الخارجية الألمانية.. هجمات المستوطنين على مساعدات غزة وصمة عار    اكتشاف جديد قد يحل لغز بناء الأهرامات المصرية    رسميا.. سلوت يعلن توليه تدريب ليفربول خلفا لكلوب    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    تأجيل قضية اغتيال الشهيد محمد البراهمي    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    عاجل/ احتجاجات ليلية وحرق للعجلات في هذه الولاية..    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده    خلال نصف ساعة.. نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في «نهائي إفريقيا»    Titre    الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية: نسبة النفاذ للأدوية الجنيسة والبدائل الحيوية في تونس تناهز 55 %    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    عاجل/ بطاقة إيداع بالسجن ضد سعدية مصباح    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    سوسة: وفاة شاب غرقا وانقاذ شابين اخرين    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الارتباك الأمني.. غياب سياسة دينية واضحة والخطاب المزدوج لرموز من النهضة من أسباب انفلات عقال السلفيين
الأستاذ أعلية العلاني ل"الصباح":
نشر في الصباح يوم 23 - 01 - 2013

تونسيون موجودون في حركات جهادية مستعدة لحرب استنزاف طويلة ضد فرنسا وحلفائها بمالي - سيناريو الحرب الطويلة بدأ يشغل الرأي العام والنخب الفرنسية.. والتصدي للزحف الصيني من بين الأهداف - الجزائر تعاملت بحرفية كبيرة مع مجموعة الخاطفين وتمكنت من تفادي كارثة بشرية ومالية وبيئية طويلة المدى -
تمسك حركة النهضة برابطات حماية الثورة.. خطر كبير - الصراع داخل "الترويكا" إضافة إلى أنه صراع حول المناصب فهو كذلك خوف وتبرؤ من الفشل المرتقب في الانتخابات
التحدّيات الحالية تستوجب حكومة كفاءات لا في المجال التقني فحسب بل كذلك في وزارات السيادة - في تونس لا يمكن الحديث عن دعم السلطة للسلفيين.. فقط انتهاج سياسة خاطئة معهم - الجهاديون التونسيون يتلقون التدريب العسكري في ليبيا والجزائر مع محاولات خفية للتدريب في الجبال والغابات الوعرة شمال غرب البلاد - لا توجد في تونس بنية تحتية للإرهاب.. وعدد أفراد الخلايا النائمة للقاعدة بتونس لا يتعدى العشرات - إقامة فرنسا في مالي لن تكون لبضعة أسابيع
حاوره: سفيان رجب - المدّ السلفي.. الإرهاب.. الأحداث الأخيرة في مالي والجزائر والوضع السياسي في تونس محاور التقينا بشأنها مع الأستاذ أعلية العلاني الباحث في التاريخ السياسي المغاربي والخبير في الجماعات الإسلامية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات منوبة بتونس وصاحب كتاب "الحركات الاسلامية في الوطن العربي، تونس نموذجا".. مواضيع آنية وتحمل في طياتها عديد النقاط الغامضة وكان لا بدّ من فك بعض شيفراتها والغوص فيها مع الأستاذ العلاني.
* لننطلق من مالي وما يحدث فيها اليوم خاصة أنكم كنتم هناك فيما وصفتموه ب"رحلة أكاديمية" لدراسة التيارات الاسلامية الجهادية.. فماذا يحصل اليوم في شمال مالي وماذا عن الابعاد الواضحة والخفية للأحداث هناك؟
- توجد 3 تنظيمات جهادية موجودة في مالي وهي "تنظيم القاعدة" و"حركة التوحيد والجهاد" و"أنصار الدين"، وفي بعض هذه التنظيمات هناك تونسيون. بعد تسعة أشهر على احتلال "القاعديين" لشمال مالي، يأتي هذا الحدث ليسلط الأضواء على عجز القوى الدولية والإقليمية رغم قلقها البالغ، عن التوصل إلى بداية تحرك لإنهاء حالة الاحتلال القاعدي هذه. ويبدو أن تعذر إعادة الوضع السياسي إلى طبيعته في باماكو بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توري، حال دون تنظيم الجهود الخارجية للتعامل مع الوضع في الشمال. وكانت الهزائم التي تعرض لها الجيش المالي خلال قتاله مع الطوارق في الشمال، من أهم الأسباب التي دفعته إلى انقلاب زعزع به الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وأتاح للجماعات المصنفة (إرهابية) استغلال الظروف للسيطرة على الشمال الذي يشكل ثلثي مساحة مالي. مهمة اقتلاع القاعدة وحلفائها من شمال مالي لن تكون سهلة. خبراء عسكريون عارفون بالمنطقة يقولون إن القاعدة لم تمتلك أفغانستان يوما لكنها اليوم تتحكم بالمدن الرئيسية في شمال مالي مستفيدين من حالة عدم الاحتقان في العاصمة باماكو. ناهيك عن أن وجود القاعدة في شمال مالي هو امتداد لوجودها في حزام يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.. يُضاف إلى ذلك أن القاعدة في المنطقة استملكت أسلحة لا يُستهان بها حصلت عليها من الجيش المالي المندحر ومن مخازن نظام القذافي مثل الصواريخ الحرارية سام 7 القادرة على ضرب طائرات على ارتفاعات منخفضة.
القاعدة وحلفاؤها اليوم في مالي يجلدون النساء إن لم يلتزمن بالحجاب ويقطعون الأيدي لمن تثبت عليه تهمة السرقة، ويعمدون الى تحطيم بعض الأضرحة التي ظلت حتى وقت قريب على قائمة التراث العالمي.
* وماذا عن وجود عناصر تونسية ضمن هذه الحركات؟
- إن نسبة التونسيين في الحركات الجهادية في مالي ليست كبيرة ولا غالبة على الجنسيات الأخرى، لكنهم موجودون ضمن عدد ضخم من المقاتلين يقارب خمسة آلاف شخص ومستعدون لحرب استنزاف طويلة ضد فرنسا وحلفائها، وهم يحتكمون على ميزانية طائلة يمكن أن تصل إلى 200 مليون دولار.
إقامة فرنسا في مالي لن تكون لبضعة أسابيع
* هل تتوقعون نهاية سريعة لحرب مالي؟ وما هي حظوظ نجاح العملية السياسية في هذا البلد بعد التدخل العسكري؟
- أعتقد أن إقامة فرنسا في مالي لن تكون لبضعة أسابيع كما صرح الفرنسيون بذلك في البداية وقد أصبحوا يتحدثون حاليا عن الوقت اللازم للبقاء، لا عن الوقت الممكن للبقاء فالجيش المالي تنقصه الخبرة والأسلحة المتطورة، وبذلك فإن سيناريو الحرب الطويلة بدأت تشغل الرأي العام الفرنسي ونخبه، كما بدأ التساؤل حول الرهانات السياسية والاقتصادية لهذه الحرب يتبلور أكثر فأكثر. وما تناقلته بعض التقارير عن حقيقة الثروات الباطنية في شمال مالي يجعل السباق محموما بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم للتمركز في منطقة الساحل الافريقي، فالأوروبيون والأمريكيون يتفقون حول مسألة التصدي للزحف الصيني في القارة السمراء حيث زادت الصين مبادلاتها التجارية مع إفريقيا بنسبة 89 بالمائة بين 2010-2012 حسبما أوردته صحيفة "لوموند دبلوماتيك" وتتهيأ لمضاعفة حجم مبادلاتها مع مالي التي لم تتجاوز 300 مليون دولار سنة 2010، والفرنسيون يريدون كذلك الحفاظ على مكانة اقتصادية متميزة في مالي وغرب إفريقيا، أما الأمريكيون فعينهم على شمال مالي له بعد اقتصادي واستراتيجي وبالتالي فإن الرهانات الاقتصادية والاستراتيجية تشكل أحد الدوافع الهامة في أزمة مالي الحالية. وبخصوص استراتيجية القاعدة والجهاديين في مالي للتحرك مستقبلا فيمكن القول أنها ستعتمد على الانسحاب التكتيكي والمباغتة من خلال بعض العمليات النوعية. ومن المرجح أن تتكثف، خلال الفترة القادمة الخلايا النائمة في عديد الأقطار الإفريقية والمغاربية. وبقدر ما يطول بقاء الفرنسيين في مالي بقدر ما تصبح تداعيات الحرب أكثر سلبية. إن ما يحتاجه الشعب المالي اليوم إنجاز خارطتي طريق: سياسية واقتصادية. فخارطة الطريق السياسية تتضمن في فترة ما بعد الحرب: الإعداد لمصالحة وطنية بين الشمال والجنوب وتنظيم انتخابات شفافة وإعداد دستور يضمن كل الحقوق ويرتكز على المواطنة. أما خارطة الطريق الاقتصادية فتتضمن خطة تنموية للنهوض بالمناطق المهمشة في شمال مالي والمناطق الحدودية، ووضع خطة اقتصادية تساهم فيها المجموعة الدولية لإعادة بناء ما حطمته الحرب، وخلق فرص شغل لملايين السكان الذين تتقاذفهم أمواج الهجرة السرية ومخاطر تجارة التهريب.
أحداث الجزائر
* أحداث الجزائر الاخيرة ووجود عدد لا بأس به من التونسيين ضمن التنظيم الارهابي يطرح أكثر من تساؤل حول علاقة التونسيين بتنظيم القاعدة؟
- علاقة التونسيين بالقاعدة في شمال إفريقيا ليست جديدة وليست وليدة الثورة، ففي عهد النظام السابق كانت المجموعة التي ظهرت في سليمان من أتباع القاعدة في المغرب الإسلامي، كما نتذكر الشاب التونسي بشير سينون البالغ من العمر 25 عاما والذي تورط في تفجير السفارة الفرنسية في باماكو عاصمة مالي، وصدر ضده حكم بالإعدام في بداية شهر جانفي 2011. نضيف إلى ذلك العدد الكبير من التونسيين ضمن المجموعة الارهابية التي احتجزت رهائن في منطقة "عين أميناس" وهو ما يجعلنا نستنتج أن عددا كبيرا من الشباب التونسي قد تحرك نحو جنوب الجزائر ومنه إلى شمال مالي ومنطقة الساحل للانضمام إلى المجموعات الجهادية هناك. ونشير في هذا الإطار إلى أن الجزائر تعاملت بحرفية كبيرة مع مجموعة الخاطفين الذين لم يبق منهم على قيد الحياة سوى ثلاثة أفراد، ولم ترضخ لابتزاز الخاطفين وشروطهم.
وتمكنت من تفادي كارثة بشرية ومالية وخاصة بيئية حيث أن تهديد الإرهابيين بتفجير المنشأة الغازية سيهدد مساحة لا تقل عن 5 كلم بما يحدثه تسرب الغاز من أخطار بيئية وبشرية طويلة المدى.
تونس مصدّرة للإرهاب؟!
* لكن كيف تم انتداب كل هذا العدد وهل يعقل أن تتحول تونس الى مصدّرة للإرهابيين نحو دول الجوار؟
- توجد معلومات واضحة عن طرق انتداب العناصر الجهادية في تونس رغم ما يعتقده كثيرون من أن عدة مساجد تعج بدعاة التيارات الجهادية منذ أن تخلصوا من المراقبة الشديدة التي كان يفرضها عليهم جهاز الأمن في عهد الرئيس الأسبق بن علي. وتبعا للمعلومات التي نشرتها وزارة الداخلية عن مجموعة "عقبة بن نافع"، فإن الجهاديين التونسيين يتلقون التدريب العسكري في ليبيا والجزائر مع ما يروج عن محاولات أولية خفية للتدريب في التراب التونسي في الجبال والغابات الوعرة والنائية شمال غرب البلاد. كما يتضح أن الحركات الجهادية تستغل الحدود الجبلية الوعرة غرب البلاد للتسلل إلى الجزائر عبر المسالك التي يعرفها المهربون جيدا منذ عشرات السنين في إطار حركة التهريب الكبيرة بين البلدين.
* هناك من يتهم أطرافا فاعلة في السلطة بتغذية نزعات التطرف الديني والتساهل مع المجموعات السلفية بل وحتى دعمهم..
- لا يمكن الوصول للحديث الى مستوى الدعم لكن فقط انتهاج سياسة خاطئة تجاه السلفيين الذين لم يجدوا رادعا اثر اعتداءاتهم المتكررة على رموز المجتمع المدني (من رجال سياسة وفكر) والممتلكات وهي اعتداءات كانت في الغالب موجبة للعقاب. كذلك هناك ارتباك في الخطة الامنية اثر ما حصل في احداث السفارة الامريكية من حرق ونهب يوم 14 سبتمبر 2012 مما دفع عديد المحللين الى وضع نقاط استفهام عديدة حول السياسة الامنية. دون أن ننسى غياب سياسة دينية واضحة للحكومة اذ أن اقتسام الجوامع والمساجد بين النهضة والسلفيين أدخل البلاد في موجة من الصراعات الدينية برزت بالخصوص في تجرّؤ بعض الأئمة مثلا على تكفير من نادى بالإضراب العام الذي كان قد قرره اتحاد الشغل يوم 13 ديسمبر 2012 وهو ما يحيلنا الى توظيف الدين في السياسة من عناصر محسوبة على الحزب الحاكم. كذلك للخطاب المزدوج لدى رموز حركة النهضة دور في انفلات عقال السلفيين ويتضح ذلك من عديد الخطب وخاصة من خلال الفيديو المسرب عن الغنوشي في اكتوبر 2012 بمناسبة اجتماعه بالسلفيين الذي دعاهم فيه الى تكثيف نشاطهم الدعوي والاسراع في انشاء مدارس وجامعات ومؤسسات، لأن قطاعات الأمن والشرطة ما تزال بعيدة عن هيمنة الاسلاميين (الجيش غير مضمون والشرطة غير مضمونة كما ورد في الشريط). والأخطر والأشد تمسك حركة النهضة برابطات حماية الثورة وهي جمعية محسوبة على الحركة حسب عديد المحللين وتكمن خطورتها في ما نسب اليها من تهم الاعتداء الذي أدى الى قتل احد المعارضين في تطاوين وإفسادها لبعض اجتماعات المعارضة بالإضافة الى اتهامها بالاعتداء على مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل.. والملفت للنظر ان حركة النهضة لم تبادر لحدّ الآن بإقناع رابطات الثورة بحل نفسها وهي بذلك تسبح ضد التيار وتسيء كثيرا لصورتها كحركة عانت سابقا من مثل هذه المليشيات. هذه الرابطات التي اتهمها العديد من الباحثين بانها تحوي اطيافا اسلامية نهضوية وسلفية وعناصر قديمة من حزب التجمع المنحل.
المدّ السلفي
* لكن السلفية في تونس مصطلح جديد ظهر ما بعد الثورة وبسرعة بات هاجسا لدى كل الفئات والاطراف الاخرى بما في ذلك الحكومة ذات المنحى الاسلامي.. فما سبب هذا المد السلفي في تونس وهل تشكل هذه الفئة فعلا خطرا على البلاد؟
- تاريخيا لم يكن مصطلح السلفية يثير حساسية ولا يمثل مشكلا بل كانت صفة "السلفي" تمثل افتخارا لدى حاملها نظرا لما عرفت به هذه الفئة من علم وتفكير وبحث في المجال الديني، لكن منذ العشريتين الأخيرتين انقسم هذا المصطلح الى مضامين متعددة كالسلفية العلمية والسلفية الجهادية.. والفرق كبير بينهما خاصة ان من يطلقون على أنفسهم ب"السلفية الجهادية" يمثلون جماعات مسلحة تقدم مقاربات وأطروحات متشددة ولا تتعامل سوى بمنطق الكفر والإيمان والحسم عن طريق العنف والتصفية الجسدية مع كل من يخالفهم الرأي. وبخصوص اسباب ظهور هذه الفئة ما بعد الثورة فيعود إلى ان الفكر موجود دائما لكنه لم يجد المناخ للتغلغل في ظل عصرنة الدولة وتحديثها وظلت تلك الخلايا نائمة الى أن وجدت المناخ الملائم للظهور في ظل التصحر الفكري وضعف الإسلام المحلي. فبعد الثورة وفي ظل الرفض القطعي للسلطة وللحاكم وفي ظل وجود صدى للأفكار السلفية بكل تفريعاتها وألوانها في عقول عدد من شبابنا الذي يفتقد إلى مشروع فكري وحضاري يحفظ هوية المجتمع كان لا بد من الاتجاه نحو الطرف الآخر فكان انخراط شرائح من الشباب التونسي في ما أصبح يعرف بالسلفية الجهادية التي ظهرت بشكل أكبر في تونس خلال أحداث سليمان ديسمبر 2006 - جانفي 2007 ثم تلتها عديد الأحداث الأخرى بعد الثورة على غرار بئر علي بن خليفة والروحية وأخيرا مدنين..
* أيّ السبل أنجع للحدّ على الأقل من هذا المدّ السلفي الذي بات يشكل خطرا على بلادنا؟
- من الضروري على الحكومة التونسية الاحاطة بالشباب سواء منه المتدين ذو النزعات الجهادية أو من غادروا ارض الوطن والتحقوا بتنظيمات أجنبية وتمّ ترحيلهم وذلك عبر مراجعة فكرية وإعادة تأهيلهم للتأكد من أنهم لا يُمثلون خطرا على البلاد من خلال علاقاتهم ودعمهم للخلايا الجهادية النائمة الموجودة في تونس. المشكل أن المساجد لم تبق محايدة ولم تبق على الاقل تحت سيطرة الوزارة وبرامجها بل ان بعض الأئمة يدفعون في خطبهم شبابنا إلى الالتحاق بساحات القتال في سوريا ومالي. والطريف ان إماما في جهة صفاقس عرف عنه مثل هذه الدعوات ليتفاجأ منذ أيام بأن ابنه التحق بسوريا فكان ما كان منه من بكاء وعويل.. والمطلوب من الحكومة ايقاف مثل هذا الانفلات والحشد والتجييش الذي يمارسه الأئمة على الشباب التونسي بهدف تشجيعهم على حمل السلاح خارج الحدود تحت راية "الجهاد". الحسم عند الحركات السلفية الجهادية يكون أحيانا بمنطق التكفير واللجوء الى العنف والتصفية الجسدية وهذا أخطر شيء يمكن أن تصل اليه بلادنا. ان المدّ السلفي يتقلص كلما اتسع فضاء الحريات وانتشر العلم الصحيح.
رابطات حماية الثورة و"الفتنة"
* هل ان تونس مهددة بخطر الارهاب في ظل التحركات الاخيرة للقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على المستوى الداخلي أو الاقليمي؟
- لا توجد في تونس بنية تحتية للإرهاب. ووجود بعض الخلايا النائمة للقاعدة بتونس لا يتعدى العشرات تقدرها بعض التقارير بحوالي ثلاثين فردا. وتونس تعدّ لحدّ الآن منطقة عبور لا منطقة استقرار للقاعدة بحكم التضاريس الجغرافية للبلاد وبحكم عدم انتشار ثقافة التعصب الديني في تونس. كما ان تيار السلفية الجهادية بتونس والذي يعدّ بالمئات (800 حسب تقرير رسمي حكومي) لا يشكل خطورة على الأمن العام واعتقد انه ما أن تتوفر الظروف لتحسين أوضاع هؤلاء الجهاديين ماديا والتحاور معهم فكريا فان هناك امكانية كبيرة للتخفيف من غلوائهم وقد حصل هذا في عدة بلدان مغاربية عندما طرحت المراجعات الداخلية الفكرية والفقهية داخل هذه التنظيمات الجهادية. اما الخطر الحقيقي الذي يمكن ان يهدد الديمقراطية الناشئة في تونس فهو بقاء نشاط رابطات حماية الثورة كما ذكرنا. وما لم يسارع تيار الاسلام السياسي لحلها سواء عبر القضاء او عبر اقناع رموزها بحل انفسهم فان فتنة دينية وسياسية ستطل برأسها تذكرنا بما حصل في تونس في فترة الخمسينات والستينات.
* هل من مقارنة بين الاوضاع في كل من تونس ومصر وليبيا في ظل حكومات جديدة. وهل تعتقدون بوصفكم مختصا في التاريخ السياسي المغاربي والباحث المختص في الجماعات الاسلامية ان نظام الحكم وطريقته واحد في الدول الثلاث؟
- إجمالا فان مسار حكم الاسلاميين في بلدان الربيع العربي يكاد يكون متشابها. ففي مصر تشتكي المعارضة من تدخلات مرشد عام الاخوان في حكومة مرسي. وفي تونس تتحدث العديد من المصادر عن الدور الذي يقوم به الغنوشي في العمل الحكومي بطريقة غير مباشرة. ونضيف الى ذلك التماثل بين التيارات الاخوانية في العالم العربي في التعامل مع القضية الفلسطينية ودور الإسلاميين المرتقب في الشرق الاوسط الجديد والذي يطرح كثيرا من التساؤلات والاستفهامات. زيادة على ذلك سجلنا الاداء المتواضع على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي سواء موجة غلاء الاسعار وندرة عديد المواد الاساسية بالسوق او من خلال الانجاز المحدود للمشاريع التنموية بالجهات.
الوضع السياسي في تونس
* "الترويكا" الحاكمة دخلت في الايام الاخيرة مرحلة التنازع والتخاصم الداخلي.. وابتعد عنها كل أشكال التوافق.. فبماذا تفسر ذلك وهل تعتقدون أن ذلك يشكل عنصر صحة أم مرض يمكن أن يزيد ما أصاب البلاد من وهن؟
- ما يقلق اكثر هو فقدان السلطة لهيبتها. فالاعتداء على رموز الدولة بالحجارة او بالكلام الجارح مرفوض مهما كانت الاختلافات السياسية. لكن يجب ان لا ننسى ان لهذا الغضب جذوره الاجتماعية والسياسية فسيدي بوزيد مثلها مثل سليانة والقصرين والكاف وجندوبة والقيروان ومدن اخرى بالجنوب عانت من التهميش والغبن ولم تجد في سياسة الحكومة الحالية بداية حل جذري لمشاكلها فكان تحمسها في الاحتجاج تعبير عن حجم معاناتها. والتباعد الحاصل بين عناصر "الترويكا" الحاكمة انجر عن الرغبة في التخلص وعدم تحمل أعباء الاخطاء وأعباء الوضع الذي آلت إليه البلاد وموجة الاحتقان الحاصلة في عدد من مناطق البلاد عبارة عن دق ناقوس الخطر للسلطة الحالية ليذكرها بأنها ابتعدت عن اهداف الثورة وفي مقدمتها توفير الشغل الذي يحفظ الكرامة واهتمامها فقط بالمشاحنات الحزبية والصراعات السياسية. والصراع داخل "الترويكا" اضافة الى أنه صراع حول المناصب والحقائب فهو كذلك خوف وتبرؤ من الفشل المرتقب في الانتخابات القادمة إذا استمر أداء الحكومة على هذا الشكل.
* كيف تتصور مستقبل تونس في ما بعد الانتخابات القادمة وما هي السيناريوهات المتوقعة لحكومة ما بعد الانتخابات؟
- أعتقد ان المستعجل الآن هو الاتفاق على موعد نهائي للانتخابات لكن الاهم من ذلك كيف سندخل الانتخابات؟ هل سندخلها بهذا الكم الهائل من الاحتقان والمشاحنات ام ان الفرقاء السياسيين حكاما ومعارضة سيجلسون الى مائدة الحوار لتحديد حاضر تونس ومستقبلها قبل ان تزداد عوامل الازمة فنحن قادمون في 2013 على سنة مالية واقتصادية صعبة. فهل ستقدر الحكومة الحالية لوحدها على تحقيق التوازنات في الميدان التجاري والنهوض الحقيقي بالجهات المحرومة وحلحلة معضلة التشغيل واعادة الأمن للتونسيين وطمأنتهم على عدم تكرار ما حصل من اعتداءات على الافراد والممتلكات في الاشهر السابقة ومراجعة تسميات بعض المسؤولين في الادارات المركزية والمحافظات بما يُبعد عن البلاد خطر المحاصصة الحزبية وتأمين الحدّ الأدنى من عدم التداخل بين الحزب والدولة او ما نسميه بحياد الادارة.
أعتقد أن هذه التحديات تستوجب حكومة جديدة تكون حكومة كفاءات لا في المجال التقني فحسب بل وكذلك في وزارات السيادة. وحينها تصبح سياسة التوافق سياسة حقيقية وستغنم حركة النهضة كثيرا من هذا التمشي لانها ستبرهن على انها حزب ديمقراطي بغطاء مدني لا ديني. ومطروح على مثل هذه الحكومة فتح باب الاصلاح والمصالحة على مصراعيه من خلال سحب مشروع قانون تحصين الثورة وإبقاء المحاسبة بيد القضاء والشروع في الاجراءات لحل رابطات حماية الثورة ومنع تكوين أيّة جمعية مشابهة لها في المستقبل.
ان حكومة ما بعد الانتخابات يرجح ان تكون حكومة وحدة وطنية بالمعنى الصحيح تضمّ اسلاميين معتدلين من النهضة ويتوقع ان لا يتجاوزوا عتبة 25 بالمائة تضاف إليهم قوى وسطية من نداء تونس والحزب الجمهوري وبعض التيارات القومية واليسارية.
ان حكومة بهذه المواصفات تستعيد الامل في تحقيق اقلاع اقتصادي جديّ وستجذب استثمارات هائلة وستحدّ كثيرا من التوترات الاجتماعية والامنية وبذلك تعطي تونس إشارة قوية في أن الربيع العربي خرج من غيبوبته ووقف على رجليه وأعاد الأمل الى كل اليائسين من ان الديمقراطية والتسامح والتوافق والعدالة الاجتماعية ممكنة التحقيق في ظل عزيمة صادقة وإرادة حقيقية للتجاوز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.