بقلم: كاظم فنجان الحمامي - توقف الكاتب في الجزء الاول من مقاله عند رواية حدثت في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين زوجة الخليفة عاتكة وبين رسول ابي عبيدة من الشام جرير بن عبدالله الحميري ليخلص الى ان عاتكة استقبلت جرير في غياب الخليفة عمر بن الخطاب وكيف تمادت في الحديث مع جرير في حضور امير المؤمنين كتأكيد على مكانة المرأة في الاسلام كما توقف في خاتمة مقاله عند حديث "المرأة عورة" معتبرا انه من الاحاديث الضعيفة وفي الجزء الثاني يقول: وهنا لابد لنا من الإشارة إلى إن الإسناد الصحيح لا يعني بالضرورة صحة الحديث كما هومعلوم في علم الحديث؛ إذ لابد من صحة المتن وخلوه من الشذوذ أو النكارة. فما بالك إذا كان الإسناد غير صحيح بل منقطعا، على اعتبار أن حبيب بن أبي ثابت الذي نقل الحديث يعد من المدلسين ولم يسمعه ابن عمر ثم إن كتاب الطبراني (الأوسط) ليس كتاب سنن ولا قصد الطبراني بتأليفه أن يجمع الأحاديث الصحيحة بل أراد أن يجمع فيه الأحاديث المعلولة بالتفرد حتى يعلم الناس نكارتها فيأتي المتأخرون ويصححونها. ولو عرف الطبراني ما سيفعل المتأخرون بكتابه هذا لما أظنه كتبه أصلا. يروي الطبراني الحديث نفسه في مكان آخر عن ابن مسعود لا عن ابن عمر دلالة على أن الطبراني لم يجهد نفسه في النظر إلى إسناده حتى يصححه وإنما اعتمد على ذاكرته والذاكرة تخون، في حين شكك ابن خزيمة في صحة الحديث، وبين علته في صحيحه، وقال في صحيحه (394): إنما شككت في صحته لأني لا أقف على سماع قتادة هذا الخبر من مُوَرِّق. من المؤسف له ان بعض أرباب الفكرالأعور يظنون أنهم وحدهم يفهمون الدين وأنهم أفضل من غيرهم في تفسير تعاليمه وتأويلها ويعتقدون أن من لا يتصرف بشدة مع المرأة سيكون من المقصرين في تعامله الحازم معها. فالإقصاء والتغييب والإبعاد والحرمان والتعسف هي الأسلحة التي حملها هؤلاء في تضييق الخناق عليها فهي في نظرهم بهيمة تساق وعورة تثيرالفتنة وجارية تغوي الرجال. وعلى النقيض من هذه الأفكار المتشددة هامت الكثيرات في فضاءات التحرر فروجن لأنفسهن في حوانيت التعري وعرضن أجسادهن للإغراء فتمردن على نواميس المجتمع وصارت الأسواق والساحات العامة مسارح مفتوحة لهن لعرض آخر تقليعات الأزياء الفاحشة فالحرية عندهن مجرد فسحة للتعري أمام الناس والارتماء في العلاقات المشبوهة القائمة على النزوات العابرة. ولا فرق هنا بين من يتعامل مع المرأة كبهيمة مقيدة جبلت على الغباء والتخلف وبين من يتعامل معها كجارية معروضة للمتعة في أسواق التهتك؛ فالدوافع الغريزية هي التي وضعتها في هذا التصنيف وقد رصد المفكر الجزائري مالك بن نبي هذه الدوافع بقوله: ((دعاة تحرير المرأة ودعاة حجبها دوافعهم غريزية بحتة))... ربما أسهمت المرأة إلى حد ما في قبول هذه الأوضاع المزرية وربما اضطرتها الظروف القاهرة لاختيار احد الطريقين متجاهلة مكانتها الرفيعة في المجتمع ومتجاهلة مركزها المرموق ودورها الإيجابي في النهوض مع الرجل لبناء المستقبل الزاهرشريطة استردادها حقوقها كاملة. دعونا الآن نناقش أرباب الفكرالأعور وجها لوجه ونقول لهم: هل من العدل والإنصاف أن تصوم المرأة وتصلي وتحج وتؤدي العبادات كلها لكنها عندما تموت تدخل النار بمجرد أن يكون زوجها غيرراض عليها ؟ ثم لماذا تلعنها الملائكة حينما ترفض تلبية طلب زوجها إلى الفراش ولا تلعن زوجها عندما لا يلبي غرضها ؟ ولماذا يحق لزوجها أن يضربها ويعنفها أمام نسائه متى شاء ذلك ؟ وأي دين هذا الذي يسمح بإهانتها وتوبيخها لأتفه الأسباب ؟ وأي تشريع هذا الذي يسمح بعدم تكفل الرجل لشراء كفن زوجته بعد مماتها ؟ ولماذا يحق لزوجها أن يمتنع عن مساعدتها ماليا عند مرضها وتردي صحتها ؟ ومن ذا الذي أعطاه الحق في الكذب وتلفيق الأعذارلإسكاتها؟ ولماذا تحرم من حقها في الدراسة وطلب العلم ؟ أليس طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ؟ أم إن كلمة (ومسلمة) حذفت من الحديث الشريف بناءً على رغبات أصحاب العاهات الدماغية الذين يريدون العودة بها إلى عصر الجاهلية الأولى بدعوى أنها غير قادرة على فهم المواد العلمية الصعبة وغير قادرة على التصدي للأزمات ؟ هذه ماريا سكلودفسكا (مدام كوري) نالت بنبوغها العقلي ما لم ينله الرجال فكانت أول من حصل على جائزة نوبل في الكيمياء وأول من حصل على جائزة نوبل في الفيزياء. جائزتان عالميتان في اختصاصين مختلفين. وهذه الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، حكمتها امرأة منذ أكثرمن ربع قرن وحتى يومنا هذا، وانحنى لها بعض الزعماء العرب من المؤمنين جدا بعدم أهلية المرأة، وهذه (ماريا غوبرت) التي حصلت على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافها غلاف نواة الذرة، و(روزالين يالو) التي نالت جائزة نوبل في الطب لتنميتها علم المناعة والمصليات و(ريتا ليفي مونتالشيني) التي نالت جائزة نوبل في الطب لاكتشافها عوامل النمو وجاءت آخر الحاصلات على جائزة نوبل في الكيمياء من إسرائيل تكريما لتعمقها في الكشف عن وظائف الريبوسوم. اما العربية الوحيدة التي حصلت على جائزة نوبل في العام الماضي فهي اليمنية السيدة (توكل كرمان(. ألا يعلم أصحاب الفكرالأعور أن المصدر الحقيقي لشبهة (النساء ناقصات عقل ودين) هو العادات والتقاليد البالية الموروثة التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية وأن الإسلام حررها من تراكمات عصورالجهل والتخلف التي كانت تحتقرها وتنتقص من أهليتها وان أصحاب الفكرالأعور هم الذين يسعون اليوم لتطبيق التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض الأحاديث والمأثورات كي تكون سندا لهم في توجهاتهم الغبية. لقد جاءت سورة (المجادلة) لتحسم الجدال وتنصف المرأة, وتوجه أكبر صفعة لأصحاب العقول المتخلفة؛ وهكذا تضافرت الحجج المنطقية مع نصوص الاجتهاد في إزالة شبهة الانتقاص من أهليتها؛ فالمرأة ليست ناقصة عقل ودين لأنها نصف المجتمع ومساوية للرجل في الحقوق والواجبات. قال تعالى في محكم كتابه: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) صدق الله العظيم.