ما الذي بات يحدث تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي؟ أي دستور سيكون هذا الذي سينبثق من رحم تجاذبات وخلافات تهم الركيزة الأساسية للدستور ألا وهي نظام الحكم الذي لم يحسم فيه إلى اليوم؟ ففي الوقت الذي يفترض فيه أن ينهي المجلس الوطني التأسيسي تركيز وتثبيت الهيئات التي تضمن الانتقال الديمقراطي على غرار التوصل إلى توافق والنأي عن جميع التجاذبات بما يضمن تركيز الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والإداري لتحل محل المجلس الأعلى للقضاء، وتكون بالتالي إحدى الأسس الرئيسية للعملية الديمقراطية والمرور إلى مناقشة فصول الدستور، لا تزال لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما تباشر إلى اليوم أشغالها وتواجه خلافات حادة بين أعضاء حركة النهضة من جهة وباقي أعضاء اللجنة (من المؤتمر والتكتل(. وسبب الخلاف القديم الجديد يتمثل في الصلاحيات الموكولة لرئيس الجمهورية. تباين في وجهات النظر ولعل الإشكال الأكبر الذي يعيق سير اعمالها يتمثل في أن اللجنة لم تحسم أمرها بعد بشان نظام الحكم في ظل تمسك حزب حركة النهضة الفائز بأغلبية المقاعد، بنظام برلماني صرف يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة مقابل تمسك حزبي المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل بنظام برلماني معدل. وبقطع النظر عن عدم التوصل إلى توافق في هذا الشأن (نظام الحكم) فان أعضاء اللجنة أكدوا بأنهم مستهدفون بأعمال مقصود بها تعطيل أعمال اللجنة من خلال إصرار بعض الأطراف على خرق النظام الداخلي للمجلس من جهة وإعطاء هيئة التنسيق والتعديل والصياغة صلاحيات تؤشر للتدخل في مضمون المقترحات من جهة أخرى. الأمر الذي وصفه عمر الشتوي رئيس اللجنة ب"الطغيان السياسي"...وبالتالي فان كل هذه الإشكاليات ستسهم في تعقيد المسألة أكثر مما هي عليه تعقيدا وستزيد الطين بلة عبر تعميق هوة التجاذبات والخلافات بين أعضاء اللجنة كما ستسهم في تأخير الجلسات المخصصة لمناقشة فصول الدستور. ولعل المثير للانتباه في هذه المسألة تصريحات الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة داخل المجلس الوطني التأسيسي الذي اعتبر أن جوهر الدستور يكمن في النظام السياسي الذي لم يتفق بشأنه بعد مؤكدا أن المسالة تتجاوز النقاشات الضيقة صلب لجنة السلطة التنفيذية والتشريعية والعلاقة بينهما لتنحصرفي حصول توافق سياسي في البلاد. وبالتالي فان الأمر بات يعني جميع الاطياف السياسية الفاعلة في البلاد. الأرجح أن الأوضاع إذا ما تواصلت على هذا النحو فإن الحل الأنسب كما يؤكد الملاحظون والمهتمون بالشأن السياسي يكمن في تنظيم استفتاء شعبي حول طبيعة النظام السياسي للبلاد إذا ما تواصلت الخلافات بشأنه وهو ما يمثل فشلا سياسيا وخيبة أمل للشعب في القيادات المنتخبة فضلا عن أن فشل التفاوض بين الفرقاء السياسيين سيعطل المصادقة على مشروع الدستور. معضلة موعد الانتخابات وفي خضم جميع هذه الإشكاليات فان السؤال الذي يطرح بشدة: أين نحن من موعد جوان 2013 لإجراء انتخابات؟ نعتقد أن هذا الموعد بات صعب المنال فجوهر الدستور (نظام الحكم) لم يحسم فيه بعد فضلا أن رئيس كتلة حركة النهضة اعتبر أنه من الصعب بلوغ الانتخابات المقبلة بتاريخ جوان المقبل اعتبارا أن المجلس التأسيسي هو سيد نفسه وهو وحده الكفيل بضبط روزنامة عمل واضحة كما انه أيضا الكفيل بضبط التواريخ الهامة. ولكن هذا الطرح يصعب تجسيمه فعليا استنادا إلى أن قبة المجلس الوطني التأسيسي تعاني معضلة غياب بغياب التوافق بين مختلف الفرقاء السياسيين. كما ترزح تحت وطأة الاتهامات الموجهة لحركة النهضة بالتغول وفرض مواقفها من خلال "التحايل قانونيا على النظام الداخي" على حد قول احد النواب. وعلى هذا النحو فان الانتخابات تبقى على حد قول احد اعضاء المجلس التاسيسي "شبه مستحيلة حتى اذا ما حدد تاريخ إجراؤها سنة 2014 ..!"