اجماع مختلف دول العالم على الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان والتنافس على تنظيم التظاهرات الثقافية و الفنية القانونية وغيرها لاحياء هذا الموعد لا يمكن أن يحجب ما يشوب واقع حقوق الانسان في العالم من انتهاكات و تجاوزات سواء كانت ممنهجة أو عرضية تتفاوت في نتائجها وتداعياتها على واقع الحريات عموما ,وهو بالتأكيد واقع لم تكن الحكومات والانظمة الدكتاتورية التي لفظتها الشعوب في ثورتها على الظلم والاستبداد تتوانى عن المشاركة في احيائه بدورها وتسويقه واستغلاله بخطابات زائفة ومهرجانات مثيرة للسخرية في كثير من الاحيان .وليس من المبالغة في شيئ الاقرار بأن هدفها من ذلك كان تلميع صورتها لدى حلفائها في الخارج و ذلك رغم كل ما كانت تمارسه في السرأوالعلن من مظاهرالتشويه والتجني على الحقوق والحريات التي طالما جندت الابواق الدعائية لتجميلها والترويج لها لدى الرأي العام الدولي ....على أن ما يمكن أن يدعو للتأمل عشية هذه الذكرى هو أن واقع الحريات و حقوق الانسان لا يزال أبعد ما يكون عن القطع مع كل أشكال القهر و الظلم المنبوذة كما أن سياسة المكيالين في تعامل المجتمع الدولي مع ملف الحريات لا سيما بين الشعوب المستضعفة لم يكسر بعد مع لغة التمييز والتجاهل الى درجة التوطؤ عندما يتعلق الامر بجرائم الاحتلال الاسرائيلي اليومية وهو أحر انواع الاحتلال المتبقية اليوم ونظام العقاب الجماعي و التهجيرالقسري الذي يمارسه في حق مختلف فئات الشعب الفلسطيني . ولان حقوق الانسان مسألة لا تقبل التجزئة ولايمكن أن تخضع للمساومات أو المزايدات فقد بات لزاما على الدول التي بدأت تشق طريقها حديثا على طريق الديموقراطية الناشئة الا تقع في الفخ و أن تتجنب كل ما يمكن أن يجعلها عرضة للشكوك و الاتهامات و ألا تقبل باي حال من الاحوال بتراجع ملف الحريات و حقوق الانسان و أن تجعل من حرية الرأي و التعبير واستقلالية الاعلام و النقابات و المجتمع المدني لا حصنا لها من التراجع الى الدكتاتورية فحسب و لكن داعما لها في مسار البناء الديموقراطي والقبول بالراي الآخرمهما كان, و هو ما يعني أن تكون الحريات ثقافة سائدة ومبدءا أساسيا في التعامل أكثرمن كونها هيئة أو وزارة بكل ما يمكن ان تحمله تلك الثقافة في طياتها من معاني الحرية والكرامة و انسانية الانسان .نقول هذا الكلام و في البال أكثر من حدث وأكثر من سبب من شأنه ان يدعو للانشغال والخوف بشان مستقبل الحريات و حقوق الانسان في تونس بعد الثورة و لعل في أحداث سليانة و لجوء السلطات المعنية الى مواجهة المطالب الاجتماعية للاهالي بالرّش و الغاز المسيل للدموع ما قد لا يكون المثال الوحيد الذي يدعو الى الحيرة في هذا الشأن، بل ان في ما حدث في ساحة محمد على واستهداف النقابيين وما حدث قبل ذلك من انتهاكات في الجامعات و محاولات للهيمنة على المؤسسات الاعلامية وما يحدث من فرض و الزام لرابطات حماية الثورة و ما تثيره من مخاوف لدى العامة و تساؤلات بشأن امكانية تحولها الى ما يشبه الباسيج في ايران و ما يسجل من مساع للاتفاف على هيئة الاعلام السمعي البصري , كل ذلك الى جانب بقاء مختلف التحقيقات التي أعلنت في أحدث 9 افريل و في أحداث العبدلية والافريكا و غيرها لا يمكن ان تكون سببا للارتياح او الاطمئنان في هذا المجال ...