أحدث الفيلم الأخير"القناص" للمخرج التونسي يسري بوعصيدة الجديد ردود فعل كثيرة وجدلا واسعا وانتقادات مختلفة في صفوف عدد من المهتمين الذين واكبوا مؤخرا العرض الأول للشريط الذي يدوم حوالي ساعة. و"القناص" فيلم تلفزيوني جسد أهم أدواره عدد من الممثلين المعروفين كمحمد علي بن جمعة وفاطمة الزهراء معطر وأحمد الأندلسي ومنير العرقي وغازي الزغباني ولسعد بن يونس ومحمد الغزواني، إضافة للممثل الشاب نجيب الذي يبدو وأنه مهتم بالفنون القتالية، والمطربة الواعدة رحمة. يروي الشريط قصة مهاجر تونسي قضى 16 سنة في الخارج لأسباب ظلت مجهولة في سياق الأحداث.. المهم أنه يعود إلى تونس وتتزامن هذه العودة مع مرور عام على اندلاع ثورة 14 جانفي ليكتشف المهاجر العائد هوية "القناص" الذي كان وراء اغتيال شقيقه الإعلامي أثناء أحداث سيدي بوزيد. وطوال أحداث الشريط يقوم البطل "نجيب" بعملية تفتيش وبحث دقيق للعثور على القناص الذي أزهق روح شقيقه، وقد ركز مخرج الشريط على القوة العضلية والبدنية من خلال اعتماده على تضمين سيناريو الفيلم عدة معارك يجابه خلالها "البطل الطيب" بعض "الأشرار" ليكتشف في النهاية أنّ "القناص" الذي قتل أخاه "شكيب" في أحداث سيدي بوزيد لم يكن سوى رجل بوليس انتابته موجة شك في سيرة وسلوك زوجته قادته إلى الاشتباه والتخلص من شقيقه "الشهيد المزعوم"على أساس أنه متورط مع الزوجة الخائنة،، في حين لم تكن هذه الزوجة سوى شاهدة عيان على الجريمة التي ارتكبت مما أصابها بصدمة أحالتها وأجبرتها على المكوث بمستشفى الأمراض العقلية "الرازي". ولئن تمكن مخرج الفيلم من النجاح في نيل اهتمام الفضوليين الذين أغراهم عنوان الشريط وجاؤوا يبحثون عن إجابات واضحة وصريحة لأسئلة كثيرا ما أقضت مضاجعهم ومضاجع الكثير من التونسيين ومن بينها وأهمها قضية "القناصة".. ونظرا لما يوحي به هذا العنوان من إشارات تبدو واضحة إلى ملفات شديدة الحساسية مرتبطة خاصة بملف شهداء وجرحى الثورة إضافة للمحاكمات العسكرية التي تمت وما يحوم حولها من اتهامات، بعدم كشف الحقائق إلى الآن والتساهل مع المتهمين، لأهالي الضحايا وكثير من الحقوقيين إلا أن سيناريو الشريط كان وللأسف بعيدا كل البعد عن هذا الطرح إضافة إلى أن غياب التشويق وانعدام العقدة واعتماد النمط البوليسي والحركة على الطريقة الأمريكية التي تحفل بها معظم الشاشات العربية طيلة السنوات الأخيرة.. يجعل المتلقي يصاب بخيبة أمل كبيرة غير متوقعة إطلاقا. من ناحية أخرى نجد أن هذا الشريط لم يراع فيه مخرجه القيمة الفنية والجمالية للصورة التي غاب عنها تركيزه في حين كانت الثرثرة حاضرة بامتياز في الحوار. والأكيد أنه في غياب تصور واضح لوقائع أحداث سيدي بوزيد والاحتجاجات الكثيرة التي عرفتها تلك المنطقة إلى جانب بقية مناطق البلاد والضجة الإعلامية الكبيرة التي صاحبت ملف شهداء وجرحى الثورة إضافة لملف القناصة الذي مازال غامضا محاطا بسياج سميك من الاسرار من كل جانب إلى اليوم، بسبب تعطل عملية العدالة الانتقالية والكشف عن القتلة الحقيقيين.. فإن نهاية الفيلم وفي غياب"العقدة" جاءت باردة باهتة غير مؤثرة خالية من "الانفراج" وغير مؤسسة باتجاه نشوء وعي جديد تجاه الجمهور المتلقي. وكأننا بمخرج هذا الفيلم يلغي من اعتقادنا وجود "القناصة" بان عمد إلى تغيير"القنص" أيام الثورة بجريمة قتل عادية يمكن أن تحدث يوميا وأن لا وجود كذلك لشهيد طالما أن الضحية ومن خلال هذا الفيلم لم يكن سوى متهم بالتورط في جريمة خيانة زوجية.. وفي النهاية نجد أنفسنا مجبرين على طرح الأسئلة التالية: لماذا فيلم "القناصة" الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟ وهل هذه هي وجهة نظر المخرج يسري بوعصيدة تجاه ما حدث وما يحدث منذ قرابة العامين في تونس؟