بقلم: شكري بن عيسى - سيسجّل التاريخ ل "النهضة"حدثا أسود إن تمكّن لا قدّر الله- القطب المناهض للثورة بقيادة "نداء تونس" من العبورإلى الحكم في الانتخابات القادمة على خلفية القصور الوظيفي المسجّل من حكومة"الترويكا" في تحقيق أهداف الثورة وانجاز الانتقال الديمقراطي.. حدثا أسود سيظل دون شك عالقا بها وبصورتها ومسارها وقد يفضي إلى تلاشيها من المشهد الوطني أصلا. الكل، اليوم، صلب محورالثورة يستبطن في كيانه هذه "الفوبيا" الرهيبة خاصة مع ظهورأرقام متواترة متطابقة تضع القطب الهجين في سبرالآراء من المكاتب المختصة وحتى على الشبكات الاجتماعية في مراتب غير متوقعة حتى داخل مكوناته. السبب في الواقع إن كان يعود إلى تراجع المد الثوري، فإن الأساس فيه يرتبط عضويا بالأداء المتواضع لحكومة الترويكا بقيادة "النهضة" فيما يتعلق بالاستحقاقات الثورية التي ظلت في الجزء الأكبرمنها معلقة، وساهمت بالتالي في خمود اللهيب الثوري واندثاررأس المال الرمزي للثورة، وفيما يتعلق باستراتيجيتها الاتصالية-الإعلامية الفاشلة في التعامل مع ظهورالكيان الهجين بتخصيصه أسابيع كاملة من النقد على مدار كل المنابرالإعلامية مما جعله يتبوأ في لاوعي جزء كبيرمن الشعب مكانة تضاهي "النهضة". وكان الإخفاق المسجّل في هذا الصدد، وفي تثبيت خارطة طريق الانتقال الديمقراطي أساسا تحديد تاريخ نهائي للانتخابات وإتمام صياغة وإقرار الدستور في الموعد المتوافق حوله سلفا (أي 23 أكتوبر) وحسم ملفي الهيئة المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي هذا الإخفاق- كان عاملا مباشرا في تصاعد "بنيان" القطب المناهض للثورة. ولعل ما يزيد في الانشغال البالغ وحتى الجزع هو تمادي النهضة في نهج التردد والارتباك في حسم المسائل العالقة حول نظام الحكم والتوافق مع الفرقاء الذين يصرون بقصد مفهوم على تعميق الأزمة السياسية والدستورية المفترضة مع حلول أجل 23 أكتوبر من أجل تحقيق مكاسب سياسية عالية القيمة برفضهم القطعي لتواصل التوازنات السياسية الحالية المبنية أساسا على قاعدة الشرعية الانتخابية وتمسكهم بالتالي بجرالنهضة إلى تنازلات مؤلمة تبدو هي الأخرى إلى اللحظة غير مستوعبة أصلا لثمنها من خلال موقفها الراهن. المسؤولية الملقاة على القيادة النهضوية في هذا الصدد عالية جدا فعلا في هذه اللحظة المفصلية في تاريخ الثورة والوطن وحركة النهضة المناضلة. وقد تتجاوز المسؤولية القيادة الحالية لتشمل كل القيادات والزعامات التاريخية الموجودة اليوم خارج الأطرالهيكلية ولتشمل حتى القواعد المطالبة بالمساهمة في نحت الاستراتيجية المستوجبة ولضبط المواقف واتخاذ القرارات الصائبة في اللحظة المناسبة وقبل فوات الأوان لأن الإخفاق هذه المرة لن تتحمله القيادات الحزبية الحالية لوحدها وإنما سيغرق في مستنقعه الجميع دون استثناء. ومنطق الهروب إلى الأمام أو التجاهل لن يزيد الأمورسوى تعقيدا وتأزما. اليوم النهضة مطالبة بالتوازي مع إتباع أسلوب الحسم والتوافق والبرغماتية بتوخي نهج الصدق ومصارحة الشعب والشفافية وتجنب الإصرارعلى المواقف الأحادية والتصلب في القرارات وتحاشي المناكفات والتجاذبات في هذه الفترة الحساسة والدقيقة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يثير الاحتقان والتطاحن والتناحروليس المقصود هنا أنها هي من تثير مجمل هذه الإشكاليات ولكن أن تبتعد عنها بأن لا تكون مصدرا لها ولا مساهما فيها حين يقع استدراجها لها. هذا من حيث المنطق العام أما فيما يتعلق بالمسائل المطروحة اليوم فالحقيقة أن مركز الأقوى عدديا لا يعني بالضرورة عدم التفاعل والتعاون أوالاستغناء عن الآخر أو عدم التنازل فالعيش المشترك يفرض منطق التوافق بما يتطلبه من مرونة وتقبّل. وقد يكون اليوم من باب الحكمة أن تتنازل النهضة عن خيارها للنظام البرلماني بعد تمسك أغلب المكونات الوطنية بالنظام الرئاسي المعدّل. والمعلوم أن هذه الأطراف تستهدف تحدي النهضة لإحراجها ونسف توجهها وهذا طبيعي ومن حقها ولا يعني تنازل النهضة اليوم ضعفا بل بالعكس حسمها لهذا الملف العالق قد يزيد في مصداقيتها وثقة الشعب بها ويجعلها من الآن تبني ما يلزمها لتحضير مرشحها للرئاسة والدعاية له. وان كان من الناحية العملية لن تستطيع النهضة أن تحوز على الأغلبية المطلوبة ليس الثلثين في القراءة الأولى والثانية للدستور في مجمله بل حتى ال 50 % + 1 لتمرير الفصل المتضمن للنظام البرلماني.. وحتى في صورة المرور إلى الاستفتاء فالحظوظ تظل ضعيفة للنجاح خاصة ان كل مكونات المجتمع السياسي والمدني والإعلامي ستتصدى للخيارالبرلماني وستكرس ماكينة رهيبة بأموال وإمكانات جبارة للغرض وهوما يعني آليا عدم توفّق النهضة في الانتخابات الرئاسية إن تم تمرير الخيارالرئاسي المعدّل مادامت هي معارضة له في منطلقه.. والنهضة في إطارهذه المعادلة كان عليها أن تبادر تلقائيا وتحقق مكاسب تعبرمن خلالها عن خيارها نحو الوحدة الوطنية وعدم تأزيم الوضع وحرصها على الانفراج والدفع نحو تركيز جو من الثقة للإسراع بإنهاء الدستور في اقرب وقت. وفي كل الحالات فالعبرة ليست بطبيعة نظام الحكم وإنما بمدى تشريك المواطن خاصة في ممارسة الرقابة بفعالية على منابع ومحاضن الاستبداد والفساد.. وفيما يخص التعامل الاتصالي-الإعلامي مع "نداء تونس" فمن الغباء السياسي والتاريخي أن تواصل النهضة في نهجها الكارثي الحالي ولا تتفطن إلى شناعة ما اقترفته في حقها وحق الثورة والوطن. الأكيد أن "النداء" إن وصل في هذا الظرف إلى ما وصل إليه من أرقام غريبة فالسبب المباشر يعود إلى الاهتمام المبالغ والنقد العالي الذي وجهته له النهضة في حين كان من المفروض تجاهله تماما.. فحصل أن كان على مدى واسع في الزمان والمساحات الإعلامية موضوع دعاية مجانية رفعته إلى مرتبة مقاربة للنهضة. والقيادات النهضوية وقعت في فخ الاستدراج الذي وجهه لها عمدا وبمكرعال الباجي قايد السبسي لما صوّب سهاما مسمومة نحو وزير الخارجية رفيق عبد السلام ووزير الفلاحة محمد بن سالم وكان يعلم ردة فعلهما المتشنجة ستكون في طعم العسل بالنسبة لمشروعه الانقلابي على الثورة. أمام هذا التحدي يبدو من نافلة القول الإشارة إلى أن التجاهل التام ل"نداء السبسي" ومقاطعة كل الحوارات المباشرة وغير المباشرة معه ومع قياداته هو الحل بعد أن لاحظنا في عديد "البلاتوهات" وزراء يحضرون حوارات مع قيادات من الصف الثالث أشبه ما يكون بالبلطجية وقد تمت إضافة النائب في التأسيسي القصاص للتشكيلة أساسا للتصادم والتطاول على القيادات النهضوية لضرب هيبتها.. كما أن الحركة مدعوة إلى التصدي بقوة لظاهرة الاعتداءات بالعنف الصادرة خاصة من الأطراف المتعاطفة معها التي يتعرض لها قيادات "نداء السبسي" وتجمعاتهم لان استمرارهذا النهج سيعود عليها بخسارة فادحة على جميع المستويات ؛ ةفمن ناحية هذه "الشخصيات" أعدت خطط حماية من شركات السلامة الخاصة ووظفت بعض البلطجية بالتوازي ومن ناحية أخرى أعدت خططا قضائية إعلامية سياسية بتقديم قضايا والتشهير وتحقيق مكاسب سياسية من كل عمليات اعتداء تتعرض لها ؛ ناهيك أن المسألة قد تتحول إلى "مواجهات" عنيفة بين الطرفين قد تقود إلى مزالق وخيمة على البلاد. الحل بالنسبة إلى هذه القضية هو استنهاض الوعي الشعبي للتصدي الآلي بالوسائل والآليات السلمية لهذا التيار الهجين.. بقي فيما يخص مشروع قانون العزل السياسي فلا أظن أن مثل هكذا آلية ستحقق اليوم النتائج المرجوة منها خاصة انه وقع تصنيفها كآلية لتصفية خصوم سياسيين أساسا "نداء السبسي". والحقيقة أن هذا المشروع ستكون له نتائج سلبية عديدة ليس أقلها مزيد دعم السبسي بظهوره كبطل منقذ ومدافع عن الفئات المعنية بالقانون وخلق جبهة واسعة موحّدة قد تدخل البلاد في مزالق خطيرة؛ هذا زيادة على المخاطرالقانونية من مثل هذا التمشي إذ يمكن في ظل وجود اقصاءات مبنية على أسباب "إفساد الحياة السياسية" الطعن في نتائج الانتخابات حسب ما سينص عليه القانون الانتخابي (أمام المحكمة الإدارية أو الدستورية) وإلغاء الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة وإدخال البلاد في أزمة دستورية محمومة ؛ والحقيقة أنه من الخطإ اللجوء إلى هذا الخيار ما دام يمكن إثارة دعاوي عمومية فردية ضد قيادات العصابة التجمعية من ديوان سياسي وأمانة عامة ولجنة مركزية ولجان تنسيق وجامعات إلى حدود رؤساء الشعب وإصدار قوانين تخضعهم لمصادرة أملاكهم قصد مساءلتهم عن مصدر ثرواتهم الطائلة قد تؤتي نتائج أضمن بكثير من الخيار الأول وتبعد عن الترويكا شبهة التصفية السياسية ل"النداء..". قد يكون أيضا من المفيد إعلان النهضة من الآن عن مرشحها الأوّلي للرئاسة لدعمه في استبيانات الرأي ولحسم الجدل في الداخل والخارج ولتحصين موقعه وتعزيز حظوظه. ويمكن من الناحية التكتيكية إعلان خيار عدم البحث على "الأغلبية المطلقة" في الانتخابات البرلمانية القادمة من أجل التركيزأكثر على الرئاسة وطمأنة أطراف الساحة الوطنية حول قضية "الهيمنة".. وفي المقابل يتحتم اليوم عليها دعم الأحزاب الوسطية الوطنية المساندة للثورة (السي بي آر؛ والتكتل؛ وحركة وفاء؛ والتيار الإصلاحي للبي دي بي..) للحصول على نسب محترمة تتلاءم مع موقعها في المسارالثوري وهذا ما سيسمح لمحور الثورة بضمان أغلبية تمكنه من الحكم.