"قد يكون زميلا أوصديقا أو قريبا أو بعيدا.. لا تهم الهوية ولا تهم الأسماء وصلة القرابة..المهم أن نتفهم معاناتهم أن نقدر درجة الألم الصامت الذي يسكنهم ويكاد يفجر ما بداخلهم من وجع ومن صرخة يكبتها صد الآخر وثقافة الأنا التي ترفض التعامل مع المصاب بالسيدا كضحية لسلوكه أو لممارسات غيره وتسعى من خلال عزله وتهميشه إلى تجريم مرضه لمجرد أنه أتى فعلا أو تعاطى سلوكا يبغضه المجتمع، فتكون المؤاخذة بالذنب قبل الاحتضان والإتهام بالخطيئة قبل المرافقة في محنتهم". هذه الصورة السوداوية شدد أمس ثلة من الخبراء والمهتمين بالشأن الصحي محليا ودوليا والمتابعين لموضوع "السيدا" على وجوب العمل والتحرك الجماعي في إطار مقاربة شاملة لدحضها واستئصالها. ورفع شعار "لا للإقصاء ولا للصمت" على اعتبار أن المصاب يستطيع التعايش مع المرض في صحة جيدة والإندماج الإجتماعي في محيطه بعيدا عن أي مخاطر عدوى إذا ما توفر لعموم المواطنين حد أدنى من الثقافة الصحية حول المرض وطرق العدوى . والعمل على مقاومة أسباب الإصابة بالفيروس من إدمان المخدرات عبر الحقن والعلاقات الجنسية المحفوفة بالمخاطر وغيرها. وتم التركيز في اللقاء الصحفي الذي احتضنه مقر وزارة الصحة إلى جانب معرض حول مكافحة السيدا وذلك في إشارة لانطلاق حملات التحسيس بهذا المرض وتكثيف الجهود لمكافحته، على لغة الأرقام وعدد الإصابات على أهميتها كما تم تطارح عديد البرامج والخطط الأممية والوطنية المعتمد في مقاومة الإصابات وتشخيص مكامن النجاح كما الإخفاق عبر تحديد العراقيل والصعوبات لتجاوز الواقع إلى الممكن ومنه إلى كسب الرهان الأكبر وهو بلوغ صفر إصابة جديدة ، وصفر عدوى، وصفر وفاة. غير أن غياب بعض المتعايشين مع الفيروس للاستماع إلى رواياتهم النابعة من رحم الألم حول معاناتهم الإنسانية وقصتهم مع المرض ومع نظرة المجتمع لهم والتعرف إلى عينات من صمود جانب من المصابين ومقاومتهم لحاجز الرفض والخوف والصد الذي يستوطن هاجس الطرف المقابل لهم شكل الحلقة المفقودة في اللقاء. استقرار المؤشرات لا يعني السيطرة في استقراء للغة الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالمرض منذ 1986إلى شهر نوفمبر الحالي ببلوغ مجموع 1777حالة معلنة بمعدل 76حالة جديدة سنوية. ومن مجموع الحالات تم تسجيل 549وفاة ما يحصر عدد المتعايشين الفعليين مع فيروس نقص المناعة المكتسب في حدود1228 فردا. وبحكم انفتاح حدودنا على مختلف البلدان والجنسيات فقد تم اكتشاف 169حالة إصابة في صفوف الأجانب سنة 2012. وتمثل العلاقات الجنسية غير المحمية السبب الرئيسي في حدوث العدوى بنسبة تفوق47بالمائة . ويستأثر الشباب بالنسبة الأوفر من الإصابات (ثلث الحالات المسجلة). ولئن تعكس المؤشرات الرقمية استقرارا في عدد الإصابات فإنها لا تؤشر مطلقا على السيطرة على الفيروس ذلك أن الحضور من المختصين في الندوة أعلنوا صراحة أن الحصيلة المقدمة تتعلق بالحالات المصرح بها والتي تم رصدها بعد إجراء التحاليل ولا تعكس الحالة العامة وبالتالي هناك من يحمل الفيروس ولا يعلم بذلك لأن ثقافة التقصي والكشف الطوعي عن الأمراض لا سيما الخبيثة منها مازالت تعوز التونسي رغم أهمية هذا السلوك أو العقلية في التوقي من عديد الإصابات. ورغم تركيز خطة وطنية لدعم التقصي الطوعي والتي أثمرت ارساء مراكز مجانية للكشف اللاإسمي ب14ولاية تهدف أساسا إلى استقطاب الفئات الأكثر عرضة لخطر العدوى وإجراء الكشف بصفة فردية وتوفير العلاج المبكر في كنف السرية التامة، إلا أن العدد الجملي للكشوف المنجزة لم تتجاوز80ألفا منذ 2009. وتبقى جهود التحسيس والتوعية متأكدة لدعم الجانب الوقائي وهي مسؤولية مشتركة يتحمل فيها النسيج الجمعياتي قسطا كبيرا. مع ضرورة توفير الإمكانات المادية التي تشكل عائقا في طريق تطوير الإحاطة بالمرضى ودفع البحوث وتحسين نسبة التغطية عند التكفل العلاجي. وبمقاومة عقلية الإقصاء والتهميش نكون قطعنا أشواطا على درب السيطرة على عدوى الإصابة. نأمل ألا يطول ذلك كثيرا .