ألا نخجل ونحن نواري جثامين من سقطوا ضحية عنف أهوج لا حافز منطقي أو عقلاني له؟.. غير تلك التصريحات المحرّضة والتي تشحن الأجواء بكمّ من التوتّر والتشنّج و تبقى مبرّراتها واهية ولا تخرج عن سياق التصعيد لبسط اليد على مواقع النفوذ السياسي والاجتماعي بعد تقلّص فاعلية أجهزة الدولة. العنف الذي نقف يوميا شهود "زور" على تفاصيله ووقائعه هو جريمة تنفّذ في حق الشعب و تنتهك "قداسة" الثورة بتواطؤ صامت منّا ومن كل القوى الحية في البلاد التي انساقت وراء التطاحن والتباغض وانخرطت في تمجيد الذات عبر "شيطنة" و"تقزيم" و"تشويه" الأخر.. العنف الذي تتفجّر بؤره يوميا أصبح يتخذ في أغلب الأحيان عناوين مرعبة وقاتمة باتت تثير حالة من الهلع الاجتماعي وتروّع المواطنين وتجعل نوايا الاستثمار الأجنبي مشوبة بالكثير من التوجّس والريبة ويبدو أنّنا بمرور الأيام نفقد القدرة على كبح جماحه خاّصة وأننا إلى اليوم لم نطرح نقاشا جدّيا حوله يفتح باب الحوار مع كل مكونات المجتمع دون إقصاء أو تشفّ..فما تقوم به كل الأطراف السياسية و الجمعياتية أو وسائل الإعلام هو وصف حالات العنف المنفلت دون رقيب أو حسيب مع حرص أغلب الأطراف على إلصاق التهم بمجموعات دينية بعينها بدعوى تشدّدها وغلوّها.. نحن لا ننزّه بالتأكيد هذه المجموعات المارقة عن القانون وتمارس التشدّد والغلوّ الديني والتي تريد عمليا أن "تنتحل" صفة ومهام أجهزة الدولة الأمنية منها خاصّة التي أربكتها الثورة وأطاحت بهيبتها وسطوتها وهي اليوم بصدد استعادة أنفاسها وتماسكها.. لكن كما يمارس التحريض على العنف من فوق منابر المساجد وبخطاب يتخذ ظاهريا صبغة دينية و يستبطن رغبة "للسيطرة" على المجتمع وأسلمته.. فان هناك تحريضا وعنفا موازيا يمارس من على المنابر الإعلامية وفي الاجتماعات العامة ويضطلع به السياسيون على اختلاف مشاربهم الفكرية والأيديولوجية بالقاء خطب ديمقراطية وحداثية "جدّا" لكن غير خالية من العنف اللفظي والتحريض المبطّن واستعمال الأخر "كفزاعة" واستنهاض الهمم للتصدّي له. اليوم حتى نعيد مارد العنف الى القمقم يجب أن نتوقّف نهائيا عن التراشق بالتهم وتقسيم البلاد الى "ملائكة" و"شياطين" وحتّى نجتهد للتواصل مع بعضنا البعض لأن لا طوائف ولا ملل تفرّقنا.. كما يفترض بنخبنا السياسية والزعامات الحزبية التي تتصدّر عناوين الوسائل الإعلامية أن تتحلّى بقدر من الرصانة والتعقّل وتتوقّف نهائيا على إشعال الفتن وتأليب الرأي العام ويفترض بالقضاء اليوم أن يتخلّى على سياسة النعامة في قطع دابر كل محرّض على العنف كائنا من يكون.