المتهم في قضية الحال هو جون كلود ويليام (jean claude willem) العمدة السابق في سيكلين الواقعة شمال فرنسا والتهمة الموجهة له تتلخص "في التحريض على العنف والكراهية ضد بلد اجنبي".. اما المحكمة المعنية بقضية الحال فهي المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان بما يمنح قضية الحال اكثر من بعد سياسي وقانوني واخلاقي بعد ادانة المحكمة للعمدة السابق ومطالبته بتسديد غرامة مالية بالفي أورو وهو الذي تجرأ على فضح اسرائيل ومطالبته علنا بمقاطعة البضائع الاسرائيلية في المطاعم المدرسية احتجاجا على سياسة رئيس الوزراء انذاك البلدوزر الاسرائيلي ارييل شارون سفاح صبرا وشاتيلا وجرائمه المتكررة ضد الفلسطينيين في غزة وجنين، الامر الذي دفعه للمثول امام القضاء الفرنسي لمواجهة تهمة معاداة السامية بعد ملاحقة جمعية الثقافة اليهودية في فرنسا. ولعل المثير في قضية العمدة الفرنسي ان محاكمة فرنسية اولى اقرت في مارس 2003 بعدم سماع الدعوى وغياب اسباب الاتهام الا انه وفي غضون اسبوعين كان القضاء الفرنسي وبطلب من وزير العدل دومينيك بربين يعيد النظر في القضية ويطالب العمدة الفرنسي بتسديد غرامة مالية بتهمة اعاقة نشاط تجاري وهو طبعا الامر الذي لم يكن ليحدث بدون تحرك تلك الايادي الخفية وشبكات اللوبي اليهودي في فرنسا والمعروفة بانحيازها المطلق للسياسة الاسرائيلية التي لم تشأ ان تمر مواقف العمدة الفرنسي دون عقاب ولا ان تفوت الفرصة دون ان تجعل منها درسا لمن يمكن ان تحدثه نفسه بالتعرض بالانتقاد لممارسات الاحتلال الاسرائيلي العنصري. وقد كان بالامكان ان يتوقف الامر عند هذا الحد لو ان العمدة الفرنسي سلم بالامر الواقع ورضخ للضغوطات ولمحاولات الابتزاز والترهيب الفكري التي استهدفته ليقرراللجوء الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان معتقدا انها ستنصفه وتدعم موقفه قبل ان يكتشف ويكتشف معه الكثيرون داخل وخارج اوروبا حساباته الخاطئة عندما اقرت المحكمة الاوربية قبل ايام بدورها ادانته وتغريمه بسبب ارائه في اعقاب معركة قضائية طويلة استمرت اكثر من ثلاث سنوات بما يكشف مجددا ان اسكات الراي المخالف ليس حكرا على دول العالم الثالث وان فن التعتيم وتقييد الفكر الحر يمكن ان يجد له في القارة العجوز اكثر من موقع ومن مؤيد طالما ظل شعار معاداة السامية سلاحا مسلطا على الرقاب يستهدف كل من اقدم على كشف ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وفضحه امام العالم وهو سلاح لم تتوان مختلف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ومنذ نشاة اسرائيل من رحم الاممالمتحدة من التلويح به باعتماد عقدة الذنب الاوروبية لا للاستحواذ على مختلف انواع التعويضات من الحكومات الاوروبية فحسب ولكن ايضا وهذا الاهم للفوز بصك البراءة وخلاص الذمة الى اجل غير مسمى ازاء مختلف الانتهاكات والفظاعات الاسرائيلية التي ترتكب تحت انظار واسماع العالم المتواطئ بصمته وعجزه ولامبالاته في تعقيد المشهد الفلسطيني وتاجيل كل الحلول المحتملة للخروج من عنق الزجاجة. انتقاد الممارسات الاسرائيلية امرمكلف جدا وتداعياته قد تتجاوز كل التوقعات والاحتمالات في اغلب العواصم الاوروبية التي تجعل من حرية الفكر والتعبير شرطا من الشروط المقدسة التي اقرتها دساتيرها ودافع عنها حكماؤها وفلاسفتها ومفكروها طويلا واذا كان في الحملة التي تعرض لها المفكر الفرنسي روجيه غارودي على سبيل الذكر لا الحصر ومن بعده عمدة لندن السابق ليفينغستون بسبب مواقفه الرافضة للاحتلال الاسرائيلي ودعواته المتكررة لمقاطعة البضائع الاسرائيلية وما تعرض له عمدة ديسبورغ الالمانية هيرمان ديتريكس بدوره من اتهامات بمعاداة السامية في فترات متفاوتة فان في المحاكمة التي تعرض لها العمدة الفرنسي السابق ما يعيد الى السطح اكثر من ملف مؤجل بشان حدودو ابعاد حدود حرية الفكر والتعبير خاصة عندما يتعلق الامر باسرائيل واذا كانت فرنسا من الدول التي لا تقبل التشكيك في دعمها وحماستها منذ وقت مبكر في اقامة دولة اسرائيل وفي بناء ترسانتها النووية ومشروع ديمونا ومواقف ميتران لا تزال حاضرة في الاذهان بعد قراره الغاء قرار مقاطعة الشركات الاسرائيلية بعد انتخابه ولكن فرنسا تبقى في المقابل بلد اجمل ثورة فكرية وحضن اقدس المعارك الانسانية في مجابهة كل انواع الاضطهاد الفكري والجسدي ورفض الابتزاز والمتاجرة بالحقوق المشروعة للشعوب المضطهدة والشعوب الواقعت تحت قيود الاحتلال بما يعني بكل اسف ان المحاكمة الحقيقية للجرائم الاسرائيلية ستبقى مؤجلة في انتظاران تستعيد اوروبا قدرتها على التمييز بين الصواب والخطا وتصحح بالتالي مفاهيمها بين العدالة والظلم...