بقلم: مبروك المنّاعي- أُغلق موسم الصيد البرّي القانوني لهذه السنة يوم الأحد قبل الماضي (25 نوفمبر 2012). وكان، بشهادة جميع الصيادين المرخّص لهم في الصيد، موسما هزيلا مؤذنا بأن الثروة الحيوانية البريّة قد بادت أو كادت تباد.... ولم تأت إلى البلد هذه السنة حتى الطيورالمهاجرة... حتى الترد والزرزور والبيبط والدرّيج... لكثرة الفزّاعات... دعك من المستثمرين والسيّاح.... وما أن أُغلق موسم صيد الحيوان حتى فتح موسم آخر لصيد الإنسان، وكان هذا الصيد بشهادة الجميع عشوائيا ضارّا مبيدا، لا يشترك مع الآخرإلاّ في نوع الذخيرة: «الرّش»، (و»الرّش» المستعمل كان من الحجم الكبير: رقم 6 و 7 الذي يستخدم عادة لصيد الغرانيق وبني آوى...) كما كان صيدا فضيعا بشعا لأنّ ضحاياه بشر، جلّهم من الشباب ... (وهل بلاد بلا شباب ؟) في ذروة الأمل لهم من حول أنفسهم، ولأهاليهم وللشعب التونسي من حولهم، برنامج خيال واسع جدّا ومليء بالتفاصيل ... وإنّ الذي يحرّك اليد للكتابة المستنكرة لهذا الفعل، كما يحرّك العقل والقلب قبل ذلك، ليس الانتماء ولا الجهوية، لأنّ الذي اكتسبه التونسيون منذ الاستقلال قد أنساهم أو كاد ينسيهم أصولهم الجهوية وروابطهم الدموية، ولأنّ ما وقع لسليانة قد وقع بصور أخرى لجهات أخرى، وقد يقع غدا لأي جهة من جهات الوطن: فكلّ البلاد سليانة، وهذا أمر برهن عليه التونسيون بتضامنهم في كل مكان في الجمهورية مع ما وقع لها ولأبنائها. وإنّ غايتنا من هذه الكلمة ليست التنديد بقدرما هي التنبيه : التنبيه إلى اعتبارات ومواقف وتصريحات ليست في مصلحة بلادنا ولا هي من مصلحة شعبنا في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخه. من هذه الاعتبارات: 1- أنّ الذي يليق بكل سيّد وبكلّ حاكم رفيع المستوى ليس العنجهية والتعالي والكبر والعناد بل التعقل والرصانة والحِلم والأناة، مهما ضاقت النفس واشتدّت الأزمات. وقد قال الأوّل : الرأي قبل شجاعة الشجعان **هو أوّلٌ وهي المحلّ الثاني 2- أنّ الحِجاج الهادف إلى الإقناع له قواعد ووسائل كي تتحقق نتائجها يجب أن تسلم مقدماتها من كل تهافت وإلاّ استفحلت الأزمة من حيث أريد لها الحلّ: فبناء القبول بالقمع على مبادرة الأهالي بالعنف، وتبريرالعقاب الجماعي بالدفاع عن المقرّات والمؤسسات لا يكفي لإقناع من كانوا على عين المكان وشاهدوا بأنفسهم أسلوبا في الاحتجاج من أرقى ما يكون وأبعده عن الطيش والتهوّر، اللهمّ إلاّ ما يخالط العواصف طبعا من قذى وسفساف لا اعتداد به ولا قيمة له. 3- أنّ السبب الحقيقي للتبريرات المتهافتة يأتي من رعونة بعض المسؤولين الهواة الذين لم يدركوا شغل السياسة بعد ولم ينضجوا النضج الكافي لتحمّل المسؤوليات: وينطبق هذا على تصريحات لا تقنع أحدا من قبيل أنّ الناس يريدون التنمية الجهوية دفعة واحدة وبعصا سحرية، ومن قبيل تفسير فقر الجهات الداخلية بأسباب تاريخية يزايد المزايدون في قدمها فيعودون بها إلى ستين سنة خلت، بل إلى عصورالبايات، وقد يعاد بها غدا من يدري؟ إلى العصورالبونيقية... مقابل التغاضي عن الجسورالتي تداعت منذ أشهر فقط ولم تصلح وعن حق الجهة في الحدّ الأدنى من فرص الشغل... أوكلام من قبيل «الحجر المستورد» من أماكن أخرى، في جهة غنية جدّا بالحجر تستمدّ صبرها من صبره... أومن قبيل المفاضلة بين «الرش» والأسلحة الأخطر وتفضيل «الرّش»، أوالمفاضلة بين العور والعمى وتفضيل العور!.... إلخ، ممّا هو من المضحكات المبكيات. 4- أنّ تبديل وال أيسر وأقلّ كلفة بكثير من تبديل ولاية، ونقله من مكانه أسهل بكثير من نقلها من مكانها، وأنّه من الأفضل أن تتمسّك الجهات بالولاّة، لا الولاّة بالجهات، وأنّ الذي يجعل المواطنين يتشبّثون بالمسؤولين ويطيعونهم راغبين ويأسفون لانتهاء مهامّهم وينظمون لهم حفلات التكريم والتوديع... هو كفاءة هؤلاء ورفقهم بالناس وتأليفهم القلوب، وليس التصلّب والتجبّر والاستبداد. والمسؤول الراشد هو الذي يراعي الله في رعيته ويضع دائما نصب عينيه قول الحكيم: «لو دامت لغيرك لما آلت إليك"....