تشارك تونس في الفترة الممتدة من 7 إلى 10 نوفمبر المقبل في مؤتمر منظمة الشفافية الدولية بالبرازيل. وأفادت وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد أن الوفد التونسي المشارك سيضم حوالي 20 شخصا أغلبهم من مكونات المجتمع المدني والجمعيات ذات الصلة بالشفافية ومقاومة الفساد. وتعد مثل هذه المشاركات ضرورية اليوم للإحتكاك بمنظمات وخبراء في مجال التصدي للفساد الذي نخر الاقتصاد الوطني طيلة عقود. وقد تكون لنا خبرة في الفساد وفي أساليبه وشبكاته الأخطبوطية المعششة في كل مفاصل الدولة لكن ليس لدينا خبرة في تفكيكها ومقاومتها والتصدى لها. واليوم يتأكد في كل مرة حجم سرطان الفساد المتغلغل في جميع القطاعات والإدارات والدليل على ذلك حجم القضايا المعروضة لدى المحاكم بشأن ما تم اكتشافه من ملفات فساد في بعض الوزارات وما توصلت إليه لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر حول تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وهي ليست إلا قطرة من بحر لو تسنى الغوص في أعماقه بكل حياد وشفافية سيكون دون شك سيلا جارفا قد لا يستثنى إلا القليل. وبعد الثورة واه من يتصور أن الفساد تقلص بل الإعتقاد السائد لدى الأغلبية اليوم أنه ربما تفاقم وهو ما يفسر ما يتداوله البعض حول ظهور" طرابلسية جدد" زد على ذلك فإن مافيا ورؤوس الفساد المستفيدة في السابق ما لم تطلها يد المحاسبة والقضاء فلن يتغير الوضع بل قد يتعقد ويعفن الأجواء في إطار سعي المورطين للحفاظ على مكاسبهم. ولعل المتضرر الأكبر من الفساد هو الإقتصاد الوطني الذي تحول طيلة سنوات لاقتصاد مجموعات.وإلى اليوم يتواصل التأثير السلبي لآفة الفساد على النشاط الاقتصادي والمؤسسات في بلادنا. ونورد بهذا الصدد ما كشفته مؤخرا دراسة أعدها المعهد التونسي للقدرة التفاسية والدراسات الكمية وشملت 1050 مؤسسة خاصة حيث أقرت 34 بالمائة منها أن الفساد يعيق تقدمها، رغم امتناع 61 بالمائة من المؤسسات المشاركة في الاستبيان عن تقديم رأيها حول الفساد. في المقابل أكدت 22 بالمائة من المؤسسات المستجوبة بأنها تضطر إلى التصرف بأشكال غير قانونية لتسهيل معاملاتها وذلك بدفع أموال غير قانونية. كما بينت الدراسة أن المؤسسات المستجوبة تعتبر الديوانة في صدارة الهياكل التي يطالها الفساد يليها الأمن والقضاء والمنظومة الجبائية والجماعات المحلية والقطاع المالي والخدمات العمومية. ويعد هذا دليل آخر على أن الفساد يسرى في كيان الدولة والإقتصاد كما يسري المرض العضال في كامل الجسم. والأكيد أن مقاومته لن تكون بالأمر الهين لكن المؤكد أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية للإصلاح. منى اليحياوي