أجرى الحوار: نزار الدريدي - اعتبر وليد بن صالح كاتب عام هيئة الخبراء المحاسبين التونسيين ان الارتفاع الحاصل في نسبة الديون المصنفة المشكوك في استرجاعها والمقدرة ب10 الاف مليار دينار والتى تمثل 19 بالمائة من جملة القروض المسندة كان لها تأثير سلبي مباشر على المسار المالي البنوك وكذلك على الترقيم السيادي للمؤسسات البنكية في بلادنا. وفي حديث خصّ به «الصباح» تطرق الى الوضعية المالية التى تشهدها البنوك والقطاع المصرفي ومشروع قانون المالية 2013 فضلا عن الانعكاسات الايجابية والسلبية بعد ارتقاء تونس الى الشريك المتميز لدى الاتحاد الاوروبي علاوة على وضعية الشركات المصادرة. وفي ما يلي نص الحديث: *مالجديد في نشاط الهيئة خاصة بعد انتخاب هيئة جديدة للخبراء المحاسبين؟ -نشاط الهيئة متواصل والمجلس الحالي تم انتخابه في اخر فيفري 2012 وهو يعمل في اطار استراتيجية مستقبلية بعيدة المدى قادرة على تقديم الإضافة إلى المهنة والقطاع الاقتصادي عامة من خلال اعادة الهيكلة لتمكين الخبراء المحاسبين من القيام بدورهم وتوسيع مجال تدخلهم علاوة على الاتصال بجهات حكومية وغير حكومية للتعبير عن ارادتنا والمساهمة في لعب دور وطني للنهوض بالاقتصاد الوطني وتكوين لجان مختصة في كل القطاعات تقريبا. وضع اقتصادي غير مستقر *كيف تشخص الوضع الاقتصادي الراهن الذي تشهده بلادنا؟ - بلادنا تعيش فترة انتقالية وبالتالي فالوضع الاقتصادي الحالي غير مستقر ويعود السبب المباشر الى النقص في الاستثمارات الداخلية والخارجية، والتي كانت موجودة ابان الثورة لكنها تراجعت وهناك عزوف المستثمرين عن بعث المشاريع التنموية ونفس الحال بالنسبة للمستثمر المحلي نتيجة عدم الاستقرار الامني والسياسي والاجتماعي رغم وجود بعض المؤشرات الايجابية في بعض الاحيان. فعلى المستوى الاجتماعي تعددت التعطيلات وتنامت المطلبية مما سبب في عدم ثقة وعزوف المستثمر الاجنبي على الانتصاب ببلادنا. كما ان صندوق النقد الدولي وشركات الترقيم الدولي ركزوا في بياناتهم على اهمية الاستقرار السياسي كضمانة لعودة الاقتصاد الوطني الى الانتعاشة. *هذا يعني ان الوضعية الاقتصادية قد تؤثر سلبا على السياسة المالية لبلادنا؟ -الوضعية الاقتصادية تنعكس سلبا على الوضعية المالية والتى اعتبرها صعبة وتحتاج الى مراجعة على جميع الواجهات خاصة في ظل نقص السيولة في السوق المالية باعتبار ان مؤسسات القرض غير قادرة اليوم على تحقيق التوازنات اللازمة وتلبية الطلبات والتى هي غير موجودة بصفة عامة في ظل غياب الاستثمارات وارتفاع نسبة التضخم مما استدعى تدخل البنك المركزي في اكثر من مناسبة وضخّ السيولة المالية اللازمة واتخاذ جملة من الاجراءات مؤخرا كالحد من قروض الاستهلاك. كذلك هناك نقص في المعاملات والتصدير مع الخارج مع ارتفاع الاسعار في التوريد مما اثر بصفة سلبية على المدخرات من العملة الصعبة والتى بلغت الى 94 يوما بعد ان كانت في حدود 113 يوما في اواخر 2011. 10 آلاف مليار ديون مصنفة *كيف اثر هذا الوضع وهل له انعكاسات وتأثيرات سلبية؟ -مؤكد والعوامل التى ذكرتها سلفا اثرت بصفة مباشرة على انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة بارتفاع نسبة التضخم ونقص المعاملات المالية، ولدينا ارتفاع كبير في نسبة الديون المصنفة المشكوك في استيفائها التى تقارب 10 الاف مليار وتمثل 19 بالمائة من القروض وهو رقم مخيف ومهول في نفس الوقت باعتبار ان 10 الاف مليار تؤثر بصفة مباشرة على وضعية البنوك ولها انعكاس فيما يخص الترقيم السيادي للبنوك التونسية. وحسب التقرير الاخير للصندوق الدولي لتقييم استقرار النظام المالي في تونس فإن 50 بالمائة لديهم ضمانات لكن الاشكال يبقى ان هذه الضمانات لها اكثر من 5 سنوات والتى يصعب تحقيقها واستيفاؤها بشكل عام. اضافة الى ذلك يجب ان لا ننسى النسبة الكبيرة من الشركات المنتفعة بقانون عدد 34 لسنة 95 المتعلق بالمؤسسات التى تمر بصعوبات مالية وبالتالي فإن القروض التي أسندتها البنوك بدون ضمانات والمشكوك في استخلاصها وإستعادتها ساهمت إلى حدّ كبير في الوضع الصعب الذي تعيشه المؤسسات المالية. الشريك المتميز *ارتقاء تونس الى مرتبة الشريك المتميز لدى الاتحاد الاوروبي، هل تراه خطوة مهمة قد تساهم في إنتعاشة الإقتصاد الوطني؟ -الانعكاس السلبي والايجابي من هذه الخطوة تحددها طريقة التعامل الحكومي مع الطرف الاوروبي وشروط الاتفاق وإرادة الطرف الحكومي في هذا الاطار وبالتالي من الضروري حسن استغلال وضعية الشريك المتميز لدفع النشاط الإقتصادي باستقطاب الاستثمارات وتحسين المردودية والجودة في الخدمات في كل القطاعات مما يمكن باكتساح الاسواق الاوروبية الجديدة والانفتاح على الاسواق الامريكية والآسيوية. هذا مع ضرورة الاخذ بعين الاعتبار للازمة المالية والاقتصادية لمنطقة الاورو، وله كذلك مصالح في هذا الاتفاق وذلك عبر تحسين المردودية بأقل تكلفة والمصالح بين الطرفين متشابكة في ظل اختلافها. ومن المهم تحسين الوضعية الحالية للشركات التونسية باعتبار المنظومة التنافسية للشركات الاجنبية فضلا عن مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في العديد من القطاعات بما يجعل المنتجات والخدمات أكثر تنافسية وقادرة على النفاذ إلى أسواق أوروبية. مشروع قانون المالية * مشروع قانون المالية 2013 تضمن العديد من الاجراءات الجبائية لدعم القدرة التنافسية للمؤسسة والاستثمار المحافظة على التوازنات المالية، فما تعليقكم على ذلك؟ -شخصيا اعتبر ان القرارت والاجراءات التى تضمنها مشروع قانون المالية 2013 شابها الكثير من الارتجال والغموض ومن غير المعقول اننا في اخر نوفمبر وليس لدينا مشروع قانون مالية واضح، وكان من المفروض مناقشته منذ الشهر الفارط ومن الضروري تقييم ما انجز في 2012 حتى تكون التوقعات او التقديرات موضوعية فمثلا ماذا تحقق ماليا عبر التفويت في الشركات المصادرة خاصة ان التقديرات في ميزانية 2012 كشفت ان القيمة الاجمالية من عمليات التفويت المنتظرة في حدود 1200 مليار. وعلى المستوى الجبائي لابد من اعادة النظر في منظومة دفع الاستثمار والتسريع باصدار مجلة الاستثمارات والتسريع لا يعني بالضرورة التسرع وبالتالي من الاجدر تقييم مجلة الاستثمارت القديمة مع تقديم تصورات ومقترحات جديدة تساهم في دفع الاستثمار واستقطاب الاستثمارت. ثم وحسب اعتقادي، النظام التقديري على الضريبة يحتاج الى اعادة النظر ومراجعته باعتبار ان «les forfaitaires» يمثلون اكثر من 365 الف فاعل اقتصادي ومع وجود هذا النظام لا تتحقق العدالة الجبائية، ويحرم الدولة من موارد إضافية هامة وكذلك مراجعة جدول احتساب الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين خاصة وان فئة الموظفين هم من يتحملون العبء الجبائي في القطاعين العام والخاص. كما ان الحد من التهرب الضريبي يقتضي التخفيض من الضغط الضريبي ولابد ان تتم مراجعة النصوص والاجراءات لتتلاءم مع الواقع الاقتصادي والمالي بصفة عامة، فمراجعة نسبة الآداء على ضريبة الشركات من شأنها أن تمكن من تعزيز الوضعيات المالية للشركات وتحسين المردودية. المؤسسات المصادرة *على ذكر المؤسسات والشركات المصادرة هل ارتكزت -حسب رايك- عملية التقييم على طرق علمية؟ - بعد الثورة تمت مصادرة املاك وشركات عائلة واصهار الرئيس المخلوع وتم اللجوء الى التصرف القضائي والخبراء المحاسبين قاموا بواجبهم واضطلعوا بالمسؤولية على مستوى استمرارية نشاط الشركات والمؤسسات المصادرة كأحسن ما يكون رغم المضايقات والتهديدات بالقتل في بعض الاحيان. وقد اقترحنا ان يتم تشكيل لجنة متكونة من عدة اطراف بمن فيها الخبراء المحاسبون والمتصرفون القضائيون لتحديد مآل الشركات المصادرة بصفة علمية لكن ذلك لم يقع وتفاجأنا ببعض القرارات في هذا الاطار فمثلا قرار تقييم القيمة الاجمالية..لا ندري كيف تم احتسابه.؟ الشركات المصادرة هي على ملك الشعب وبالتالي فالدولة وهياكلها الرقابية مطالبة أمام العموم بان تكون عمليات التقييم والتفويت في كنف الشفافية والوضوح ومعلن عنها وهذا ما لم يقع بالنسبة للشركات الكبرى وهو ما يدعو الى طرح العديد من التساؤلات... * وفي الأخير - لابد من الاسراع بالمصادقة والعمل بمنظومة العدالة الانتقالية وليس من المعقول ان يتم تعطيل رجال الاعمال في اطار بعث المشاريع الاستثمارية والتنموية ومن الضروري اليوم ان يتم توضيح كل الامور وبآليات قانونية واضحة تضمن العدالة الانتقالية وتساهم في اعادة الثقة للمستثمر التونسي والاجنبي وكل مخطئ يتحمل مسؤولياته ومحاسبته في اطار قانوني.