بين مطرقة النظر في المشاريع العالقة وسندان مناقشة فصول الدستور فصلا فصلا قبل عرضه على الجلسة العامة سيجد نواب المجلس التأسيسي أنفسهم حال عودة الحياة البرلمانية واستئنافهم لنشاطهم. فبعد أن دخلوا في عطلة برلمانية ناهزت الأسبوعين تستأنف اللجان التأسيسية نشاطها الاثنين القادم وسط كم هائل من مشاريع القوانين المستعجلة والتي تستوجب النظر حتى قبل مناقشة فصول الدستور. غير انها عودة ستكون بمثابة الاختبار الفعلي لنواب الشعب حول مدى قدرتهم على تجسيد مبدأ الوفاق على ارض الواقع في ظل تعطل مشاريع قوانين بقيت -على أهميتها- عالقة جرّاء التجاذبات الحاصلة بين هذا الفريق وذاك، وبين نواب المعارضة والحكومة، وتمسك كل طرف بموقفه على غرار تعطل مشروع الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والمالي والإداري.. ويفترض أن يمنح للجان التأسيسية أسبوع عمل تنطلق من 3 الى غاية 10 سبتمبر المقبل قصد تصحيح جميع الجوانب الشكلية وإعادة بلورة المسودة النهائية للدستور قبل عرضها على الجلسة العامة، فإن ذلك لن يكون على حساب النظر في مشاريع القوانين العالقة (الهيئات المتعلقة بالقضاء و الانتخابات والإعلام) فضلا عن مشروع قانون العدالة الانتقالية والذي يعتبره بعض مكونات المجتمع المدني قد تأخر بما فيه الكفاية وآن أوان عرضه على أنظار المجلس التأسيسي. ولكن الملفت للانتباه أن عودة النواب اقترنت أيضا أو صاحبتها موجة من الاحتجاجات خاصة فيما يتعلق بالتسميات الأخيرة التي طالت الحقل الإعلامي فضلا عن الاحتجاجات الاجتماعية التي طالت بعض المناطق الداخلية على غرار منطقة الحنشة من ولاية صفاقس والتي يهدد ابناؤها باضراب عام جراء تواصل سياسة التهميش. وهي اشكاليات يفترض أن يخصص لها حيز من النقاش تحت قبة المجلس التأسيسي. فضلا عن تصعيد الاحتجاج من قبل بعض المعنيين من ملف العفو العام وهو ملف ساخن ومعقد ما يزال عالقا ولم يتم الحسم فيه بعد. هذا دون أن ننسى الاستحقاقات القديمة الجديدة التي لم تحسم بعد والتي تبقى من المسائل الجوهرية التي لا تنازل عنها خاصة إذا ما تعلق الأمر بملف شهداء وجرحى الثورة الذي لم يغلق بعد أكثر من سنة ونصف عن ثورة الحرية والكرامة حيث أن القائمة النهائية لجرحى وشهداء الثورة لم تضبط بعد كما ان سير المحاكمات العسكرية لقتلة الشهداء تواجه انتقادات لاذعة دفعت بالبعض حد المطالبة بإنشاء محكمة خاصة تعنى بشهداء الثورة. وهو مقترح كان قد تقدم به اغلب أعضاء لجنة شهداء جرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام صلب المجلس التأسيسي ولا يزال قيد الدرس. إذن مع زخم أعمال أجندا أعضاء المجلس التأسيسي وفي ظل غياب خارطة طريق واضحة للاستحقاقات القادمة بات السؤال الذي يطرح بشدة: هل للمجلس التأسيسي الطاقة أو القدرة الكافية على معالجة هذا الكم من المسائل الجوهرية في ظرف وجيز؟ التوافق المنشود.. مما لاشك فيه أن نواب الشعب لا يمتلكون عصا سحرية تخول لهم النظر في جميع هذه المسائل لا سيما أن التوافق لا يزال منشودا بين أعضاء الحزب الفائز بالأغلبية وباقي الأعضاء. زد على ذلك فإن لجنة التنسيق والصياغة يلزمها من الوقت شهرين لإنهاء عملها قبل عرض مسودة الدستور على الجلسة العامة لمناقشة فصوله، وفق ما أكده عضو المجلس أزاد بادي في تصريح ل"الصباح"..فما بالك بعرض المسودة على النقاش فوحده باب الحقوق والحريات سيحظى بجدل كبير في ظل الانتقادات الموجهة لبعض االفصول من ذلك الفصل 28(الذي يعنى بحقوق المرأة) على سبيل الذكر لا الحصر. ولئن يعتبر حبيب خضر المقرر العام للدستور أن الانتهاء من صياغة الدستورستكون خلال شهر فيفري القادم على أقصى تقدير فإن هذا لا يعني تجاوز المدة المحددة نظرا للكم الهائل من المشاريع من جهة وصعوبة التوصل إلى توافق بشان بعض الفصول والمسائل لعل أبرزها الاختلاف الحاصل على طبيعة نظام الحكم والذي يتوقع أن يأخذ حيزا هاما من نقاشات النواب. تراكم المهام والأولويات.. وضياع موعد 23 أكتوبر وبالتالي فإن الملاحظين والمهتمين بالشأن السياسي يرون انه من الصعب الالتزام بالموعد الذي ضبطه المقرر العام للدستور استنادا إلى أن نقاشا مستفيضا وجدلا كبيرا سيصاحب سير مناقشات فصول الدستور هذا إن لم تتجه الرؤى نحو استفتاء شعبي. ولكن الإشكالية الحقيقية التي ستواجه نواب المجلس التأسيسي برمتها هي مسألة الشرعية بعد ال23 من أكتوبر في ظل التصريحات التي يسوقها بعض الساسة أو الأخصائيين في القانون على غرار ما ذهب اليه المختص في القانون الدستوري الصادق بلعيد حيث اعتبر أن شمعة المجلس التأسيسي ستنطفئ ليلة ال23 من أكتوبر. إذن عديدة هي التحديات التي ستكون بانتظار نواب الشعب حال عودتهم من عطلتهم البرلمانية وعديدة هي السيناريوهات المتوقعة والمحتملة فإما الاتجاه نحو الوفاق وتجاوز جميع التجاذبات السياسية أو الانزلاق نحو بؤرة الاختلاف والتمسك بأحادية الرأي الأمر الذي سيسهم في إدخال البلاد في سيناريوهات هي في غنى عنها. وهو ما سينعكس سلبا على التنمية وعلى تجاوز معضلة البطالة ابرز مطالب ثورة 14 جانفي...