اذا كان ما يحدث في الاراضي الفلسطينية المحتلة من جرائم حرب يومية ومن اغتيالات منظمة يدخل في اطار الاستعدادات المستمرة لاستقبال الرئيس بوش الى المنطقة في الايام القليلة فانها بالتاكيد اشارة على انها ستكون زيارة فاشلة ولن تحمل للفلسطينيين القليل ولا الكثير ولن تكون بالنسبة للرئيس بوش اكثر من محطة اضافية في قائمة المحطات الكثيرة المرتقبة في جدول تنقلاته في سنته الاخيرة في البيت الابيض وهذا ليس من باب المبالغة في شيء ولامن باب استباق الاحداث ايضا ولكن هذا ما تنقله صراحة لغة القوة واستعراض العضلات التي تصر اسرائيل على انتهاجها منذ فترة لم تعد بالقصيرة. ولاشك ان ما تقوم به الالية العسكرية الاسرائيلية من قصف للمدنيين ومن اغتيالات وهدم للمباني وترويع للنساء والاطفال والشيوخ يدخل في اطار المفهوم المتداول لجرائم الحرب ولعمليات التصفية العرقية المدروسة باللجوء الى التجويع حينا والتهجير حينا اخر والحصار حتى الموت وهي ممارسات تلتقي في نهاية المطاف في النتائج المطلوبة لدفع الفلسطينيين الى افظع الحلول والاختيار بين الركوع والاستسلام لسياسة الاحتلال او القبول بالتهجير والتشريد او الانتحار... اما اذا كانت تلك الاحداث محاولة على الطريقة الاسرائيلية لاحياء الذكرى الثانية لدخول شارون في غيبوبته المستمرة فانها بالتاكيد اشارة الى ان تغيير القيادات العسكرية والسياسية في اسرائيل لا يعني تغييرا في التوجهات والنوايا الاسرائيلية وهي بلا شك ايضا اشارة الى الحنين الدائم لدى اولمرت وغيره من القيادات الاسرائيلية لسياسة الحديد والنار في التعامل مع الفلسطينيين. وعندما تعلن اسرائيل نيتها وقف بناء المزيد من المستوطنات فان ذلك يخفي وراءه مخططات لاستقدام المزيد من اليهود وتوطينهم على الاراضي الفلسطينية وعندما تعلن اسرائيل استعدادها من اجل المفاوضات واقامة سلام الشجعان فانها بالتاكيد ستسعى من وراء ذلك الى نسف واجهاض كل فرصة او بذرة امل لاحياء السلام وهي عندما تعلن اطلاق سراح عدد من الاسرى والمعتقلين فهي ستلجا بالتاكيد الى اعتقال ضعف عدد الذين اطلقت سراحهم وهي عندما تدعو واشنطن الى دعم موقف ابو مازن فانها دون ادنى شك ستلجا الى اقتراف كل ما يمكن ان يؤجج غضب السواد الاعظم من الفلسطينيين ضده ويدفع بهم الى السقوط في براثن الفتنة والاقتتال واستباحة الدم الفلسطيني . تخطئ اسرائيل ومعها حليفها الامريكي عندما تصر على ان استمرار الحصار الخانق على غزة والامعان في عزل اهلها سيقوض حركة حماس ويعجل بانهيارها وسقوطها وعودة الوضع الى ماكان عليه قبل سيطرة الحركة على القطاع تماما كما يخطئ ابو مازن في تقديراته ورهانه على الوعود الاسرائيلية والامريكية في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية واعادة الوحدة الفلسطينية فقد كانت اسرائيل ولاتزال اكبر مستفيد من حالة الفوضى والانقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية ولن تدخر اسرائيل جهدا لضمان استمراره بل واستفحاله حتى وان ادى ذلك الى تحول كل الفلسطينيين الى "حمساويين".... ولاشك ان اسرائيل قد وجدت في "صواريخ "القسام والكاتيوشا" وما تثيره من هلع ورعب في صفوف المستوطنين في عسقلان المبرر المطلوب لدى الراي العام الاسرائيلي كما لدى الراي العام الدولي المهوس بامن اسرائيل لارسال صواريخها وقاذفاتها الامريكية الصنع لاستهداف البيوت والمدارس وسيارات الاسعاف والمستشفيات وباتت بذلك تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بشان "الارهابيين الفلسطينيين " قابلة للتسويق والتداول في مختلف الاوساط الديبلوماسية والسياسية والاعلامية التي اثبتت بدورها انها تخشى ان تتهم بمعاداة السامية والتعاطف مع المتشددين الفلسطينيين المنضوين تحت راية حماس والجهاد او تاييد الارهاب والارهابيين. ولعل في الاهتمام الواسع الذي توليه الصحف العبرية لزيارة الرئيس بوش الى اسرائيل الاسبوع القادم خلال جولته المرتقبة من الامارات والكويت الى السعودية والبحرين والاردن ومصر وربما العراق ما يمكن ان يعكس الكثير عن الثمار الامنية التي تامل اسرائيل في قطفها من ورائها دون ان تقدم ادنى تنازلات... وفي كل ذلك قد يكون الحديث عن صمت المجتمع الدولي المثير والذي لا يضاهيه غير صمت القبور وعجزه المستمر في خضم كل هذه الاحداث اشبه بحوار الطرشان او بالاسطوانة المشروخة التي تزعج اذان المستمعين وتثير انزعاجهم بعد ان دخلت الحملات العسكرية الاسرائيلية المسعورة اطار العادة والمالوف لدى كبار صناع القرار في العالم كما لدى متتبعي الاخبار فيه وارتبطت لدى الجميع بحق اسرائيل في الدفاع عن النفس. والامر هنا لا يختلف بين موقف عربي واخر اوروبي او امريكي او اسيوي او افريقي او اممي بعد ان خرست بعض تلك الاصوات المتبقية التي كانت تتجرا على انتقاد اسرائيل او المطالبة بتحميلها المسؤولية في المجازر اليومية التي تقترفها... وعندما يحين موعد زيارة الرئيس بوش الى الاراضي الفلسطينية المحتلة اذا لم يتم الغاء هذا الجزء من الرحلة فان الارجح ان الرئيس الامريكي لن يغامر بالوقوف على اطلال المجازر الاسرائيلية المتعددة من خان يونس الى الخليل الى نابلس وبني سهيلة وغزة وغيرها ولن يجرؤ على الوصول الى المخيمات الفلسطينية والاطلاع على احوالها ولن يتوقف عند الحواجز والمعابر الحدودية الامنية الكثيرة ولن يتابع مشاهد المرضى الفلسطينيين العالقين هناك في انتظار ترخيص بالعبور ولكن يبقى الاكيد ان يجدد الرئيس بوش في نهاية زيارته دعوته لاقامة السلام في المنطقة لتستمر رحلة البحث مجددا البحث عن فرصة قد لا تبدو قريبة من اجل السلام...