دعوة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير خلال زيارته امس الى رام الله بضرورة رفع الحصار عن غزة وتجميد الاستيطان لا يمكن ان يكون لها معنى او صدى يذكر في الحاضر كما في المستقبل وهي لا تخرج عن اطار دعوات كثيرة مماثلة تكررت من جانب مسؤولين اوروبيين وغربيين في جولاتهم المتواترة على منطقة الشرق الاوسط وهي تصريحات وان حملت في ظاهرها بعض التعاطف مع ضحايا الاحتلال في الاراضي الفلسطينية المحتلة فهي تكشف في باطنها عن عجز وفشل دولي مفضوح في اعادة تصحيح المسيرة السلمية او اعادة دفعها بما يمكن ان يضع حدا لمعاناة شعب تجاوزت كل الحدود والارقام لا يزال يرزح تحت قيود الاحتلال ويخضع لابشع انواع ارهاب الدولة الاسرائيلي والابادة البطيئة.... والحقيقة انه اذا كان لضعف الموقف العربي وغيابه من ناحية وتخبط الموقف الفلسطيني وتفككه وتقلص فرص المناورة امام السلطة الفلسطينية من ناحية اخرى سواء على الساحة الدولية او الاوروبية مسؤوليته ودوره وراء هذا التهميش والتجاهل، فان ما لا يمكن اغفاله ان ما يسجل اليوم من مواقف باهتة وغير مسؤولة ليس بمعزل عن ديبلوماسية الابتزاز والحسابات المدروسة التي لم تخل من الدهاء والاتقان وكثير من المناورة طوال ستة عقود من نشأة الكيان الاسرائيلي. وليست جريمة مخيم البريج التي ارتكبتها الالة الحربية الاسرائيلية بالامس والتي ذهب ضحيتها ثمانية فلسطينين اربعة منهم من عائلة واحدة سوى ثمرة اخرى من ثمار الحملات الديبلوماسية التي لاتعرف الهدوء والتي انتهجتها اسرائيل حتى الان ذلك ان مجزرة مخيم البريج التي تتوفر فيها كل اركان جريمة الحرب في القانون الدولي لم تكن سوى حصيلة حتمية للخيارات المعادية للسلام والمناهضة لحقوق الانسان في حالات الحرب والسلم التي ما انفكت اسرائيل تروج لها تحت شعار مكافحة "الارهاب" الفلسطيني والذي لا يستثني في قاموس اسرائيل الاطفال او الشيوخ او النساء او حتى الاجنة في الارحام والمرضى والعجز وغيرهم من المدنيين... ومجزرة البريج لا تخرج في هذه الحال عن اهداف ونوايا الجولة الديبلوماسية التي قادتها تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية عندما جمعت حولها سبعين من السفراء المعتمدين في اسرائيل في جولة على الحدود مع غزة لاطلاعهم على خطورة الصواريخ اليدوية التي تطلقها حماس على مستوطنة سيدريوت وقد كان واضحا ان ليفني كانت تسوق انذاك لعمل عسكري اسرائيلي في غزة وتسعى في المقابل لضمان الصمت على ذلك الهدف الذي اقتسمت الادوار فيه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت خلال جولته الاوروبية في نفس الوقت وحرصه من المانيا على ابقاء ورقة الهولوكوست وعقدة الذنب ومعاداة السامية قائمة في الضمير الاوروبي... وقد لا يكون الدليل الجديد للطالب الامريكي الذي صدر تحت عنوان "كيف تدافع عن اسرائيل" سوى مقدمة جديدة لتوجهات سياسة الابتزاز وعقدة الذنب التي تريد اسرائيل الحفاظ عليها في ذاكرة الرأي العام الدولي في انتظار ان تتقن الديبلوماسية العربية اصول وفنون الدفاع عن مصالحها الحيوية....