بقلم: علي الجوادي -سجلت اقتصاديات العالم الحديث خمس فترات من الكساد والعواصف المالية، أولها فترة الكساد الكبير التي شهدتها ثلاثينات القرن ال 20 والثانية مع منتصف السبعينات والثالثة مطلع الثمانينات والرابعة مطلع التسعينات من القرن الماضي وفترة الركود الحالي الذي اندلع في العام 2009 في أعقاب أزمة الأسواق المالية الناجمة عن فشل المؤسسة المالية ليمان براذرز في العام 2008. وأدت كل فترة من فترات الركود هذه إلى مخاوف من كوارث اقتصادية وخيمة وذعر مالي كبير خاصة عند تأخر ظهور نور التعافي وبوادر الاستقرار وامتداد عمر الأزمة لأكثر من ثلاث سنوات. وتشابهت مقاييس هذه الأزمات في انكماش النشاط الاقتصادي بدءا من تقلص النمو في معظم الاقتصاديات وتراجع حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي العالمي وتفاقم البطالة ثم تقلب أداء البورصات وفشل بعض البنوك وهبوط المبادلات التجارية إلى حد لجوء عديد الحكومات إلى تدابيرلحماية الأنشطة الداخلية من المنافسة الأجنبية... سنعالج في هذه الورقة عوامل الكساد وبوادر التعافي حسب القطاعات أوما يعرف بالأعوان الاقتصاديين. والعون الاقتصادي هو كل شخص طبيعي أو معنوي يتخذ قرارات لها انعكاسات على النظام الاقتصادي والوضع المالي كالاستثماروالاستهلاك والتعليم وتوفيرالرعاية الاجتماعية، ويصنف كل عون اقتصادي بحساب جملة من الوظائف في الاقتصاد مثل الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والادخار والإقراض والتصدير والاستيراد. وتاريخا قسم الفزيوقراطيون بزعامة فرنسوا كيني الأعوان الاقتصاديين إلى مستهلكين ومنتجين في حين تجزّىء الماركسية المجتمعات إلى برجوازيين وكادحين... أما اقتصاد السوق الحديث فيصنف الأعوان الاقتصاديين إلى خمس فئات يطلق عليها مصطلح القطاعات: 1- الأسر«بما في ذلك المؤسسات الفردية» وهي تشكل قوة عمل للشركات والإدارات والمؤسسات المالية مقابل حصولها على أجور ومرتبات ينفق جزء منها في استهلاك مختلف السلع والخدمات وتسديد الرسوم والضرائب للدولة والجزء المتبقي يدخرأو يحول إلى استثمار. 2- المؤسسات الاقتصادية وهي شركات تعمل على تجميع الوسائل البشرية والمالية والمادية بغرض إنتاج السلع والخدمات وتقديمها لباقي الأعوان الاقتصاديين مقابل حصولها منهم على نقود أوعمل أوخدمات إدارية، ومن الربح تعمل هذه المؤسسات على توسيع الاستثمار وتطوير النشاط الاقتصادي . 3 -الشركات المالية (البنوك التجارية، المؤسسات المالية، شركات التأمين، البنك المركزي) هي عبارة عن مؤسسات تضع في متناول الأعوان الاقتصاديين الآخرين وسائل مالية تقوم بجمعها من الأعوان أنفسهم مقابل فوائد بهدف الإسهام في تعزيزالنموالاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى تنظيم الائتمان والإقراض وإصدار النقد وإدارة احتياطي العملة الأجنبية والحفاظ على الاستقرارالنقدي والمالي الداخلي. 4 -الإدارات العمومية(الحكومة والوزارات، الجمعيات المحلية، الخزينة العمومية، الصكوك البريدية، الضمان الاجتماعي، المستشفيات، المدارس والجامعات...) وهي هيئات تقوم بتقديم خدمات غير سوقية كالصحة والتعليم والأمن والخدمات البلدية والرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع وتوسيع الاستثمارالعمومي وتقديم إعانات للمؤسسات الاقتصادية التي تواجه صعوبات بهدف الحفاظ على مواطن شغل مهددة بالضياع ودفع أجور ورواتب الموظفين والأجراء وتغطي الإدارات العمومية نفقاتها عن طريق الضرائب والرسوم من باقي الأعوان الاقتصاديين ومن مساهمات المنخرطين والاقتراض من المؤسسات المالية عند الحاجة . 5 -بقية العالم ويتمثل في الأعوان الاقتصاديين المتواجدين خارج تراب الوطن والذين تربطهم علاقات اقتصادية مع الأعوان الاقتصاديين المتواجدين في الداخل، ويتلخص نشاطهم في تصديرواستيراد السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال من وإلى العالم الخارجي. اشتدي أزمة تنفرجي تجمع المراكزالمالية الدولية والإقليمية على أن النمو في الاقتصاديات المتقدمة لا يزال بالغ الانخفاض ولم يعد قادرا على إحداث تغيير ملحوظ في معدلات البطالة، كما انخفض النمو في مجمل الاقتصاديات النامية وفي كبرى الاقتصاديات الصاعدة بعد أن كان قويا في الفترات السابقة. وفي حين بلغ معدل نمو اقتصاديات أفريقيا جنوب الصحراء 5.1 في خلال العام الماضي، لم يتجاوز معدل النمو في كامل القارة« 3.4في» بسبب شبه الركود في شمال أفريقيا 0.7 في نتيجة التحولات السياسية في تونس ومصر وليبيا وما صاحبها من انفلات أمني واقتصادي. وتتوقع هذه المراكزأن تجابه البلدان الأفريقية مهمة صعبة في الحفاظ على الاستقرارالاقتصادي والاجتماعي والنهوض بالتنمية الشاملة لقلة الموارد وتراجع قنوات الاستثمارالأجنبي. ويتنبأ صندوق النقد الدولي أن يكون معدل النمو خلال 2013 في حدود 1.5 في بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة و5.5 في بالنسبة للاقتصاديات النامية وأسواق الاقتصاديات الصاعدة بسبب خطط التقشف في منطقة اليورو وتواصل ضعف أداء النظام المالي في مجمل الأسواق. وكان لهبوط النشاط الاقتصادي العالمي تداعيات وخيمة على المبادلات التجارية الدولية وعلى تدفق رؤوس الأموال نحوالاقتصاديات النامية والحال أن حوالي مليار نسمة يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وحوالي 20 مليون نسمة في أفريقيا مهددون بالمجاعة وسوء التغذية، ولا بوادرفي اتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة خاصة في مجالات مواجهة الأمية ومكافحة الفقر وتحسين الرعاية الصحية وتعزيزالمساواة بين الجنسين في بلاد التابعين المستهلكين للعلوم والتكنولوجيات الرفيعة. وفي منطقتنا العربية، وحدها اقتصاديات الدول العربية الغنية بالنفط والغاز تواصل تحقيق معدلات نمو معتبرة في ظل وتيرة النمو المرتفع لقطاعي النفط والغاز وارتفاع الإنفاق الاستثماري، في حين يعزى ضعف النمو في بقية الاقتصاديات العربية إلى تقلب مردود المحاصيل الزراعية نتيجة تأثرالإنتاج الزراعي بعوامل المناخ وكبح فترة انتعاش قطاع البناء والتشييد جراء تدهور الحسابات ومحدودية الموارد وتباطؤ نمو تدفقات الاستثمارالأجنبي. وتتسم اقتصاديات الربيع العربي بالانكماش وكثرة البطالة وتدهورأداء القطاع السياحي وتفاقم عجز الميزانيات والديون السيادية وانخفاض احتياطي العملة الأجنبية، ولا بوادرلإصلاحات عميقة تحقق التعافي والاستقرارفي ظل الأنظمة الوقتية. صحيح أن الركود والاختلال في بلدان الربيع العربي ناجم عن التركة الثقيلة لأنظمة الاستبداد والكسب غير المشروع، لكن تباطؤ التعافي راجع بالأساس إلى ضعف أداء الإدارات السياسية الجديدة وقلة الخبرة ومحدودية الموارد المالية وتكاثرالانفلات الأمني والاقتصادي واكتظاظ المطالب الاجتماعية وقصور في التطهير وقلاقل الخوف من المجهول نتيجة تأخررؤية هلال مسارالانتقال الديمقراطي، إضافة لعوامل خارجية كارتفاع أسعارالوقود والغذاء والركود العالمي. إن القصور في الطلب الفعال لدى قطاع الأسر مع أن الحاجة موجودة ولكن القدرة على الدفع مفقودة الناجم عن تفاقم البطالة نتيجة تكدس حصص فائض عمل العمال عند الأعراف في زمن وفرة الإنتاج يؤدي إلى تواترإخفاقات الشركات الاقتصادية والمالية وهبوط النشاط الاقتصادي، فالتوزيع الفاسد للثروة يقود إلى ارتدادات مالية وخيمة وخمول الأنشطة الاقتصادية وتسريح العمال وتعدد القلاقل الاجتماعية.. وتتأثرأيضا اقتصاديات السوق سلبا مع تقلب التمويل بالديون وهذا ما يفسرانهيار أسواق المساكن في الولاياتالمتحدة عشية مغادرة بوش الصغير للبيت الأبيض عام 2008، وقاد هذا الانهيارإلى انعكاسات خطيرة في أداء البنوك بداية ومن ثم هبوط في النشاط الاقتصادي في اقتصاديات المركزأولا قبل أن تتوسع الأزمة إلى اقتصاديات المحيط لاحقا نتيجة تخفيض صادرات البلدان النامية نحو بلدان الاقتصاديات المتقدمة وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشرفي بلاد التابعين وعصابات الاستبداد والفساد وقواعد العنف والرعب والتطرف. كما كان لإجراءات خفض الاستهلاك لدى الأسر وتباطؤ الاستثمار وتقليص الشركات الاقتصادية المثقلة بديون عالية المخاطرفي أنشطتها بهدف الوصول إلى مستويات دين أكثرأمانا ارتدادات على النشاط الاقتصادي مدفوعا بتركة الأزمة المالية، وسبب ضعف النمو في تدهور أوضاع البنوك وأصبح العديد من المقترضين يعانون من ضيق أحوال الاقتراض. على الإدارات السياسية، وبوجه خاص في منطقة التعاون والتنمية الاقتصادية، الكف عن الرقص في خيمة الضغط المنخفض نيوكلاسيكية بحجة ضبط أوضاع المالية العامة وخفض الديون السيادية وإعادة هيكلة الهيكلة، لأن تبريد الاقتصاديات عبر سياسات انكماشية وخيمة لا تقود إلا إلى هبوط النشاط الاقتصادي وتزايد العواصف المالية والقلاقل الاجتماعية. إن الأسر في حاجة إلى سياسات الضغط المرتفع لتحسين التشغيل والقدرة الشرائية والشركات والبنوك في حاجة إلى تخفيف الذعرالمالي لأن تزايد المخاوف بشأن قدرة صناع السياسات الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي تجاه السيطرة على أزمة اليورو وعدم تقليل الشعور بعدم اليقين وإخفاق صناع السياسة في واشنطن على اتخاذ خطة مالية تحفيزية كلها تؤدي إلى تباطؤ مسارالتعافي وهبوط المبادلات التجارية وتراجع التدفقات المالية المتبادلة مما يجعل الاقتصاديات أكثرعرضة لمزيد المخاطر ويطول عمرالأزمة، الخروج من الأزمة يتطلب إنعاش الاقتصاد وخفض البطالة وتنشيط المبادلات التجارية الدولية مع تجنب الاتجاهات التضخمية... وعلى حكومات البلدان النامية ومنها الحكومات العربية دعم نمو دخل الأسر لأن قصورالطلب له تداعيات وخيمة على الاستثماروالتشغيل والاستقرارالاجتماعي والسياسي. وما نود أن نختم به هذه الورقة هو أن لكل مرحلة من مراحل نمو وتحول المجتمعات ما يميزها من صراعات وأزمات تحتاج من أجل حلها إلى التعامل معها بطريقة تكيفية نموية على مدار دورة التحول والتغيير، وهذا يعني أن على الإدارات السياسية الجديدة في بلدان الربيع العربي كسرشوكة التطرف والعنف وتكريس أسس دولة القانون والمؤسسات ومدنية الدولة وهيبتها ودفع مسار الانتقال الديمقراطي وزرع دستورالحرية والإبداع والتعددية والتسامح والشفافية وحقوق الإنسان في عقول الجماهير وتوفيرمناخ الأمن والاستقراروتكافؤ الفرص لكسب ثقة المواطنين والمبدعين والمستثمرين ودفع عجلة الإنماء والابتكاروالتشغيل والاختراع والتقدم. سجلت اقتصاديات العالم الحديث خمس فترات من الكساد والعواصف المالية، أولها فترة الكساد الكبير التي شهدتها ثلاثينات القرن ال 20 والثانية مع منتصف السبعينات والثالثة مطلع الثمانينات والرابعة مطلع التسعينات من القرن الماضي وفترة الركود الحالي الذي اندلع في العام 2009 في أعقاب أزمة الأسواق المالية الناجمة عن فشل المؤسسة المالية ليمان براذرز في العام 2008. وأدت كل فترة من فترات الركود هذه إلى مخاوف من كوارث اقتصادية وخيمة وذعر مالي كبير خاصة عند تأخر ظهور نور التعافي وبوادر الاستقرار وامتداد عمر الأزمة لأكثر من ثلاث سنوات. وتشابهت مقاييس هذه الأزمات في انكماش النشاط الاقتصادي بدءا من تقلص النمو في معظم الاقتصاديات وتراجع حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي العالمي وتفاقم البطالة ثم تقلب أداء البورصات وفشل بعض البنوك وهبوط المبادلات التجارية إلى حد لجوء عديد الحكومات إلى تدابيرلحماية الأنشطة الداخلية من المنافسة الأجنبية... سنعالج في هذه الورقة عوامل الكساد وبوادر التعافي حسب القطاعات أوما يعرف بالأعوان الاقتصاديين. والعون الاقتصادي هو كل شخص طبيعي أو معنوي يتخذ قرارات لها انعكاسات على النظام الاقتصادي والوضع المالي كالاستثماروالاستهلاك والتعليم وتوفيرالرعاية الاجتماعية، ويصنف كل عون اقتصادي بحساب جملة من الوظائف في الاقتصاد مثل الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والادخار والإقراض والتصدير والاستيراد. وتاريخا قسم الفزيوقراطيون بزعامة فرنسوا كيني الأعوان الاقتصاديين إلى مستهلكين ومنتجين في حين تجزّىء الماركسية المجتمعات إلى برجوازيين وكادحين... أما اقتصاد السوق الحديث فيصنف الأعوان الاقتصاديين إلى خمس فئات يطلق عليها مصطلح القطاعات: 1- الأسر«بما في ذلك المؤسسات الفردية» وهي تشكل قوة عمل للشركات والإدارات والمؤسسات المالية مقابل حصولها على أجور ومرتبات ينفق جزء منها في استهلاك مختلف السلع والخدمات وتسديد الرسوم والضرائب للدولة والجزء المتبقي يدخرأو يحول إلى استثمار. 2- المؤسسات الاقتصادية وهي شركات تعمل على تجميع الوسائل البشرية والمالية والمادية بغرض إنتاج السلع والخدمات وتقديمها لباقي الأعوان الاقتصاديين مقابل حصولها منهم على نقود أوعمل أوخدمات إدارية، ومن الربح تعمل هذه المؤسسات على توسيع الاستثمار وتطوير النشاط الاقتصادي . 3 -الشركات المالية (البنوك التجارية، المؤسسات المالية، شركات التأمين، البنك المركزي) هي عبارة عن مؤسسات تضع في متناول الأعوان الاقتصاديين الآخرين وسائل مالية تقوم بجمعها من الأعوان أنفسهم مقابل فوائد بهدف الإسهام في تعزيزالنموالاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى تنظيم الائتمان والإقراض وإصدار النقد وإدارة احتياطي العملة الأجنبية والحفاظ على الاستقرارالنقدي والمالي الداخلي. 4 -الإدارات العمومية(الحكومة والوزارات، الجمعيات المحلية، الخزينة العمومية، الصكوك البريدية، الضمان الاجتماعي، المستشفيات، المدارس والجامعات...) وهي هيئات تقوم بتقديم خدمات غير سوقية كالصحة والتعليم والأمن والخدمات البلدية والرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع وتوسيع الاستثمارالعمومي وتقديم إعانات للمؤسسات الاقتصادية التي تواجه صعوبات بهدف الحفاظ على مواطن شغل مهددة بالضياع ودفع أجور ورواتب الموظفين والأجراء وتغطي الإدارات العمومية نفقاتها عن طريق الضرائب والرسوم من باقي الأعوان الاقتصاديين ومن مساهمات المنخرطين والاقتراض من المؤسسات المالية عند الحاجة . 5 -بقية العالم ويتمثل في الأعوان الاقتصاديين المتواجدين خارج تراب الوطن والذين تربطهم علاقات اقتصادية مع الأعوان الاقتصاديين المتواجدين في الداخل، ويتلخص نشاطهم في تصديرواستيراد السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال من وإلى العالم الخارجي. اشتدي أزمة تنفرجي تجمع المراكزالمالية الدولية والإقليمية على أن النمو في الاقتصاديات المتقدمة لا يزال بالغ الانخفاض ولم يعد قادرا على إحداث تغيير ملحوظ في معدلات البطالة، كما انخفض النمو في مجمل الاقتصاديات النامية وفي كبرى الاقتصاديات الصاعدة بعد أن كان قويا في الفترات السابقة. وفي حين بلغ معدل نمو اقتصاديات أفريقيا جنوب الصحراء 5.1 في خلال العام الماضي، لم يتجاوز معدل النمو في كامل القارة« 3.4في» بسبب شبه الركود في شمال أفريقيا 0.7 في نتيجة التحولات السياسية في تونس ومصر وليبيا وما صاحبها من انفلات أمني واقتصادي. وتتوقع هذه المراكزأن تجابه البلدان الأفريقية مهمة صعبة في الحفاظ على الاستقرارالاقتصادي والاجتماعي والنهوض بالتنمية الشاملة لقلة الموارد وتراجع قنوات الاستثمارالأجنبي. ويتنبأ صندوق النقد الدولي أن يكون معدل النمو خلال 2013 في حدود 1.5 في بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة و5.5 في بالنسبة للاقتصاديات النامية وأسواق الاقتصاديات الصاعدة بسبب خطط التقشف في منطقة اليورو وتواصل ضعف أداء النظام المالي في مجمل الأسواق. وكان لهبوط النشاط الاقتصادي العالمي تداعيات وخيمة على المبادلات التجارية الدولية وعلى تدفق رؤوس الأموال نحوالاقتصاديات النامية والحال أن حوالي مليار نسمة يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وحوالي 20 مليون نسمة في أفريقيا مهددون بالمجاعة وسوء التغذية، ولا بوادرفي اتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة خاصة في مجالات مواجهة الأمية ومكافحة الفقر وتحسين الرعاية الصحية وتعزيزالمساواة بين الجنسين في بلاد التابعين المستهلكين للعلوم والتكنولوجيات الرفيعة. وفي منطقتنا العربية، وحدها اقتصاديات الدول العربية الغنية بالنفط والغاز تواصل تحقيق معدلات نمو معتبرة في ظل وتيرة النمو المرتفع لقطاعي النفط والغاز وارتفاع الإنفاق الاستثماري، في حين يعزى ضعف النمو في بقية الاقتصاديات العربية إلى تقلب مردود المحاصيل الزراعية نتيجة تأثرالإنتاج الزراعي بعوامل المناخ وكبح فترة انتعاش قطاع البناء والتشييد جراء تدهور الحسابات ومحدودية الموارد وتباطؤ نمو تدفقات الاستثمارالأجنبي. وتتسم اقتصاديات الربيع العربي بالانكماش وكثرة البطالة وتدهورأداء القطاع السياحي وتفاقم عجز الميزانيات والديون السيادية وانخفاض احتياطي العملة الأجنبية، ولا بوادرلإصلاحات عميقة تحقق التعافي والاستقرارفي ظل الأنظمة الوقتية. صحيح أن الركود والاختلال في بلدان الربيع العربي ناجم عن التركة الثقيلة لأنظمة الاستبداد والكسب غير المشروع، لكن تباطؤ التعافي راجع بالأساس إلى ضعف أداء الإدارات السياسية الجديدة وقلة الخبرة ومحدودية الموارد المالية وتكاثرالانفلات الأمني والاقتصادي واكتظاظ المطالب الاجتماعية وقصور في التطهير وقلاقل الخوف من المجهول نتيجة تأخررؤية هلال مسارالانتقال الديمقراطي، إضافة لعوامل خارجية كارتفاع أسعارالوقود والغذاء والركود العالمي. إن القصور في الطلب الفعال لدى قطاع الأسر مع أن الحاجة موجودة ولكن القدرة على الدفع مفقودة الناجم عن تفاقم البطالة نتيجة تكدس حصص فائض عمل العمال عند الأعراف في زمن وفرة الإنتاج يؤدي إلى تواترإخفاقات الشركات الاقتصادية والمالية وهبوط النشاط الاقتصادي، فالتوزيع الفاسد للثروة يقود إلى ارتدادات مالية وخيمة وخمول الأنشطة الاقتصادية وتسريح العمال وتعدد القلاقل الاجتماعية.. وتتأثرأيضا اقتصاديات السوق سلبا مع تقلب التمويل بالديون وهذا ما يفسرانهيار أسواق المساكن في الولاياتالمتحدة عشية مغادرة بوش الصغير للبيت الأبيض عام 2008، وقاد هذا الانهيارإلى انعكاسات خطيرة في أداء البنوك بداية ومن ثم هبوط في النشاط الاقتصادي في اقتصاديات المركزأولا قبل أن تتوسع الأزمة إلى اقتصاديات المحيط لاحقا نتيجة تخفيض صادرات البلدان النامية نحو بلدان الاقتصاديات المتقدمة وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشرفي بلاد التابعين وعصابات الاستبداد والفساد وقواعد العنف والرعب والتطرف. كما كان لإجراءات خفض الاستهلاك لدى الأسر وتباطؤ الاستثمار وتقليص الشركات الاقتصادية المثقلة بديون عالية المخاطرفي أنشطتها بهدف الوصول إلى مستويات دين أكثرأمانا ارتدادات على النشاط الاقتصادي مدفوعا بتركة الأزمة المالية، وسبب ضعف النمو في تدهور أوضاع البنوك وأصبح العديد من المقترضين يعانون من ضيق أحوال الاقتراض. على الإدارات السياسية، وبوجه خاص في منطقة التعاون والتنمية الاقتصادية، الكف عن الرقص في خيمة الضغط المنخفض نيوكلاسيكية بحجة ضبط أوضاع المالية العامة وخفض الديون السيادية وإعادة هيكلة الهيكلة، لأن تبريد الاقتصاديات عبر سياسات انكماشية وخيمة لا تقود إلا إلى هبوط النشاط الاقتصادي وتزايد العواصف المالية والقلاقل الاجتماعية. إن الأسر في حاجة إلى سياسات الضغط المرتفع لتحسين التشغيل والقدرة الشرائية والشركات والبنوك في حاجة إلى تخفيف الذعرالمالي لأن تزايد المخاوف بشأن قدرة صناع السياسات الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي تجاه السيطرة على أزمة اليورو وعدم تقليل الشعور بعدم اليقين وإخفاق صناع السياسة في واشنطن على اتخاذ خطة مالية تحفيزية كلها تؤدي إلى تباطؤ مسارالتعافي وهبوط المبادلات التجارية وتراجع التدفقات المالية المتبادلة مما يجعل الاقتصاديات أكثرعرضة لمزيد المخاطر ويطول عمرالأزمة، الخروج من الأزمة يتطلب إنعاش الاقتصاد وخفض البطالة وتنشيط المبادلات التجارية الدولية مع تجنب الاتجاهات التضخمية... وعلى حكومات البلدان النامية ومنها الحكومات العربية دعم نمو دخل الأسر لأن قصورالطلب له تداعيات وخيمة على الاستثماروالتشغيل والاستقرارالاجتماعي والسياسي. وما نود أن نختم به هذه الورقة هو أن لكل مرحلة من مراحل نمو وتحول المجتمعات ما يميزها من صراعات وأزمات تحتاج من أجل حلها إلى التعامل معها بطريقة تكيفية نموية على مدار دورة التحول والتغيير، وهذا يعني أن على الإدارات السياسية الجديدة في بلدان الربيع العربي كسرشوكة التطرف والعنف وتكريس أسس دولة القانون والمؤسسات ومدنية الدولة وهيبتها ودفع مسار الانتقال الديمقراطي وزرع دستورالحرية والإبداع والتعددية والتسامح والشفافية وحقوق الإنسان في عقول الجماهير وتوفيرمناخ الأمن والاستقراروتكافؤ الفرص لكسب ثقة المواطنين والمبدعين والمستثمرين ودفع عجلة الإنماء والابتكاروالتشغيل والاختراع والتقدم.