لماذا لم تطالب واشنطن رعاياها بمغادرة ليبيا في أعقاب هجوم بنغازي؟ في أعقاب التحركات الاحتجاجية وما رافقها من مظاهر العنف الذي استهدف المقرات الديبلوماسية الامريكية في عدد من دول الربيع العربي بينها ليبيا ومصر و تونس واليمن واقتصر تحذير واشنطن لمواطنيها بتجنب السفر الى تونس والسودان ما يعني ضمنيا أن المشهد الامني في ليبيا ورغم الخطورة التي يبدو عليها يظل تحت السيطرة وغير قابل للمقارنة مع مهد الثورة العربية التي هزت في حينها العالم... تحذير مثير ما في ذلك شك رغم أن حصيلة هجوم بنغازي الذي أدى الى مقتل أربعة من الامريكيين بينهم كريس ستيفن السفير الامريكي في حادثة هي الاولى منذ مقتل نظيره في كابول في سبعينات القرن الماضي الامر الذي شكل صدمة للكثيرين لاسيما بالنسبة للامريكيين الذين لم يدم ترددهم طويلا قبل أن يقرروا على عكس بعض الدول الغربية دعم الثورات العربية في مواجهة الانظمة الدكتاتورية التي كانت تعد من حلفائها., ولعل في هذا الموقف ما دفع الى التساؤل ما اذا كان موقف واشنطن يعني أن الوضع الامني في ليبيا أفضل مما هو عليه في تونس وهل أن تداعيات الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي أقل خطرا وأقل وقعا مما حدث في الهجوم على السفارة الامريكيةبتونس؟ واشنطن التي سارعت بتصنيف تونس في نفس خانة السودان لم تشأ المطالبة باجلاء رعاياها أو مطالبتهم بالامتناع عن السفر الى ليبيا, بل ان واشنطن قد وجدت في اعتذارات رئيس المؤتمر الوطني المقيرف باسم الشعب الليبي عن الهجوم ما جعل وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بدورها تبدي الكثير من التعاطف مع الليبيين وتتوخى الديبلوماسية متخلية عن استعراض العضلات في تنديدها بالعملية وهو ما أثار حفيظة ميت رومني منافس أوباما في الانتخابات الرئاسية الذي لم يتورع عن اتهام غريمه بالتراخي في تحديد السياسة الخارجية لبلاده... الواقع أنه عندما تدرج تونس في صف السودان من حيث انعدام الامن وانتشار الفوضى فان الامر لا يمكن أن يمر دون أن يثير التساؤلات ويؤجج الهواجس ليس لان الموقف ارتبط بواشنطن فحسب أو لان الكونغرس يمكن أن يعترض مستقبلا على تقديم المساعدات المخصصة لتونس, ولكن لان مكانة تونس ومصداقيتها باتت على المحك وهذا ما كان الرئيس المؤقت نفسه أشار اليه قبل مدة عندما حذر من تراجع صورة تونس لدى الرأي العام الدولي مع انتشار الحركات السلفية المتطرفة الى درجة باتت تثير الشكوك حول استحقاقات الثورة وحول توجهات والتزامات الانظمة الاسلامية التي أفرزها الربيع العربي والتي حظيت بدعم واشنطن وتأييدها قبل وبعد الانتخابات. مجرد المقارنة بين المشهد الامني في تونس وليبيا يعد صرخة فزع لم تعد مكتومة بعد تكررالاحداث والمشاهد والانذارات حول ما يمكن أن يؤول اليه المشهد في ظل التراجع الامني الحاصل وهو ماطفا على السطح في ظل أحداث الجمعة الماضي والمواجهات المسجلة في الهجوم الذي استهدف السفارة الامريكية وما تلاه من أحداث الجلاز خلال تشييع ضحايا هجوم السفارة ومنه الى حادثة جامع الفتح والفشل في القبض على أبو عياض زعيم التيار الجهادي السلفي. اذا كان ما حدث في ليبيا عكس انفلاتا أمنيا فان ما حدث في تونس عكس فراغا أمنيا, لسنا نريد الدخول في رهانات حول حقيقة الاستعدادات الامريكية للتدخل من ايطاليا لانقاذ حياة السفير الامريكي ومنع تكرار أحداث بنغازي ولكن وجب الاشارة الى أنه عند سقوط نظام القذافي فان ليبيا لم يكن لها جيش أو قوات أو مؤسسات دولة قائمة تماما على عكس ما حدث في تونس التي كان للجيش دور حيادي وقف الى جانب الشعب وكان في حماية الثورة. ولاننسى ما حدث في ليبيا التي غرقت في فوضى السلاح مع اكتشاف ترسانة نظام القذافي التي استنزفت ثروة الشعب الليبي حتى أن بعض الارقام تشير الى وجود عشرين مليون قطعة سلاح في ليبيا أمكن لبعضها في ظل الفوضى الراهنة التسرب الى دول الجوار... لا يختلف اثنان أن تونس اليوم تعيش اختبارا لا يخلو من تعقيدات خطيرة فليس كل من كان ينادي بالديموقراطية ديموقراطي وبالتالي فان سقوط الانظمة الدكتاتورية لا يضمن انتاج مجتمعات حرة والانتخابات لا تعني بالضرورة انتصار الديموقراطية والثورة قد تظل الطريق حينا قبل أن تعود الى تصحيح المسار وأغلب التجارب تشهد أن الديموقراطية لا تسيرعلى طريق معبدة...