ينصّ الفصل 27 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية على أنّ كلّ حزب مطالب ب"تقديم تقرير سنوي يشمل وصفا مفصلا لمصادر تمويله ونفقاته إلى دائرة المحاسبات". وبعد مرور أكثر من سنة على انتخابات 23 أكتوبر، ارتأت "الصباح الأسبوعي" الاتصال بعبد اللطيف الحرّاث الناطق باسم دائرة المحاسبات وعبد الخالق بوجناح القاضي بالدائرة ليوضّحا لنا الدور الذي تلعبه دائرة المحاسبات تجاه الأحزاب السياسية، وإن كان لها دور رقابي أم أن مهمتها تنتهي بمجرد إيداع الملف لديها؟ علمت "الصباح الأسبوعي" أنّ معظم الأحزاب لم تقدّم تقريرها إلى دائرة المحاسبات منذ الانتخابات الماضية. وفي اتصال ل"الصباح الأسبوعي" مع محمد بالنور الناطق باسم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أفادنا أنّه ليست لديه أيّة فكرة حول تقديم حزبه التقرير المالي لدائرة المحاسبات مثلما ينصّ عليه القانون وأنه ليس على علم بميزانية الحزب باعتبار أن الأمور المالية من مصلحة أمين المال. وحرصا منا على الاتصال بأمين مال حزب التكتل، علمنا أنّها موجودة خارج أراضي البلاد وأفادنا بالنور أنه سيتباحث معها الموضوع بمجردّ عودتها مشيرا إلى المشاكل المادية التي يشكو منها حزب التكتل الذي فرض على مناضليه التبرع بجزء من راتبهم الشهري لفائدة الحزب. كما اتصلّت "الصباح الأسبوعي" بنجيب الغربي المكلف بالإعلام بمكتب حركة النهضة الذي أفادنا أنّ الحركة ستقدّم تقريرها المالي أواخر السنة الحالية أو بداية السنة المقبلة، قائلا: "حساباتنا دقيقة وسنعمل على تقديم التقرير المالي في الآجال القانونية". وعن ميزانية حركة النهضة، ذكر الغربي أنّها تقدّر ب 3.4 مليون دينار. عدم تصريح بالدور الرقابي لدائرة المحاسبات وفيما يتعلّق بالدور الرقابي لدائرة المحاسبات على الأحزاب السياسية، يرى الناطق باسم الدائرة أنّ هناك نوعا من الضبابية التي تشوب المرسوم عدد 87 باعتباره لم يحدّد أو يصرّح بالدور الرقابي لدائرة المحاسبات على الأحزاب السياسية، فهو يلزم الأحزاب بتقديم تقريرها المالي السنوي فقط لا غير، وهو ما رأى فيه الناطق باسم دائرة المحاسبات ضرورة للتوضيح مشيرا إلى وجود تأويلات تقول "بما أنّ الأحزاب السياسية مطالبة بإيداع تقريرها السنوي بدائرة المحاسبات فذلك يخوّل لها مراقبة تلك الحسابات". وتجدر الإشارة إلى أنّ قانون الأحزاب في عهد بن علي يخوّل لدائرة المحاسبات متابعة الحسابات المالية للأحزاب ومراقبتها والتأكدّ من مواردها. شبه بقانون التصريح على الشرف بالممتلكات القاضي بدائرة المحاسبات عبد الخالق بوجناح يرى أن هذا المرسوم وتحديدا الباب الثالث منه الذي يحدّد دور دائرة المحاسبات تجاه الأحزاب السياسية شبيه تماما بقانون التصريح على الشرف بالممتلكات الذي يفرض على المعنيين تقديم ملف شامل عن كامل ممتلكاتهم دون أن يكون لدائرة المحاسبات أية صلاحية رقابية، فوظيفتها تنتهي بمجردّ إيداع ملف الممتلكات، حتى وإن لم يقع تقديم هذا الملف، فليس من صلاحيات دائرة المحاسبات الاتصال بالأشخاص المعنيين ومطالبتهم بتقديم الملف. وحسب رأيه الشخصي، يرى القاضي بوجناح أنّ دائرة المحاسبات هي الطرف الأجدر بتولي الدور الرقابي على موارد الأحزاب السياسية مشيرا في هذا الصدد إلى التجربتين الأمريكية والفرنسية. ففي الولايات المتحدّة الأمريكية مثلا، أفادنا بوجناح أنّ الرقابة لا تتمّ عن طريق مؤسسة قضائية وإنما عن طريق لجنة مكونّة من الأحزاب تعمل بالتوازي مع هيكل إداري وبمجردّ وجود مخالفة، يقع إيداع الملف لدى القضاء. أما في فرنسا، فالأمر مختلف إذ تتولى هيئة مكونة من 9 قضاة يترأسهم قاض من دائرة المحاسبات يسهرون على معاينة المخالفات وضبط الأحكام المتعلقة بالتمويل ثمّ يأخذون القرار الناجع ثمّ يعرضون الحكم على قاض انتخابي ليحسم في الموضوع. هما تجربتان تعكسان مبدأ الديمقراطية الحقيقة وربما بتنا اليوم في حاجة ضرورية إلى تنظيم مسألة تمويل الأحزاب وتقديم صلاحية رقابية لدائرة المحاسبات خاصة في ظلّ تعددّ التحالفات الحزبية، ولم لا ننسج على منوال النموذج الأمريكي أو الفرنسي، فلا بدّ من الحسم في هذا الموضوع من مختلف التيارات السياسية وهياكل المجتمع المدني خاصة أنّنا على أبواب انتخابات والمال السياسي لعب دورا مهما في شراء الأصوات خلال الانتخابات الماضية،وهو ما انتبهت إليه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مؤخرا،وبما أنّ الحرّ لا يلدغ من جحره مرتين فلا بدّ من الحسم عاجلا في هذا الموضوع كي لا نقول فيما بعد "فات الأوان".