"مثلما أعادت الثورة للتونسيين الحرية وبعض الآمال فإنها سترجع لنا كل ما سرق...". هو ما قاله السيد منصف المرزوقي رئيس الجمهورية أثناء افتتاح المعرض الأثري المؤقت الذي يحمل عنوان "تراث نُهب، تراث يٌسترجع" وذلك مساء اول أمس بمتحف قرطاج الذي شهد حضور أعداد كبيرة من ممثلين عن الحكومة والجهات ذات العلاقة بقطاع التر اث. ومثلما أكد وزير الثقافة خلال الندوة الصحفية التي انتظمت للغرض منذ السبت الماضي، فإن هذا المعرض، الذي تنظمه كل من الوزارة بالاشتراك والمعهد الوطني للتراث ووكالة احياء التراث والتنمية الثقافية في إطار الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة، يحمل رسائل مضمونة الوصول للمواطنين من الجهات الرسمية مفادها أن هذه الجهات ماضية في مسار استعادة ما نهب وأنها بالمرصاد لكل من تعدى على الممتلكات العمومية. ولعل البعد الرمزي والدلالي الآخر الذي يحيل عليه هذا المعرض، وبقطع النظر عن التجاوز الحاصل في حق التراث الوطني، أنه يكشف ويذكر بتجذر حضارة عبرالتاريخ وثراء تونس الثقافي على خلاف ما يعتقده البعض. ويتضمن هذا المعرض93 قطعة أثرية وفنية مختارة من بين أكثر من ثلاث مائة قطعة محجوزة تم استرجعاها من القصور والإقامات التي كانت لبن علي وأصهاره كل من صخر الماطري وبلحسن الطرابلسي ومروان مبروك ومنصف الماطري والموجودة بكل من سيدي الظريف وسيدي بوسعيد وقرطاج والحمامات وغيرها. وأكد سمير عون الله المشرف العلمي على المعرض أن عملية اعداده وإنجاز مدونة للقطع التي تم اختيارها وفق مقاييس علمية وجمالية لم تكن هيّنة بالمرة بل كانت على قدر من التعقيد والصعوبة نظرا لأن أغلب القطع متأتية من مناطق مختلفة وفي أغلب الأحيان مجهولة المصدر كما تعود إلى حقب تاريخية مختلفة تتراوح بين القرن السابع قبل الميلاد إلى التاريخ المعاصر. لذلك تم تكوين فريق متعدد الاختصاصات من باحثين وجامعيين وتقنيين لأعداد المعرض وكتابة النصوص العلمية في الخزفيات والنقائش والتماثيل والعناصر المعمارية وغيرها. علاقة صخر الماطري والملفت في هذا المعرض المؤقت الذي سيتواصل إلى موفى شهر مارس المقبل أن أثمن القطع الثرية المختارة فيه متأتية من قصر سيدي الظريف ومنزل صخر الماطري بالحمامات. فما يقارب 48 قطعة أثرية وفنية من مجموع 93 من القطع المختارة في المعرض الأثري المؤقت والاستثنائي تم حجزها بمقر إقامة صخر الماطري بالحمامات. وأكثر من ثلاثين أخرى من قصر سيدي الظريف بسيدي بوسعيد الذي يعود للرئيس المخلوع بن علي. وتتمثل أغلب هذه القطع المعروضة في الحلي والخزف وقنينات وأواني تحمل زخارف آدمية تعود إلى القرن الخامس والرابع قبل الميلاد. إضافة إلى زخارف من الفخار تروي من خلال ما تحمله من زخارف أساطير وحضارات تعاقبت على تونس أو تحيل إلى مشاهد من الحياة اليومية الرومانية مثال ذلك تمثال لامرأة عجوز مخمورة يوجد منه في البلاد التونسية أربعة فقط. فلم يكتف هؤلاء بالجرم المرتكب في حق التراث الوطني والممتلكات العمومية بل تعمدوا إلى إلحاق أضرار كبيرة بالقطع التي نهبوها وذلك بغية توظيفها في مساكنهم على غرار آلهة الجمال"فينوس" التي تم اتلاف جانبها العلوي واستعملت كحوض للاستحمام بمنزل صخر الماطري. كما هو الشأن بالنسبة إلى النصب النذرية والعناصر المعمارية التي تعود إلى فترات مختلفة تتراوح بين البونية والرومانية والحفصية وتتكون أساسا من تيجان استعمل أغلبها في بناء وتزويق منزل صخر الماطري. الذي تفرد بدوره بما هو أثري وفني وجمالي من القطع الأثرية في تأثيث منزله على غرار مجموعة من الأثاث المنزلي يتمثل في صناديق خشبية تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولئن سولت الإرادة والرغبة في التعدي على المال العام للرئيس المخلوع واصهاره باختيار مثل هذه القطع الأثرية والفنية القيّمة وغيرها من القطع الأخرى التي تم حجز البعض منها لتعيدها الجهات الرسمية إلى المتاحف التي أخذت منها، فإن الأطراف الذين سهلوا عملية النهب وكانوا طرفا فيها من أهل القطاع خاصة بهدف التقرب من الرئيس المخلوع وحاشيته سواء بتقديمها في شكل هدايا أو بالتستر على عمليات النهب سوف لن يفلتوا من طائلة القانون لأن التتبعات القضائية والتحريات في الأمر لا تزال جارية مثلما أكد ذلك أغلب المشرفين على الهياكل التابعة للقطاع.