تتردد عبارة "الوفاق" في هذه الأيام على لسان جميع القوى السياسية مترجمة سعي الجميع للملمة الوضع وتجاوز المرحلة التي تمر بها البلاد في الفترة الحالية، وقبل 23 أكتوبر القادم الذي يرى فيه الفرقاء تاريخا مفصليا لحلحلة الأمور ووضع خارطة طريق استعدادا لدخول المرحلة القادمة بما تحمله من مواعيد هامة جدا واستحقاقات تتمثل بالأساس في كتابة الدستور ووضع أطر عمل مستقلة لكل من القضاء والإعلام على وجه الخصوص والاتفاق بشأن لجنة مستقلة تشرف على الانتخابات التشريعية القادمة. والسعي إلى "وفاق وطني" كلمة بات يرددها الجميع ولا يتنصل منها أي طرف بما في ذلك أحزاب "الترويكا" في السلطة، على الرغم من التباينات الواضحة التي تظهر بخصوص مفهوم "الوفاق" والحلول التي يطرحها كل طرف بخصوص إدارة المرحلة القادمة، وما تعلق على وجه الخصوص بتركيبة الحكومة وتوسعتها وجعل وزارات السيادة الثلاث محايدة بتكليف وزراء مستقلين على رأس كل منها. ومعنى "الوفاق" الذي بات يتردد على أفواه الجميع قد يكتب له النجاح وتتوصل الأطراف السياسية إلى إرسائه، خاصة بما بدا يظهر من تسليم بالأمر الواقع واعتراف بصعوبة المرحلة وعجز الحكومة على إدارة الوضع، لكن هذا "الوفاق" لا يمكن له أن يتم إلا أذا ما وضعت له خارطة طريق واضحة تحدد المهام الرئيسية للمرحلة القادمة وتواريخ منجزاتها، وتضع في الحسبان أيضا مبادرات الوضع الاقتصادي والبطالة وتفتح مجالات ولو محدودة لجانب التشغيل والضغط على الأسعار، وتطوير مجالات تدخل الأمن لجعل حدا للتجاوزات السلفية ومظاهر قطع الطرقات وغيرها من التحركات التي تعرقل مسار الاقتصاد والتنمية. لكن هذا "الوفاق" الذي يتردد اليوم يبقى في نظرنا رهين العاصمة، ولا يتجاوز أطرافها باعتبارها مركز الثقل السياسي، وهو بذلك لا يتجاوزها لتصل تأثيراته إلى عمق البلاد والجهات الداخلية التي كان لها ولسكانها الأثر الكبير في انجاح الثورة وترسيخ شعاراتها وتقديم الشهداء والجرحى، وهو أمر يعكس الانفصام إن لم نقل القطيعة الظاهرة مع بقية عمق البلاد ويجعل حدا للتناغم الحاصل بين أطراف المجتمع بأسره في الاختيارات الكبرى المنتظرة خاصة. وهكذا يمكننا أن نقول إن "وفاقكم" المنشود يبقى فوقيا ومحدودا لأنه لم يترجم على رضى عام بخصوص بعده السياسي أولا ثم الاقتصادي والاجتماعي الذي وعدتم به سكان الجهات الداخلية ثانيا.