لقيادات اليسار ظلع كبير في أشكال سقوطه المتتالية - أمام ما بدا من تدافع للتيارات السياسية يزعم كل منها أنه صاحب" الحل والعقد" وما انجر عنه من أزمات متتالية تهز أركان المجتمع محاولة لاستمالة الناخب وضمان الاصوات شدد علي المقرحي المختص في الفلسفة السياسية والدراسات الاجتماعية على ان اليسار لم يتخلص من تراكمات سنوات من الاخطاء المتتالية. وأضاف أنه إذا ما جانبنا التحديدات الإصطلاحية والتعريفات المعجمية لمفهوم ومعنى"اليسار" واكتفينا بانعكاساته في وعي الإنسان العربي المسلم عموما والتونسي خصوصا متجليا في تلك العلاقة التي انبنت في وعي التونسي بين أي حزب يساري والدين بحيث لا يكون اليساري يساريا إلا إذا مثلت ايديولوجيته معول هدم الإيمان وتخليص المؤمن من إيمانه وذلك بالإتكاء على الفهم الخاطئ والمخرج من سياقه المعرفي العلمي وتجلياته الأنتروبولوجية لمقولة كارل ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب". وشمل هذا الفهم مفهوم الشيوعية المعادلة والحالة هذه للإلحاد ونفي وجود الإله وكل القيم الدينية التي شكلت مع الزمن شخصية الإنسان المسلم منذ قرون. واضاف المقرحي انه إذا كان هذا المعنى المخطط له والمراد بلوغه من قبل أعداء التقدم والتطور وقد نجحوا في ذلك بأن جعلوا المسلمين أكثر تقبلا لهذه القيم للمعنى المحرف لليسار والإشتراكية والشيوعية وتحديدا منذ 1928 بمصر تاريخ تأسيس أول حزب إسلامي للإخوان المسلمين الذين نجحوا في احتلال وعي الجماهير مع الزمن تحت عاملين أساسيين ذاتي وموضوعي. وأما الذاتي فقد سهل لهم مهمتهم التأسيسية تلك الوعي الساذج والعامي جدا للجماهير المقهورة إجتماعيا بحكم الإستعمار بكل أشكال جرائمه المتعددة. وثانيهما مساندة الغرب الرأسمالي لعملية التأسيس لتلك الأحزاب الأكثر عداوة وشراسة لكل ما هو ات من المعسكر الإشتراكي متمثلا في الإتحاد السوفياتي انذاك مما جعل التصالح مع المستعمر والتعايش معه أيسر من تقبل أية فكرة قادمة من ذاك المعسكر الإشتراكي للمنطقة العربية وتونس جزء منها. فشل وقصور ولكن إذا كانت تلك هي الأسباب الموضوعية التي جعلت صوت اليساريين يخفت في منطقتناعلى حد تعبير المختص في الفلسفة السياسية علي المقرحي فإن ذلك لا يعفي مناضلي اليسار من القصور والفشل الداخلي لليسار نفسه إذ كان لقياداته ضلع كبير في أشكال السقوط المتتالية منها عدم الفهم للأسس المعرفية والعلمية الأكاديمية التي انبثقت منها فكرة اليسار كتنظيم سياسي هذا من جهة ومن جهة ثانية إكتفاء مناضلي اليسار بالنشاط النخبوي الذي لم يتجاوز بعض أشكال من التنظير المعادي للسلط الرسمية ذات القوى الخارقة والمطلقة في تعذيب معارضيها من اليساريين, عذابات كان يسهل على مرتكبيها إخفاؤها أمام الرأي العام الوطني والدولي بوثائق "الإستقلال" التي تحولت إلى وثائق ابتزاز للشعوب, الأمر الذي خفي إلى حد كبير على مناضلي اليسار لأن وثيقة "الإستقلال" لم تبق فقط كوثيقة فوق مكتب بطل الإستقلال الأوحد بل تحولت إلى داخل أدمغة عامة الناس لتشكل في وعيهم ما يمكن أن نسميه البطل الواحد الأحد وأن كل معارض له هو مختل عقليا يتوجب محاربته بتجييش الجماهير ضده وكم هي المناسبات التي استدعى فيها قادة وأبطال دول الإستقلال المدنيين شيوخ الدين وبيوت العبادة لمحاربة العدو المشترك أي اليسار. تواصل السقوط وعن كيفية تعامل اليسار مع كل ما كان يحاك ضده؟ وهل أن الوسائل العديدة التي أعدها لذلك كانت غير موفقة مما حرمه من إحتلال موقع في الممارسة السياسية الفعلية بوصوله للقيادة الرسمية للدولة والمجتمع؟ وهل ثمة استعداد لدى مناضلي اليسار من إعادة قراءة مسيراتهم النضالية التي لا يشك في صدقها؟ أجاب المقرحي قائلا :"أسئلة قد لا أكون مؤهلا للإجابة عنها فقط اكتفى بالإشارة إلى ما قامت به بعض الأحزاب اليسارية من الإكتفاء بتغيير أسمائها كليا أوجزئيا, مثل ما قام بذلك الحزب الشيوعي التونسي منذ ما يزيد عن عقدين بأن أطلق على نفسه تسمية جديدة "حركة التجديد" كما اطل علينا هذه الأيام الأخيرة حزب العمال الشيوعي بحذف "الشيوعي" وثمة حزب اخر قام بحذف كلمة"يساري". قد يكون تغيير الأسماء لهذا التنظيم أو ذاك من أحزاب ومنظمات أهلية بدافع جمالي لغوي فهذا أمر مفهوم على مستوى الدلالات الشكلية أما إن كان الأمر يتعلق بمسائل مبدئية طالما قدمت كقيم إنسانية محلية وكونية فإن الأمر أو بالأحرى هذا السلوك ينم عن قصور يراد له أن يتواصل السقوط لليسار بالرغم من عودة الحنين إليه من قبل كل معذبي الأرض على حد عبارة فرانز فانو من ضحايا العولمة وتغول الليبيرالية كأسلوب في الإقتصاد العالمي من نتائجه الكارثية أن صار 1٪يملك ثروات العالم مقابل 99٪ من الفقراء على حد قول عالم الإقتصاد الأمريكي المتحصل على جائزة نوبل في الإقتصاد في كتابه :"ثمن اللامساواة" jozef e stiglitz ا le prix de l'inegalite ا وحول امكانية نهوض اليسار في المستقبل القريب بما يجعله قوة حقيقية ذهب المقرحي الى حد التأكيد على أن اليسار ببلادنا لا يمكنه أن ينهض في الوقت القريب العاجل حتى وأن غير استراتيجياته الفكرية وأبدع شكلا جديدا من التواصل بين نخبه من المناضلين وبين الجماهير المقهورة والمستغلة بطرق تكاد تفوق أوضاع عمال الإقطاع في القرون الوسطى. سيما وأن نفس الجماهير قد تم السطو على عقولها بأن حنط وعيها في القوالب التي أعدها أرباب العمل فحتى أشكال النضال التي يمارسها المقهورون اليوم من بني الشعب" الغلبان" قد انحرفت إلى أشكال من النضال الوهمي وما العودة إلى الدين وتأويلاته المتعددة والغريبة أحيانا لدليل على ذلك, وهذا ما يزيد مهمة اليسار صعوبة لا يمكن تجاوزها إلا بإعادة بناء الوعي الذي يتطلب تكوينا تربويا وبيداغوجيا قائما على العلم والمعرفة لجيلين أو ثلاثة .وفي انتظار ذلك ليس لليسار غير العمل والمثابرة والإيمان بأن المحطات التاريخية الهامة لا يبنيها جيل أو جيلين فقد يفنى جيل بكامله من أجل كرامة وحرية وإنسانية أجيال لاحقة.