أمام وزارة التكوين المهني والتشغيل خياران لا ثالث لهما: إما جعلها وزارة تشغيل حقيقية حسبما نص عليه مشروع الاستراتيجية الوطنية للتشغيل أو تغيير تسميتها الى "وزارة التأهيل المهني والإعداد للعمل" مثلا وذلك لرفع التمثل الخاطئ والالتباس لدى الرأي العام وخاصة العاطلين عن العمل الذين يعتبرونها المسؤول الأوحد عن التشغيل في تونس. ونحن لا نلوم العديد من المواطنين على الوقوع في هذا الالتباس لأن تسمية الوزارة الحالية "وزارة التكوين المهني والتشغيل" جنت عليها بما أنها توحي بأن مهامها الأصلية تتمثل أساسا في التشغيل في حين أن الواقع الحالي للوزارة حسب النصوص القانونية المنظمة لعملها يقيدها ويحصرها في مهام وحجم مكتب دراسات واستشارات نفصّلها في ما يلي منذ نشأتها في شكل ديوان سنة 1967: أولا لم يضبط أي نص قانوني مهام وزارة التكوين المهني والتشغيل في التشغيل بمعناه الدقيق المتمثل في توفير مواطن شغل للعاطلين عن العمل إذ اكتفى الفصل الأول من الأمر عدد 1717 لسنة 2007 المؤرخ في 5 جويلية 2007 والمتعلق بضبط مشمولات الوزارة بالتنصيص على أنها "تضطلع بمهمة عامة تتمثل في بلورة سياسة الحكومة في ميدان التشغيل وفي السهر على تنفيذها وتقييم نتائجها". بل أكثر من ذلك فإن في مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها الوزارة منذ نشأتها سنة 1967 تحت اسم: "ديوان التكوين المهني والتشغيل" والى حدّ اليوم لم تنص كل القوانين المنظمة لها والمتعاقبة على التشغيل ككلمة مستقلة يفيد معناها ايجاد مواطن شغل للعاطلين عن العمل بل نجد دائما كلمة التشغيل مضافة الى كلمة أخرى مثل: "تسهيل التشغيل" في قانون 1967 و"التنظيم المحكم لمصالح التشغيل" في قانون 1973 و"تمكين طالبي الشغل العاطلين عن العمل من الحصول على اختصاصات مهنية ومن الرفع من مهاراتهم أو اكتساب مهارات جديدة وذلك قصد تسهيل إدماجهم في الحياة المهنية وتحقيق ترقيتهم المهنية" في قانون 1983 و"صياغة سياسة التشغيل والقيام بكل عمل لتطبيقها بكيفية تحقق أحسن استعمال ممكن للموارد البشرية" في قانون 1986 و"النهوض بالتشغيل" في قانون 1988 و"اقتراح وإنجاز البرامج والاجراءات التي من شأنها أن تنهض بالتشغيل" في قانون 1990 و"القيام بالدراسات والبحوث الرامية الى وضع سياسة تهدف الى تنمية التشغيل والعمل بالخارج" في قانون 2002 و"القيام بالدراسات والبحوث الرامية الى وضع سياسة تهدف الى تنمية التشغيل والإدماج وإعادة الإدماج المهني والنهوض بالعمل المستقل" في قانون 2007... ثانيا وزارة التشغيل لم يتم إفرادها بقانون أساسي واضح المعالم ولا بصلاحيات تمكنها من خلق مواطن الشغل للعاطلين عن العمل. فهي مثلا لا تتدخل في المناظرات التي تنظمها الوزارات الأخرى ولا في عملية تمويل المؤسسات فهي وزارة مهمشة لا تنسق معها الوزارات الأخرى التي لها علاقة بالتشغيل ولا تستشيرها وذلك لأن التشغيل في النظام السابق كان تزييفا وتمويها على الرأي العام إذ كان مجرد مسكنات وشعارات للتسويق الإعلامي وتلميع صورة النظام سرعان ما انكشفت وسقطت عنها ورقة التوت باندلاع ثورة الحرية والكرامة، ثورة "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" وليس مجرد شعارات. ثالثا عديد الهياكل التي تتدخل في التشغيل لا تتبع وزارة التكوين المهني والتشغيل مثل -للذكر وليس الحصر-: وكالة التعاون الفني ووكالة الاستثمار الخارجي.. مما يجعلها وزارة قاصرة عن التدخل الفعلي والحاسم في إحداث مواطن الشغل على خلاف وزارات التشغيل في كل من المغرب ومصر والاردن مثلا والتي لها صلاحيات التدخل في كل ماله علاقة بالتشغيل. رابعا حتى التكوين المهني الذي يعتبر في الأصل من مشمولات وزارة التكوين المهني والتشغيل لا تشرف عليه لوحدها بل تشاركها فيه عديد الوزارات الأخرى على غرار وزارة الدفاع الوطني ووزارة الفلاحة ووزارة السياحة.. مع الإشارة إلى أن هياكل التكوين المهني ألحقت سنة 2002 بوزارة التربية والتكوين ثم عادت سنة 2010 إلى وزارة التكوين المهني والتشغيل. خلاصة القول أن تسمية وزارة التكوين المهني والتشغيل جعلتها بعد الثورة "متقدمة في الحرب والضرب" تتلقى لوحدها مختلف الضربات والانتقادات المتعلقة بالبطالة والتشغيل و"متأخرة في الراتب" أي الرتبة باعتبار صلاحياتها المحدودة وتدخلاتها المقيدة بمنظومة قانونية موروثة من العهد السابق جعلتها عاجزة مثلا عن تنفيذ 283 مشروعا تقدم بها خلال السنة الجارية مستثمرون تونسيون وأجانب. وأمام حالة العجز والتهميش هذه وفي انتظار تغيير المنظومة القانونية القديمة لم تبق الوزارة مكتوفة الأيدي بل بادرت في عديد المناسبات إلى إيجاد حلول عاجلة مثل عقد اتفاقيات مع مستثمرين تونسيين وأجانب يتعهدون بتوفير عدد هام من مواطن الشغل مقابل تكفل الوزارة بتذليل مختلف العراقيل الادارية والقانونية التي تحول دون إنجاز مشاريعهم وتنفيذها كان آخرها التوقيع يوم 16 نوفمبر 2012 على اتفاقية إطارية لمرافقة ثلاث شركات أجنبية ستتولى إنجاز مشاريع استثمارية خلال سنة 2013 ستمكن من إحداث أكثر من 20 ألف موطن شغل بكل من سليانة وقابس وجربة. إن وزارة التكوين المهني والتشغيل بهيكلتها الحالية وبالتمثل الخاطئ والالتباس الحاصل لدى الرأي العام حول مهامها يجعلانها أمام خيارين لا ثالث لهما إما تغيير تسميتها أو جعلها وزارة تشغيل حقيقية ذات صلاحيات قوية تمكنها من التدخل فعليا في سوق الشغل ومختلف المناظرات التي تنظمها بقية الوزارات مع توسيع مجالات تدخلها في كل ما له علاقة بالتشغيل في مختلف الوزارات والمؤسسات والوكالات وذلك لتحقيق أبرز وأهم الأهداف التي قامت من أجلها الثورة ألا وهو الشغل اللائق والكريم لكل مواطن تونسي أينما كان خاصة في الجهات التي كانت مهمشة ومحرومة طيلة العقود الماضية. فهل ستتحول وزارة التكوين المهني والتشغيل من مجرد "مكتب دراسات وهمية" إلى وزارة تشغيل حقيقية؟