قابس من الجهات القليلة أو ربما الوحيدة بالجمهورية التي تجمع بين البحر والواحة والجبال والصحراء مترامية الأطراف. وكانت إلى حد ستينات القرن المنقضي ترتكز على النشاط الفلاحي برا وبحرا وذلك لما حباها الله من أراضي خصبة تمسح أكثر من 600الف هكتار. تعطي العجب من الزراعات الكبرى (قمح وشعير..) في السنوات الممطرة وواحة تمثل المنطقة السقوية (حوالي 10الاف هك) معروفة بإنتاجها المتميز من أكثر من 30نوعا من التمور، والحناء والرمان والمشمش والملوخية والتبغ(والنفة)و..ويعتبر بحرها داخل خليجها محضنة لجميع أنواع الحيتان والأسماك بما فيها الثمينة كجراد البحر والإخطبوط و"التريلية" الملكية والمناني والتن الأحمر... كما يتميز عن بقية الشواطئ بطول المد والجزر وهو ما سهل نمو وتكاثر المحار المعد تقريبا كليا للتصدير علما إن الولاية بقيت على امتداد عقود تستقبل مئات مراكب للصيد من كامل جهات الجمهورية خلال المواسم العديدة وحتى خارجها وتحتل مراكز متقدمة في الإنتاج الذي فاق في التسعينات 17الف طن. كما أن ثروتها الحيوانية من ضأن وماعز وابل وبقر يضرب بها المثل في الكم والنوعية فاق عددها في بعض السنوات 500الف راس يعيش جلها من المراعي الطبيعية. كما تتمتع قابس بثروة هائلة من المياه الساخنة المستعملة للاستحمام ولإنتاج الباكورات الجيوحرارية التي غزت العديد من الأسواق الخارجية، ومن كثرة العيون الارتوازية التي تزود الواحة والمتساكنين بحاجتهم من مياه الري والشرب. لكن منذ أواخر السبعينات تغير وضع الجهة تماما نتيجة تركيز القطب الصناعي الكيميائي بالمنطقة الصناعية بغنوش وخلقه لمئات من مواطن شغل وتوجه الشباب إلى القطاعين الصناعي والخدماتي وعزوفهم عن النشاط الفلاحي خاصة بعد شح العيون الارتوازية نتيجة الاستغلال المفرط للمائدة السطحية وانحباس الأمطار لسنوات متتالية وتدهور المراعي الطبيعية حتى أصبح جل مربي الماشية يستعينون بالأعلاف (شعير، فصة، سداري وقصيبة) وما وراء ذلك من مصاريف تفوق طاقة الصغار منهم فيضطرون إلى التفريط في جزء منها بالإضافة إلى عزوف الشباب عن الرعي وبذلك تقلص عددها بشكل تصاعدي وسريع حتى كادت الإبل أن تغيب تماما عن الجهة كما تسبب المركب الصناعي الكيميائي في شبه كارثة بالنسبة للجهة وذلك لما تولد من تلوث هوائي وبحري خطير أثر بشكل ملحوظ على جميع الكائنات الحية (بشرا، حيوانات، مغروسات). وكانت في مقدمة ضحاياه السياحة التي كما يقال "ماتت على النفاس" التي كان من المفروض حسب الخبراء أن تكون من القطاعات الواعدة والهامة نظرا لما يتوفر بالولاية من إمكانيات طبيعية عريضة ومتكاملة (شواطئ ممتدة على طول 70كلم وواحة بحرية فريدة من نوعها بحوض البحر الأبيض المتوسط وسلسلة جبال بنمط معمارها الطريف وصحراء مترامية الأطراف بجميع خصائصها ومكوناتها لحد الساعة ومخزون حضاري وثقافي عريق ومتنوع ومازالت مجرد منطقة عبور ليتعدى فيها معدل الإيواء الليلة الواحدة". الضحية الثانية هي المواطن وخاصة ذلك الذي يسكن بالقرب من وحدات المجمع والذي أصبح عرضة أكثر من غيره لعديد الأمراض كالسرطان وهشاشة العظام والأمراض الصدرية. الحيوانات والغراسات لم تسلم هي الأخرى من هذه الآفة فأصابتها بعض الأمراض وقل إنتاجها. أما على الصيد البحري فحدث ولا حرج حيث تصحر (تكلس) أكثر من 150كلم المحيطة بالمصب وهروب الحيتان إلى مناطق مجاورة آمنة وبقاء مئات البحارة في بطالة دون مورد رزق وأصبحت الولاية تتزود بحاجتها من الأسماك من جرجيس وبنقردان بعد أن كانت توفر حاجيات ولايات الجنوب الغربي بأكمله.ونظرا للأخطار العديدة التي يتسبب فيها التلوث ولعرقلته لمسيرة التنمية بالجهة فقد تعالت الأصوات المطالبة بالقضاء عليه منذ بداية الثمانينات لكن الوعود التصبيرية كانت عديدة في العهدين الماضيين دون أية خطوة للانجاز. ولعل أهمها ما أطلق عليه "مشروع القرن"وهو تحويل مصب الفوسفوجيبس من البحر إلى المخشرمة بالمطوية باعتمادات تفوق 500 مليون دينار وبقي "حبرا على ورق". وتعيش المناطق الغربية للولاية (الحامة، منزل الحبيب، مطماطة وأجزاء من معتمديتي مارث والمطوية) وضعا غير مريح في غياب نسبي أو كلي للبنية الأساسية والمرافق الحياتية الضرورية وموارد الرزق القارة فمنزل الحبيب مثلا مازالت تفتقر إلى جل المصالح المحلية (قضاء، صحة، مالية، تجهيز...) وسئم أبناء قابس من كثرة عدم الإيفاء بالوعود بما فيها الهامة كالقضاء على التلوث بنوعيه وحل مشكل الأراضي الاشتراكية واستغلال المطار الجديد اقتصاديا وانجاز المحطة الاستشفائية بالحامة والقرية السياحية بالشاطئ الجنوبي لمدينة قابس والحد من تجاوزات "الكركارة" والصيد العشوائي وإحداث كلية طب وخط بحري بين قابس وبلدان شمال المتوسط (ايطاليا،فرنسا، اسبانيا).