومه.
عاد إثر خروجه من السجن أواخر شهر جويلية 2007 إلى مقاعد الدراسة، حيث استأنف دراسته بالمرحلة النهائية في اختصاص الفلسفة المعاصرة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس العاصمة ، بعد أن كان درس الفلسفة في المغرب قبل دخوله للسجن على يد عدد من الأسماء البارزة من بينهم خصوصا محمّد عابد الجابري ، وعُرف الوريمي منذ دراسته الجامعية بعمق التحليل واطلاعه الواسع على مختلف مضارب الفكر والفلسفة.
الوريمي من مواليد سنة 1962 بشط مريم التي تقع شمال مدينة سوسة الساحلية. وقد التحق سنة 1981 بالجامعة التونسية طالبا بشعبة الفلسفة وانخرط في النضال الطلابي. وكان له الدور البارز عام 1985 في تأسيس منظمة طلابية عرفت باسم الاتحاد العام التونسي للطلبة. ولم يتحمل الوريمي أية مسؤولية قيادية في المنظمة الوليدة، لكنه كان الرمز الأبرز للتيار الإسلامي آنذاك في الجامعة.
وهو اليوم عضو قيادي في حركة النهضة ، يتولّى رئاسة المكتب المضموني والثقافي بما يحمله ذلك الموقع من دور ومسؤوليّة في تأهيل طروحات الحركة وإعداد مضامينها السياسيّة والفكريّة وكذلك ما يعزّز مكانته على الصعيد الوطني باعتبار أنّ حركته هي الحزب الأغلبي في الحكم اليوم.
«الشروق»
الإثنين 09 جويلية 2012
التقاه عبد الجليل المسعودي وخالد الحداد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.