دعوة ملحة لتطويع العمل لاستيعاب المستجدات الحديثة ليبقى الراديو - هل يتمكن الراديو من المحافظة على مكانته بين وسائل الإعلام البديلة والاتصال الحديثة ام انها ستقضي عليه وتخرجه من حلبة الصراع على الوجود؟ هل أصبح مستقبل الراديو ملتبسا ويدفع نحو اليأس والإحباط؟ وهل يلقى حتفه كأول وسيلة اتصال في العالم ويختفي من المشهد الاتصالي؟ وهل ان كل هذه التساؤلات حول مستقبل الراديو هي مجرد مبالغات؟. تلك هي التساؤلات التي تمحورت حولها الندوة الدولية التي تناولت مستقبل الإذاعة "الإذاعة عام2020" والتي التأمت صباح أمس الثلاثاء بمقر اتحاد إذاعات الدول العربية على هامش الدورة الخامسة عشرة للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون وعرض خلالها خبراء ومختصون في الإعلام بحوثهم ودراساتهم ومخاوفهم. موضوع الندوة حسب ما صرح به السيد صلاح الدين معاوي مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية يكتسي طابعا استشرافيا وقد فرضه التطور المتسارع وازدهار عصر الرقمنة وكون الإذاعة معنية باندماج الوسائط وتحول وجهة المتلقي إلى شبكات التواصل الاجتماعي وكذلك سؤال: إلى أي مدى يمكن أن تصمد الإذاعة أمام تعلق الأجيال القادمة بصروف التلقي الجديدة؟ ولاحظ ان قدر الإعلاميين هو ان يلبوا متطلبات راهنهم على كثرتها إنتاجا وتمويلا وتشريعا وتخطيطا ومتابعة وممارسة وإشرافا وبتفاؤل قال:"ان الإذاعة استطاعت ان تتأقلم مع الأوضاع الجديدة وان تكون أكثر قربا من هموم المواطن." تقهقر مكانة الإذاعة بعد عصرها الذهبي مكانة الإذاعة في المشهد الاتصالي الجديد:عوامل الثبات ومؤشرات الانتقال من المحاور الهامة التي خصص لها الإعلامي المصري الأستاذ محمد مرعي مداخلة ركز فيها على تقهقر مكانة الإذاعة بعد عصرها الذهبي الذي بدأ منذ عشرينات القرن الماضي حيث كانت احد مصادر الثقافة وبث الوعي وخبا بريقها وشابها التقهقر مع ظهور التلفزة والأقمار الصناعية واقتحام تكنولوجيات اتصال الحديثة مثل الهواتف الذكية والفايسبوك والتويتر.. وقال:"صحيح ان جمهور الراديو يتناقص ولكن الإذاعة ولدت لتبقى وستبقى ولن تموت وذلك بالتفاف المهنيين المحترفين الذين لديهم عاطفة وتقدير لقيمة الراديو الذي يعاني حاليا من بعض الوهن الناتج عن اكتساح بعض المستحدثات والبدائل لفضائه ويكفي هنا ان نذكر بأنه عندما ظهر لم يقتل الصحافة المكتوبة تماما كما لم تقتله التلفزة ولكن السؤال المطروح هو هل أصبحت وسائل الاتصال الجديدة تهدد الراديو والجريدة والتلفزة في عيشها؟". وذكر الأستاذ محمد مرعي بقرار نيوزويك الانتقال من النشر الورقي إلى النشر الالكتروني وتحول التويتر والفايسبوك إلى سلاح استراتيجي تستند له الشعوب وقال ان عدد مستخدمي الفايس بوك وصل في نهاية جويلية 2012 الى 45,2 مليون مستخدم 70% منهم من سكان العالم العربي وتتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. كما وصل عدد مستخدمي الانترنيت في العالم العربي الى 39.10% وان عدد الفضائيات العربية المجانية وصل الى 642 وان المشفرة عددها 143 و75% منها خاصة. ولكن ورغم هذا فقد اعتبر المحاضر ان مستقبل الراديو سيكون زاهرا مع احتمال خروج الإعلام من هيمنة الحكومات وقد بدا هذا الأمر وشيكا بعد الثورات العربية وإطلاق حرية التعبير والفكر وتداول المعلومات ودعا إلى استنباط الوسائل وتطويع العمل لاستيعاب المستجدات الحديثة لتبقى الإذاعة. لا بد من فهم مغاير لدور الراديو في المجتمع في نفس الندوة تحدث الباحث في الإعلام الجديد الدكتور عباس مصطفى صادق من السودان عن انخراط الإذاعة في انساق الثورة الاتصالية ووسائل الإرسال والاستقبال المتاحة ولاحظ بعد ان قدم معلومات ضافية عن تطور وسائل الاتصال والثورة التي شهدها البث الإذاعي من الموجات التقليدية إلى البث الفضائي انه لا بد من فهم مغاير لدور الراديو في المجتمع والاستفادة قدر الإمكان من التطور التكنولوجي لان أثرها سيكون أكيدا على مستقبل الراديو. مداخلة الإذاعية البلغارية العاملة في"البي بي سي" وممثلة اتحاد جنوب شرقي آسيا ناتاليا ايليلفا عن "الإذاعة التي لا تذيع: التطورات التكنولوجية المرتقبة وانعكاساتها على مستقبل الإذاعة" كانت مستفزة للحضور حيث قالت انها سعيدة بزيارتها لتونس التي خلقت تسونامي في العالم وكانت الشرارة الأولى التي تبعتها تداعيات ساعدت على إيجاد تكنولوجيات جديدة ستخدم الديمقراطية وانطلقت في تحليلها لوضع الإعلام بعد الربيع العربي مما أسفرت عنه ثورتهم ضد الشيوعية سنة 1990 وصعوبة الانتقال الديمقراطي وتأثيره على كل مجالات الحياة. وقالت انه لا أمل للراديو إلا بإيجاد صيغة جديدة للتعامل مع مستمعيه والاستفادة مما تقترحه الانترنيت وعبرت عن تفاؤلها بمستقبله طالما أصبح يضبط علاقته بالمستمعين ويوفر خدمات ومواد جديدة وينطلق من الشارع ومن الاهتمامات القريبة من الحياة اليومية للمواطن والبعيدة عن السياسة. بحلول سنة 2020 ستندثر وسائل الإعلام التقليدية أما الإبقاء على اهتمام المواطن بالإذاعة فقد رأت المتحدثة انه ممكن بتطوير البرامج والمراوحة بين التقليدي والجديد المراعي لاختلاف وتعدد الأذواق لانه ليس هنالك جمهور واحد بل جمهور جديد يطالب بالأخبار النوعية والترفيه. وقالت:"ان التحديات التي يواجهها الراديو يمكن للمنظمات المختصة كاتحاد إذاعات الدول العربية والاتحاد الأوروبي للإذاعات وغيرها ان تساعده على كسبها وعلى مجابهة المستقبل والضغط الرقمي وتدفق المعلومات فبحلول سنة 2020 ستندثر وسائل الإعلام التقليدية وعلى الإذاعات ان تختار الجمهور الذي تتوجه له وتحدد طرق التناول." واستشهدت الخبيرة البلغارية ناتاليا ايليافا بطريقة تناول قناة الجزيرة القطرية لخبر إحراق محمد البوعزيزي لنفسه يوم17 ديسمبر2010 والتي أثرت كثيرا على مجريات الأحداث التي تعاقبت لأنه والكلام لها:"البوعزيزي لم يكن أول من حرق نفسه على الأقل في تونس وتناول الجزيرة للخبر هو الذي احدث الفارق وأدى إلى كل هذه الثورات العربية." حصة النقاش أكد اغلب المتخلين فيها التفاؤل بقدرة الراديو على الصمود رغم كل هذه المستحدثات والبدائل التكنولوجية والرقمية بالاقتراب من المواطن والوصول السهل إلى المعلومة وتداولها بعيدا عن هيمنة الحكومات. ولكن الإعلامي المغربي محمد البوكيلي رفض التسليم بان تكون الجزيرة وحدها سبب وصول الخبر إلى كل أصقاع العالم حيث سأل المحاضرة صاحبة الفكرة مستنكرا:"وأين كانت الإذاعات العربية والأجنبية وفي مقدمتها"البي بي سي" حسب رأيك؟".الإعلامي يوسف مصطفى من الكويت كذلك رفض استعمال ناتاليا لمصطلح الشرارة في حديثها عن الثورة التونسية واقترح استبداله بالشعلة. وفي ردها أكدت ناتاليا أنها تعلم ان السبب الحقيقي لعدد من أهم القضايا والأحداث عبر التاريخ ظل في مخابئ هيئة الإذاعة البريطانية خلال ثلاثة عقود وهي أمثلة يمكن ان تبرز ان الإذاعة يمكن ان توفر ضمانا لحقوق الإنسان.