انطلقت رسميا عمليات التفويت في مساهمة الدولة غير المباشرة في 25 بالمائة من شركة «تونيزيانا» و60 بالمائة من شركة «النقل» للسيارات في بورصة الأوراق المالية . وقررت اللجنة الوطنية للتصرف في الأموال والممتلكات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة أن يكون التفويت الخاص بشركة «تونيزيانا» عبر طلب عروض دولي أو تقديم عروض مشتركة بين جملة من المستثمرين وأن يكون المقتنون شركات ومجمعات أو مؤسسات مالية أو مؤسسات التوظيف الجماعي وشركات الاستثمار أو صناديق استثمارية وصناديق سيادية. وتتوقع الحكومة الحالية جمع موارد مالية بقيمة 1.2 مليار دينار من العائدات المتأتية من التفويت في عدد من الشركات والأسهم والعقارات المصادرة استجابة للمطالب الاجتماعية المتزايدة. ويقدّر خبراء القيمة الجملية لهذه الممتلكات بحوالي 5 مليار دينار. ورغم تأكيد مسؤولين أن التفويت في بعض الشركات والعقارات والقصور المصادرة «سيوفر بعض السيولة اللازمة لتغطية جزء من نفقات الدولة، وستدر عائدات من شأنها أن تعزز الموازنة التكميلية للدولة خاصة أن هناك شركات تمرّ بصعوبات ويجب التفويت فيها لضخ دماء جديدة حتى تنتعش ويرى خبراء أنه كان بالإمكان استثناء بعض الشركات والإبقاء على بعضها، خاصة تلك التي تشهد استقرارا ونموا في إيراداتها، وذلك حرصا على المحافظة على تقوية النسيج الاقتصادي للبلاد. ويرى هؤلاء أنه كان من الأفضل للحكومة أن تلجأ أكثر للاقتراض الخارجي لضمان التمويلات اللازمة والاستجابة للمرحلة الاستثنائية عوضا عن اللجوء إلى عملية التفويت، معللين موقفهم بأن الحكومة قد لا تجد من يرغب في شراء هذه الممتلكات وقد لا تجد كذلك أسعارا معقولة لبيعها، وهذا سيجعلها إما أن ترفض البيع أو ستضطر للبيع بأسعار غير مناسبة. ويتخوف مراقبون من أن تتم عملية التفويت بطرق لا تستجيب للإجراءات القانونية خاصة أن الحكومة لم تترك لنفسها متسعا من الوقت لبيع الشركات المصادرة بأسعار تعكس قيمتها الحقيقية في السوق». «التونسية» حاولت معرفة آراء خبراء في الاقتصاد حول عملية التفويت وتوقيتها ومدى نجاعتها. أكد الخبير بوجمعة الرميلي الخبير الاقتصادي على ضرورة توضيح الشأن المالي لهذه المؤسسات التي تم التفويت فيها حتى يكون الملف واضحا للجميع وذكر الرميلي أنّ أهمّ إشكال مطروح بالنسبة لهذه المؤسسات هو أنّ الدولة وضعت يدها على المؤسسات والحال أن مالكي هذه المؤسسات مديونين لدى البنوك، مشيرا إلى أن توضيح الشأن المالي العام هام حتى يكون الجميع على بيّنة من جميع حيثيات هذا الملف، أما بخصوص الإشكالات القانونية فقال إنها عموما واضحة، ومن حق الدولة أن تبيع أسهم هذه الشركات التي افتكتها من أشخاص ثبت تورّطهم في قضايا فساد، مشيرا إلى أنّ الإشكال يكمن فقط عند عملية البيع حيث أنّنا سنجد الأسهم مرهونة لدى البنوك. كما أن الشاري سيجد نفسه أمام إشكالات وبالتالي فإنه سيطلب إيضاحات من الدولة. وعموما فإنّ عملية التفويت في المؤسسات العمومية أو الخاصة تعد عملية معقدة سيما وأنها معمول بها في جميع دول العالم. وذكر بوجمعة الرميلي أنّ الهدف من عملية التفويت تعود إلى حاجة الدولة إلى موارد جديدة، مشيرا إلى أنّ عملية التفويت لا تتم إلاّ بعد أن تقوم الدولة بتسديد القروض التي تم من خلالها تمويل المشروع. الدولة ترتكب خطأ أكد بلال ضيف الله (خبير اقتصادي) أنّ قرار التفويت في بعض المؤسسات من شأنه أن يطرح العديد من الإشكالات القانونية مشيرا إلى أنّ أوّل إشكال يخص الإجراءات القانونية التي لم تستكمل بعد (استنافا وتعقيبا). أمّا الإشكال الثاني فيتعلق بعملية تقييم قيمة الشركة حيث أنها تمت بسرعة كبرى في حين أنها تستغرق عادة بين (6 و8 أشهر). وأفاد بلال ضيف الله أن عملية تحديد القيمة صعب جدّا خاصة أمام حجم المؤسسات التي تم التفويت فيها. وذكر بلال مثال شركة النقل عندما تم التفويت فيها إلى صخر الماطري سنة 2007 بقيمة 21 مليارا في حين أن قيمتها الحقيقية تساوي 800 مليار وقال «إنّ الدولة بهذا التمشّي ترتكب نفس الخطأ». أما بخصوص شفافية عملية التفويت، قال بلال إنها لم تتم في كنف الشفافية اللازمة إذ لا وجود لشفافية ووضوح في عملية البيع خاصة بالنسبة لرؤوس الأموال إن كانت أجنبية. وأضاف الخبير الاقتصادي أنّ الدولة مطالبة بتحديد سعر أدنى لعملية البيع أي تحديد السعر المقترح عند تنزيل طلب العروض وأكد بلال أنه عادة ما يتم إمضاء اتفاقية بين المشتري والدولة في عدم تسريح الكوادر والعملة لمدة زمنية معينة. وتساءل المتحدث: هل قامت الدولة بهذا الإجراء أم لا؟ وهل سيتم التنصيص لحقوق العملة؟ ولماذا تم التسرّع في عملية البيع والتفويت؟ وأشار بلال إلى أن الدولة في حاجة إلى أموال خاصة في ظل العجز الاقتصادي وأمام ما تدره هذه المؤسسات (تونيزيانا والنقل) من أموال طائلة وقع التفويت فيها مؤكدا أنه كان من الأجدر إعداد دراسات معمقة قبل عملية التفويت وكان من الأحسن كذلك أن تحافظ الدولة على هذه المؤسسات بدل التفويت فيها لمردوديتها المالية الكبرى. وأكد الخبير الاقتصادي ضيف الله أنه في ظل الوضعية الاقتصادية العالمية الراهنة (الشح في السيولة على المستوى العالمي) من الصعب إيجاد أسعار مناسبة لبيع هذه المؤسسات خاصة وأنها ذات قيمة مالية هامة. قرار غير صائب من جهة أخرى، أكد الخبير الاقتصادي فتحي الجربي أن عملية التفويت لا يجب أن تكون في هذه الظروف حيث أن القرارات الكبرى التي تتعلق بالشأن العام للبلاد لا يجب أن تؤخذ بهذه السرعة وبهذا الشكل. وأشار إلى أنّ الخصخصة والتفويت يجب أن يقع حولها نقاش كبير سواء على مستوى البرلمان أو الخبراء. وكان من المفروض تأجيل هذا القرار وليس التعجيل به. وأفاد الجربي أن عملية التفويت لا يجب أن تشمل كل المؤسسات بل جزءا صغيرا (٪30) وليس ٪100 واقترح الجربي ضرورة حسن التصرّف سيما أمام الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمرّ به البلاد، واعتبر أن قرار التفويت غير صائب. وحول شفافية عملية التفويت أكّد الجربي أن الفساد استفحل جميع القطاعات وكافة دواليب الدولة.