استفاق التونسيّون أول أمس على فرضية صعبة ربما لو صدقت تكون انعكاساتها خطيرة. لقد استفاقوا على آراء ومواقف وخطط لزعيم حركة النهضة مضمّنة في شريط فيديو وقع تسريبه على شبكة التواصل الإجتماعي على الإنترنيت لا تدفع على الدهشة فحسب وإنّما تهدد لو ثبتت نية صاحبها في العمل على تجسيمها بالعصف بأحلام الكثير من التونسيين الذين توقعوا أنه ربما أصبحت التربة جاهزة أخيرا في بلادنا لزرع التعددية الحقيقية وغرس أحزاب سياسية تستلهم قيمها من روح الدين الإسلامي مثلما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية وتنسجم مع روح العصر. هل هي لحظة انقشاع الغشاوة والإستفاقة من وهم أن بلادنا تخلصت نهائيا من بذور البغضاء والأعشاب الطفيليّة التي تنغص على حرثنا وزرعنا. ذلك هو السؤال. إننا لا ندري إن كان الأمر حلما أو وهما ولكن الكثيرين في تونس اعتقدوا أن التربة في تونس بعد الثورة تمّ تخصيبها وأن الثورة الشعبية هيّأت الظروف الملائمة ليضم المشهد السياسي في تونس أحزابا تستمد قيمها من روح الإسلام بمعنى أنها تدافع على القيم الكونية التي جاءت بها الرسالة المحمديّة من تحابب وإخاء وعدالة وعدل واستقامة وأخلاق كريمة دون أن تكون في قطيعة مع العصر ودون أن تضع نفسها في عداوة مع كل ما حققه الإنسان من تقدم وما بلغه من تطور حضاري وما جناه من مكاسب وما حققه من انتصارات على الطبيعة جعلته يوسع يوميّا في نسبة حريته على الأرض ويختزل الزمن وبات يطوي القرون طيا. خلنا أن الأرضية في تونس باتت ممهدة لنشأة أحزاب سياسية تأخذ من الدين الإسلامي الأهم أي المضمون والقيم الإنسانية وتنبذ الشكل الذي يتحول بتحول العصر. لقد تصورنا أن حزب حركة النهضة مثلا الذي انتخبته نسبة هامة من المواطنين التونسيين هو تماما كما يقول المتحدثّون باسمه في خطبهم الرسمية أي حزبا منفتحا معتدلا ولا رغبة له في فرض نمط مجتمعي على التونسيين قد لا يكون بالضرورة منسجما مع آمال الأغلبية. لقد خلناه حزبا يفهم جيّدا طبيعة الشعب التونسي المنفتح على ثقافات العالم والمقبل على العصر دون أن يتنكر لدينه وهويته العربية الإسلامية. لكن بعد مضيّ عام على انتخابات 23 أكتوبر وفي خضمّ تزايد التساؤلات يوميا حول مستقبل تونس بعد أن أصبح للتونسيّين أكثر من سبب يجعلهم يخشون من أن تتكسر أحلامهم بالحرية والتعددية السياسية النابعة من انتصار الثورة الشعبيّة على صخور الواقع الجديد في تونس نستطيع القول أن الفيديو المسرب على الإنترنيت الذي وإن سارع بعض المتحدثين باسم النهضة بالقول أنه مركب وأنه قديم فإنهم لم ينفوا ما جاء فيه من أقوال ومن مواقف ومن برامج على لسان زعيم حركة النهضة من بينها مشروع تغيير النمط المجتمعي التونسي واستبدال الدولة المدنيّة بدولة دينيّة لا يمكن أن نتقبلها على أنها مطمئنة. ومن الطبيعي أن لا يطمئن ما ورد في الفيديو النسبة الأكبر من التونسيين فهو وإن كان ينسجم مع مطالب بعض التيارات المتطرفة التي وجدت في الثورة التونسية مناخا طيبا للسعي لنشر أفكارها وإيديولوجياتها ولو كان ذلك بالعنف والقوة فإنها تقدم الدليل على أن فرضية مواصلة البناء الديمقراطي في بلادنا فرضية صعبة التحقيق أضف إلى ذلك أنها تدخل البلبلة على الغالبية من التونسيين الذين تصوروا أن انتخابات 23 أكتوبر خطوة حاسمة في طريق بناء الديمقراطية في تونس فإذا بنا نستفيق على أن حزب حركة النهضة وعلى الأقل حسب ما ورد في شريط الفيديو المذكور على لسان زعيم الحركة له مشاريع أخرى لا علاقة لها لا بأحلامنا ولا بمشاريعنا ولا بأمانينا ولا حتى بأوهامنا.