علمت "الصباح" أن حاكم التحقيق بالمكتب الخامس بالمحكمة الابتدائية بتونس فتح مؤخرا تحقيقا موضوعه قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية الإضمار والترصد والمشاركة في ذلك بعد بروز معطيات تؤكد وفاة المهاجر التونسي لطفي بن تيوة (من مواليد 1971) قبل نحو 12 سنة قتلا بأحد السجون الإيطالية وتدحض بالتالي رواية الانتحار التي قدمتها السلطات الإيطالية، وينتظر أن يفتح ملف القضية مجددا من طرف القضاء الإيطالي لكشف ملابسات الجريمة ومحاكمة القتلة، بعد أن كان سارع بعيد وقوع الجريمة إلى حفظ القضية بالأرشيف لتعذر معرفة هويات الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة. وقالت تركية بن تيوة والدة الضحية إن ابنها هاجر منذ عام 1989 إلى إيطاليا بطريقة قانونية في محاولة للعمل وضمان مستقبله ولكنه عاد إليها في تابوت عام 2000 وعجزت حتى على إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه فظلت تكتوي بنارين.. الفراق والحقيقة الخفية لوفاته. إيقاف فوفاة وأضافت الأم الملتاعة: "بعد أن استقر لطفي في ميلانو أين عثر على موطن شغل محترم، قرر ذات يوم من أيام ربيع العام 2000 السفر إلى فرنسا عن طريق منطقة فانتيميليا الإيطالية لزيارة ابن شقيقه، غير أن الأعوان أوقفوه لأنه لم يستظهر ببطاقة الإقامة بالتراب الفرنسي، وصدر ضده حكم يقضي بسجنه لمدة عام وشهر، ولكن بعد نصف شهر فقط من إيقافه بلغنا نبأ وفاته... لقد نزل علينا الخبر نزول الصاعقة.. احتار دليلي.. حاولت الاتصال بكل الجهات لمعرفة ملابسات الواقعة فلم أجد الآذان الصاغية، لذلك قررت السفر إلى إيطاليا". وفاة عادية.. انتحار! واصلت محدثتنا سرد قصة ابنها قائلة: "عندما اتصلنا بالسلط الأمنية الإيطالية مباشرة رفضت السماح لنا بمعاينة جثمان ابني كما رفضت تسليمي ملابسه.. ظننت في البداية أن الوفاة طبيعية وقد تكون ناجمة عن أزمة قلبية، لذلك عدت بجثمانه إلى تونس حيث تمت مواراته التراب، ولكن بعد ثلاثة أيام من عملية الدفن اتصلت بي ابنتي المقيمة بإيطاليا وأعلمتني أن لطفي لم يمت بطريقة طبيعية وطلبت مني البحث عن ملابسات وفاته فاتصلت بوزارة الخارجية أين أعلمني أحد المسؤولين أن ابني انتحر شنقا داخل السجن، وهو ما لم أصدقه ولم أقتنع به لذلك قررت مطاردة الحقيقة". الطب التونسي يكشف الحقيقة الأم المكلومة، مازالت تكتوي بحرقة الفراق رغم مرور سنوات على رحيل فلذة كبدها، فواصلت الكفاح للوصول إلى الحقيقة، ولذلك راسلت السلط القضائية التونسية وطالبت بإخراج جثمان ابنها وعرضه على الطب الشرعي، وبعد محاولات عديدة أذنت السلط القضائية بإخراج الجثة وفحصها وعهدت لأعوان الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بالقرجاني بفتح محضر بحث في الغرض، وبعد انتظار مطول كشف تقرير الطبيب الشرعي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة أن الوفاة لم تكن ناجمة عن عملية انتحار بل القتل، موضحا أن الجثة تحمل إصابة في مؤخرة الرأس وكدمات في العنق مع احتمال تعرضها للشنق. شاهدا عيان.. شاهدا إثبات محدثتنا التي مازالت إلى اليوم تطارد الحقيقة وتحاول مقاضاة القتلة قالت إن شابين تونسيين كانا زمن وفاة ابنها نزيلين بنفس السجن أدليا بشهادتيهما لدى الشرطة التونسية أكدا فيهما أن حراس السجن يتزعمهم عون يدعى ماكس ومعروف بكنية "القذافي" يقفون وراء مقتل لطفي، إذ أشار أحدهما إلى أنه حين دخل الصيدلية التي اقتيد إليها لطفي لمسحها فوجئ بالدماء تلطخ الأرضية والجدران فأشعر بقية رفاقه، فيما قال الشاهد الثاني أنه حين تقدم من نافذة الصيدلية لتسلم بعض الأدوية المهدئة لآلام الرأس سمع لطفي يصرخ "يامّي.. يامّي" كما سمع قبل ذلك الحارس "ماكس" يتوعد لطفي بالقول "موتك ما تكون كان على يديّ". قتل فشنق فإشاعة وعن السيناريو المحتمل لطريقة وفاة ابنها قالت محدثتنا إن الحراس بقيادة "ماكس" اعتدوا على ابنها بالركل قبل أن يصيبوه بآلة صلبة في الرأس، ثم ولطمس معالم الجريمة شنقوه بلحاف (قطعة قماش). وعن أسباب ودوافع هذه الفعلة الشنيعة ذكرت الأم الملتاعة أن عون السجون "ماكس" عنف لحظة إيقاف ابني أحد الموقوفين وهو ما لم يحتمله لطفي فقام برد الفعل، لذلك قرروا الانتقام منه بقتله والادعاء بانه انتحر. وترنو محدثتنا اليوم إلى إعادة فتح القضية لدى القضاء الإيطالي لكشف الحقيقة ومقاضاة قتلة ابنها خاصة بعد ظهور حقائق ثابتة لتعرضه للقتل، وناشدت السلطات التونسية التدخل لفائدتها لبلوغ الحقيقة المنشودة التي ظلت أكثر من 12 سنة تطاردها.