بقلم: د.حفيظة شقير - بمناسبة عيد الجمهورية يوم 25 جويلية 2012،أعلن المعهد العربي لحقوق الإنسان عن اعتماد عهد تونس للحقوق والحريات بعد ما تم اعداده من قبل فريق من الخبيرات والخبراء الحقوقيين العاملين في مجال حقوق الإنسان, وبمساندة منظمات المجتمع المدني العريقة كالاتحاد العام التونسي للشغل والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ونقابة الصحافيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد تم اختيارهذه التسمية حتى يلتزم الجميع بمضمونه ويتعهدوا به ويعملوا على حماية الحقوق التي أقرها. يتضمن العهد توطئة وتسعة فصول مترابطة ببعضها البعض تضع التوطئة العهد في سياقه التاريخي والسياسي والاجتماعي والحقوق. أما جوهر النص فهو يقوم على الترابط بين الاعتراف بالحقوق والضمانات الأساسية لحمايتها وللتمتع بها؛ علما أن الاعتراف بالحقوق رغم أهميته يبقى غير كاف ما لم توجد آليات دستورية وقضائية لحماية هذه الحقوق؛ لذا أقرت الفصول من 1 إلى 8 مجموعة حقوق الإنسان بينما خصص الفصل التاسع للضمانات التي يجب تكريسها في الدستور؛ واليوم نتساءل حول الغاية من العهد والمقاربة التي اعتمدها والمرجعية التي تبناها. 1 - العهد هو استحقاق من استحقاقات الثورة 2 - العهد هو نص يعتمد مرجعيات حقوق الإنسان 3 - العهد يقدم الضمانات الحمائية الأساسية 1 - العهد استحقاق من استحقاقات الثورة: عندما نطلع على تجارب الدول التي عرفت ثورة خاصة عندما تكون الثورة تريد القطع مع النظام الاستبدادي السائد والدكتاتورية نلاحظ أن أول نص يظهر إلى الوجود مباشرة بعد الثورة هو اعلان أو عهد او ميثاق لضمان الحقوق التي انطلقت من أجلها الثورة. وهذا ما نجده مثلا في فرنسا في القرن الثامن عشر؛ فأول نص ظهر قبل الدستور الفرنسي الأول هو إعلان حقوق الإنسان والمواطن المؤرخ في 26 آوت 1789 ولم يظهر الدستور الفرنسي الأول المكرس للملكية الدستورية إلا سنة 1791بعد سنتين من صدور الإعلان ومتبنيا الإعلان في توطئته وإلى يومنا هذا لايزال الإعلان من المرجعيات الدستورية الأساسية إذ نجده في توطئة دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946 وفي توطئة الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة لسنة1958. وتجربة اصدار الإعلانات الحقوقية ليست غريبة على بلادنا التونسية ففي القرن19 وتحديدا في سنة 1857 وقبل الدستور الأول للدولة الذي صدر سنة 1861، تم اعتماد عهد الآمان وهو عهد يتضمن مجموعة من الحقوق والحريات ومنها خاصة حرية التجارة والصناعة التي اعترف بها العهد للأجانب تحت ضغط القناصل الأوروبيين على الباي ومبدإ المساواة بين المسلم وغير المسلم وحرية المعتقد لكن هذا العهد عرف مصير الدستور إذ تم تعليقه مع تعليق الدستور بعد ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 وسنة 1949 قبل الاستقلال أعدت لجنة منبثقة عن الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري لائحة المبادىء العامة للدستور التونسي كتمهيد للدستور التونسي الذي أصدره المجلس القومي التأسيسي في غرة جوان 1959 لذلك وعندما نضع هذا العهد في سياقه التاريخي والسياسي يمكن أن نقر بأنه يمثل تواصلا مع الرصيد الدستوري والحقوقي التونسي منذ القرن 19 وهو مكسب من مكاسب الثورة. فلا غرابة إذن أن نعد هذا العهد للحقوق والحريات من أجل إقرار حقوق الإنسان في بلدنا والاستجابة إلى مطالب الشعب التونسي منذ أحداث الحوض المنجمي التي اندلعت سنة 2008 ووصولا إلى الأحداث الاحتجاجية التي اندلعت يوم 17 ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد وكذلك للقطع مع الدكتاتورية وحماية حقوق التونسيين والتونسيات. لذلك طالب النشطاء المتبنون للعهد والجمعيات المساندة له بإدراجه في الدستور حتى يكتسي صبغة دستورية ويتم اعتماده من بين مرجعيات الدستور وأكدوا على قيمته الأخلاقية والرمزية كمكسب من مكاسب الثورة مثلما كان الحال بالنسبة إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن في توطئة الدستور الفرنسي وخاصة دستور الجمهورية الربعة لسنة 1946 وبدسترة هذا العهد يكون المجلس الوطني التأسيسي قد ضمن المقاربة التي اعتمدها لتجاوز نقائص المقاربة المعتمدة إلى حد الآن في مسودة الدستور. 2 - المقاربة المعتمدة في العهد اعتمد العهد مقاربة حقوقية تتفق عليها المجموعة البشرية وتقوم على اعتبار حقوق الإنسان في عالميتها وفي ترابطها ببعضها البعض وعدم تجزئتها. وقد تبلورت هذه المقاربة خاصة في المؤتمرالعالمي لحقوق الإنسان المنعقد في "فيانا " في جوان 1993الذي أقر حقوق الإنسان في وحدتها وكونيتها وشموليتها وأضاف أن حقوق الإنسان للنساء هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ومنذ ذلك المؤتمرتم اعتماد هذه المقاربة في العديد من الدساتير ومنها الدستور التونسي لسنة 1959 الذي نقح سنة 2002 من اجل تمكين رئيس الدولة من ولايات غير محددة وعدم إخضاعه إلى أي محاكمة بمناسبة القيام بمهامه الرئيسية لكن في نفس الوقت تبنى الدستور في الفقرة الأولى من الفصل الخامس الجديد هذه المقاربة مقتضيا ما يلي:"تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها". وتقتضي هذه المقاربة الاعتراف بكافة حقوق الإنسان كما أقرتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي اتفاقيات دولية صادقت عليها الدولة التونسية وملزمة على المستوى الوطني وتجاه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد (1) على تعاقبها وتداولها على الحكم. كما تقوم هذه المقاربة على الاعتراف بكافة الحقوق لكل الناس وعدم تجزئتها وتجاهل البعض منها أو التفاضل بينها أو تقييد بعضها الآخر وهذا ما نجده مثلا في المادة 5 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تنص في الفقرة الثانية انه :"لا يمكن فرض أي قيد أو أي تضييق على أي حق من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كون اعترافه بها أضيق مدى". وفي هذا السياق ، تقتضي المادة 4 :"..انه ليس للدول الأطراف أن تخضع التمتع بالحقوق التي تضمنها طبقا لهذا العهد إلا للحدود المقررة في القانون وألا بمقدار توافق ذلك مع طبيعة هذه الحقوق وشريطة أن يكون هدفها الوحيد تعزيز الرفاء العام في مجتمع ديمقراطي". وللاعتراف بهذه الحقوق في كونيتها وشموليتها وترابطها وتكاملها لابد من تأسيسها على مبادىء انسانية مشتركة لأنها تمثل الأسس التي يرتكز عليها الاعتراف بهذه الحقوق والمصدر والشرط الأساسي لتدعيمها. من بين هذه المبادئ مبدأ الحرية والعدالة الاجتماعية وخاصة مبدأ الكرامة الإنسانية باعتباره مطلبا من مطالب الثورة إذ طالب الشارع التونسي بالحق في الكرامة. والكرامة تقوم على احترام إنسانية الإنسان وهي متأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية كما تقتضيه ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما أن الكرامة الإنسانية تؤسس كافة حقوق الإنسان وتعتبر هدفا نطمح إلى تحقيقه بالاعتراف بالحقوق وبضمانها. ويمكن أن نعتمد في هذا السياق على أحكام الفصل 10-1 من الدستور الإسباني الذي يعتبر "أن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان هما ركيزتا النظام العام والسلم الاجتماعية". وتأكيدا لمبدإ الكرامة الإنسانية من المبادئ التي يجب اعتمادها كذلك مبدأ المساواة . فالمساواة هي في نفس الوقت حق طبيعي ومصدر للحقوق الإنسانية وغاية نطمح إلى تحقيقها بإلغاء كل مظاهر التمييز؛ لذا رأينا من الأجدى أن يضمن العهد مبدأ المساواة بين كل المواطنين وبين الجنسين وأن يحجر التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو الدين أو الجنس أوالانتماء الجهوي أو اللغة. وذلك بإقرارمفهوم التمييز وتحديد مفهوميه. (1) صادقت الدولة التونسية على العهدين في نفس السنة 1969. أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة تونس