الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    الكاتب العام الجهوي لنقابة التاكسي يروي تفاصيل تعرّض زميلهم الى "براكاج"    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة : اصابة 4 ركاب في إصطدام سيارتين    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    فتح تحقيق في وفاة مسترابة للطبيب المتوفّى بسجن بنزرت..محامي يوضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يمكن لأي فئة أو حزب أو حركة فرض أفكارها بالقوة
المفكر هشام جعيط ل"الصباح" 2-2
نشر في الصباح يوم 29 - 01 - 2013

نصيحتي للجبالي أن يفوض الأمور الإدارية لغيره وأن يهتم بالسياسة - عندما يتحقق الاستقرار يمكن أن نقول إن الثورة نجحت - حوار: آسيا العتروس - يواصل المفكر هشام جعيط في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي خص به «الصباح» والذي نشرنا الجزء الاول منه في عدد الأحد 27 جانفي
تقديم آرائه و مواقفه من القيم الانسانية والقوانين الى جانب مفهومه للحرية والديموقراطية وظاهرة السلفيين، كما يقدم قراءته الخاصة لتقسيم السلطات في الدستور وتنظيم العلاقة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية .
ويعتبر الدكتور والباحث هشام جعيط أن الشعوب تعودت تاريخيا على القائد الزعيم المتفرد بالسلطة وهو ما يظهر مجددا في مصر من خلال الصلاحيات الفرعونية التي منحها الاعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي. ويقول الدكتور جعيط «أن القوة ستعود بنا الى الدكتاتورية
ولذلك فإن الدولة وحدها يجب ان تتصدى للعنف».
كما يتطرق هذا الجزء الثاني والأخير من الحوار في جانب كبير منه الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاصلاح الاداري وضرورة اعادة الاستقرار المنشود للمشهد الراهن بهدف ضمان تحقيق أهداف الثورة، وذلك بالاعتماد على تجارب الاخرين. ويعتبر المفكر التونسي أنه لا بد من تصور سياسي، فهذا أمر ضروري لتكوين مؤسسات صحيحة. ويشدد على أن الجهات الجريحة والعاطلين يجب أن يشكلوا «أولوية الأولويات» للوصول الى الاستقرار المطلوب.
ولعله من المهم الاشارة الى أنك وأنت تحاور صرحا من صروح المعرفة في العالمين العربي والاسلامي وتتابع نظراته وهو يقرأ بكل تأن أفكاره لا تستطيع أن تمنع نفسك من استراق النظر الى ذلك الكنز الكبير المحيط به وتلك الآلاف المؤلفة من العناوين التي تؤثث مكتبه بين القديم والحديث في مختلف المجالات والبحوث والدراسات، فتقع على بعضها، وأنت تحاول أن تقرأ شخصية محدثك واهتماماته الأدبية والتاريخية وهو ينفث دخان سيجارته تباعا ويترشف قهوته السوداء ولا يتوانى بدوره عن السؤال عما آلت إليه الأوضاع في مؤسسة «دار الصباح» وعن المشهد الاعلامي ويتحفك بما لا تعلم عن علاقة بورقيبة بوسائل الاعلام ودعمه في فترات حرجة لمؤسس «دار الصباح» المرحوم الحبيب شيخ روحه ولبشير بن يحمد صاحب مجلة «جون أفريك» وحرصه على «استقلالية» الخط التحريري لتلك المؤسسات الاعلامية وفي نفس الوقت ضمان تأييدها له وقت الحاجة... وباستثناء كتب السيرة النبوية وغيرها من المؤلفات حول التاريخ الاسلامي ستجد بين تلك الكنوز من الكتب كتاب هشام شرابي «الجمر و الرماد» وعبد الله العروي «خواطر الصباح» ورشدي راشد في تاريخ العلوم و Max weber le savant et le politique ;yasmina khadra lattentat ;Giles kepel jihad ;Marcel Gauchet la condition historique وغير ذلك من العناوين التي تتمنى أن تنهال عليها...
حوار: آسيا العتروس -
* هل نعيش أزمة قيم أم أزمة أخلاق أم أزمة ضمير تجعلنا نواجه العنف بكل أنواعه؟
- هناك إفلاس ثقافي حاصل، ولكن القيم الانسانية تؤكد على العدالة والكرامة والمساواة بين المسلمين واحترام الذات البشرية وهي أمور هامة جدا، وهذا ليس فقط في الاسلام وفي المسيحية بل وفي غيرها من الأديان أيضا. والقيم في الواقع يستنبطنها المرء في تربيته وداخل ضميره وتكون له وازعا أساسيا في التضامن الانساني وسيرة الانسان في الحياة وهي أهم من القوانين، لكن تأخر العالم الاسلامي جعل الكثيرين يلهثون وراء بعض الفئات الهوجاء وهم لا يفهمون شيئا من الاسلام. انما الواقع أن الديموقراطية تعني الحرية وأنه لكل فرد أن تكون له نظريته في الامور، وحتى السلفيون لهم الحق أن يقولوا ما يشاؤون ولكن ليس لهم الحق إطلاقا في فرض أفكارهم بالقوة و العنف. وفي كل مجتمع الدولة وحدها من يتصدى للعنف وعندما تغض الطرف عنه فهذا أمر خطير ونأسف له.
صحيح أننا قد نتفهم الى حد ما هذا التردد إزاء الأمر في هذا الظرف الذي مازلنا نعيش معه حالة من الفوضى الى حد كبير، ولكن ليس تماما، ولا يمكن لأي فئة مختلفة، حركة كانت أو حزبا، أن يفرض أفكاره بالقوة.
نحن إذن إزاء أمر أساسي يمليه الشعور بالمسؤولية في مثل هذه المسائل .
* ومن يتحمل المسؤولية ازاء ما نشهده اليوم من تفاقم لمختلف مظاهر العنف؟
- أريد أن أنزه أناسا تألموا من الدكتاتورية ولهم مشاعر اسلامية ويعون الدين وسياسة المجتمع أن يقبلوا بهذا الامر، انما مرة أخرى يجب تنبيه الرأي العام التونسي الى أن كل شخص له الحق في التعبير السلمي عن الرأي بما في ذلك السلفيين، وهم في اعتقادي قلة. الديموقراطية تهم كل الناس والقوة سترجعنا الى الدكتاتورية وهي شر أخلاقي في حد ذاته .
* حددت فيما سبق المشهد السياسي في أربعة أحزاب سياسية دون الاشارة الى «نداء تونس» والحال أنه الحركة الأكثر إثارة للجدل اليوم، فهل يعني ذلك أن هذا الحزب لا موقع له في المشهد؟
- أبدا وأعتقد أنه من الضروري أن يوجد شيء مثل «نداء تونس» ضمن المشهد الواسع. أنا لا أريد تقييمه في أفكاره ولكن في اعتقادي أنه حزب له أتباعه وتوجهاته وخياراته أيضا، ولكني لا أعتقد أنه سيكون له دور كبير، بمعنى إني لا أعتقد أنه سيحظى بالأغلبية في الانتخابات ولا أرى هذا ممكنا.
* كيف يمكن أن يضمن الدستور مسألة الحريات؟
- إذا رجعنا للدستور سنجد أنه ليس مدخلا عاما الى المبادئ الأساسية فحسب، بل فيه أيضا عمل وتركيبة الدولة ومسيرتها... ولكن ما نراه حتى الآن أن الكل يجذب الأمور لنفسه وهذا وإن كان طبيعيا فليس بالمستحسن .
يجب التفاهم حول نظام معقول، والنظام المعقول لا يمكن أن يخلق من عدم، وهذا البلد، ككل البلدان، له ارث تاريخي وله تقاليده ومن جملتها أيضا مفهوم الرئاسة. ونحن عرفنا الملوكية وهي نوع من الرئاسة، وعرفنا الرئاسة السلطوية وجزء مهم من الشعب لم يفهم من الأول ألا يوجد رئيس بيده الحل والعقد، وإلى الآن هناك مطامع بالرئاسة... والحقيقة أن الملك يرواغ أحلام القادة السياسيين، فهم ليسوا متعودين على النظام البرلماني الذي يكون رئيس الحكومة فيه تابعا للبرلمان ومنفصلا عن الرئيس.
هنا الحقيقة، رصيدنا أقل وطأة من الانظمة الاخرى، فالرئيس يصبح بصلاحياته المطلقة دكتاتورا، ولو أننا نظرنا الى ما يحدث اليوم في مصر في الذكرى الثانية للثورة سنجد أن مفهوم الرئيس والدكتاتورية يرجع للفراعنة، ولهذا نرى الاحتجاجات العارمة في هذا البلد على تركيبة الرئيس والاخوان ورفضا قويا لما يحدث، فالثورة أدخلت انقطاعا في مسار التاريخ وأتت بالجديد. ونحن - وأعود الآن إلى تونس - باتخاذنا مفهوم الثالوث الحاكم الذي يتقمص الدولة أكثر تطورا من مصر لأن رئيسنا بلا سلطة قوية من جهة تسيير الادارة والسياسة اليومية، أي الوزارات، انما التخوف كل التخوف أن يحصل السطو على مفهوم الدولة من طرف حكومة تتألف من حزب واحد. ثم اننا لسنا متعودين كبريطانيا مثلا على النظام البرلماني. وفي رأيي من المهم أن يقع اقتسام الحكم في الدستور فيما بعد على أساس محدد.
* كيف يمكن ذلك؟
- أولا، يجب أن يكون في الدولة مرجعا ورمزا للبلاد، ومن هذا المنطلق يكون الرئيس رمز الدولة ورمز الأمة. وأعتقد أن علينا أن نستنبط مفهوما للرئاسة يكون للرئيس فيها دور، وبما أننا شعب يقلد كثيرا فرنسا فلا بأس، وهذه وجهة نظري، أن يكون للرئيس مستقبلا سلطة على الدفاع الوطني وعلى الشؤون الخارجية ونوع من الأولوية.
وبالنسبة لرئيس الحكومة، الذي لديه ادارة الشؤون الادارية للبلاد، أن تكون له مسؤولية هامة في سياسة الامور. وفي هذا الشأن للرئيس إمكانية إعطاء خارطة طريق، كذلك لا بد أن يكون رئيس الحكومة مسؤولا لدى البرلمان لكي يتدخل في اعطاء خارطة طريق للحكومة والخطوط العريضة للسياسة الداخلية ويجب ايجاد صيغة لهذا وهي ليست صيغة صعبة للتوافق بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة. ثم وفي قناعتي الخاصة انه من الافضل أن يكون الرئيس منتخبا من الشعب وتكون له شرعيته، ولكن من جهة أخرى وسواء كان رئيس الحكومة يمثل حزبا منتخبا في البرلمان أو الائتلاف الحاكم، فإني أتخوف دائما من الحزب الوحيد، والأفضل أن يكون رئيس الحكومة يترأس ائتلافا غير متسع من الأحزاب وتكون صلة التفاهم قوية بين الثالوث مثلا ويكون رئيس الحكومة رئيسا للحكومة والبرلمان وكلهم يمثلون بذلك الشرعية المتأتية من الشعب.
خلاصة القول أن المسألة ليست مسألة نصوص، فالنصوص قاعدة، والمسألة في تطبيق الامور ويتكون بالتالي من هذا التطبيق تقليد وبالتالي نسير في خطى ان شاء الله لتكوين جمهورية ديموقراطية وتكون هذه الجمهورية متزنة ومستقرة. وعندما يتم الاستقرار بعد سنوات يمكن القول أن الثورة نجحت وتكون تونس وغيرها من الدول العربية دخلت سياسيا العصر الحديث، والعصر الحديث ليس قيمة عليا في حد ذاته ولكنه الامر الواقع الذي تتجه نحوه شعوب العالم في من حولنا في عصر العولمة.
* من هذا المنظور، كيف ترى مستقبل تونس؟
- إذا اتفقوا على الدستور وإذا حدثت الانتخابات في نهاية العام وجرت الامور كما أتصور وحصل اتفاق، فيجب أن يتجه العمل لإصلاح ما هو اقتصادي واجتماعي، ولا ننسى أن كل شيء مؤقت في الحياة وليس هذه الحكومة فقط. فنحن أمام واقع اقتصادي صعب ومن الطبيعي في الظروف التي نعيشها أن نشهد مثل هذا الانحدار، ولكن لا يمكن أن تبقى جهات في البلاد في حالة من الفاقة والجوع وهذا أمر غير مقبول بالمرة ولا يمكن أن يستمر .
* ما البديل، وكيف الخروج من هذا الوضع والحال أن المطالب الاحتجاجية تتزايد؟
- قلت رأيي منذ البداية... الجهات المتألمة من الوضع الاقتصادي لها الاولوية، والادوية الكلاسيكية لا يمكن اليوم تطبيقها والاستثمارات وغيرها من الحلول تتطلب وقتا وهدوءا ومن الضروري أن تقدم حلول جريئة ومستنبطة لفائدة العاطلين عن العمل في الجهات ورصد قيمة مالية أكبر لفائدة هؤلاء، وأشير الى أن منحة البطالة مسألة ضرورية وليست ترفا لتحقيق كرامة هؤلاء.
قسم كبير من الشعب في حالة يرثى لها من الفاقة والبطالة تتفاقم وهي أصل الاضطرابات ولا يمكن ان يستقيم نظام جمهوري ويكون مستقرا في حالة الفوضى .
* ولكن، ألا يمكن أن يزيد ذلك أعباء الدولة ويدفع الى البحث عن الحلول الاسهل ومنطق المساعدات فيزول منطق الاجتهاد والعمل كقيمة من القيم الضرورية للنجاح؟
- هذه ليست بالحلول السهلة، فتخصيص جراية للعاطلين بمائتي دينار مثلا، يمكن أن تساعد على التوجه نحو الاستقرار. فقسم كبير من الناس في حالة غليان والمؤسف أن خبراء الاقتصاد عندنا، ورغم أنهم تربوا في الغرب واكتسبوا المعارف هناك، فإنهم ظلوا كلاسيكيين في تفكيرهم. ومن هنا أود التوقف عند تجربة فرنسا مع الجراية المخصصة للعاطلين، ولولا هذه الخطوة لشهدت فرنسا ثورة جديدة. وقد توصلت حكومة ميشال روكار الى حل لمساعدة الاكثر فقرا وتجنب بالتالي - انفجار اجتماعي وشيك حيث تم اقرار ما اصطلح عليه آنذاك revenu minimum dinsertion (rmi) وهي منحة اجتماعية لضمان الحد الادنى للمعوزين لفائدة مليوني فرنسي من عديمي الدخل، وقد استمر بها العمل من 1988 الى 2009 قبل أن يقع مراجعتها وإقرارها بrevenu de solidarite active (rsa) وذلك بعد مراجعة مفهومها الفلسفي وأبعادها وهي محددة في شروطها وفي مدتها.
وينبغي أن ندرك أن العالم في حالة أزمة اقتصادية ونحن جزء من هذا العالم ونتحمل كذلك تداعيات الأزمات الاقتصادية ولا مجال للتعويل على التضامن العربي فلا تضامن بين الدول العربية ولا أمل فيها. أما أوروبا وأمريكا - التي يمكن أن تساعد في بعض الاحيان - فهي أيضا في أزمة، ثم انها غير مرتاحة للوضع الذي باتت فيع دول الربيع العربي .
الاعتماد في المقابل سيكون على المؤسسات الدولية ومنها البنك الدولي والبنك الافريقي، وأكرر ان الاخوان العرب لا اعتماد عليهم .
* حتى الحليف القطري؟
- هؤلاء يساومون ولا يريدون غير مصالحهم. لكن لدينا في المقابل صفة التلميذ الجيد في التعامل مع المؤسسات الدولية، بمعنى أن تونس تلتزم بتسديد ديونها ووفية لالتزاماتها وهذه شهادة جيدة بالنسبة لبلدنا ويمكن استثمارها من جانب وزارة المالية، كما البنك المركزي، ولا بأس أيضا أن يتم التشاور في ذلك مع الحكومة وحتى رئاسة الجمهورية من أجل اعتماد الليونة في تسديد ديون تونس وربما تأجيلها وهذا الامر يجب طرحه اليوم وقبل موعد الانتخابات، ولا يمكن ايضا الانتظار حتى الانتهاء من الدستور.
السبب أننا في حاجة للاستقرار ومنح تونس هذه الأولوية سيساعد على الاستقرار اذ بدون استقرار لا مجال للتقدم. فالحكومة تسير بصفة كلاسيكية وكأن الأمور في البلاد عادية. هناك أمور استعجالية، والمشكلة الأخرى أن إدارتنا بطيئة في كل الأمور. بإمكان الحكومة تكوين جهاز سريع لكل هذا درءا لمزيد الاضطراب.
* ولكن المسؤولين يتحدثون في كل المناسبات، وحتى في غير مناسبات، عن عائدات المؤسسات المصادرة والأموال المهربة، وهذا يجعل المطالب الشعبية تتزايد، فهل يمكن التعويل على هذه المصادر لإنقاذ الاقتصاد؟
-لا يمكن الاعتماد على الأموال المهربة (هذي حكاية فارغة)... الناس مرضى جراء النقاشات السياسية ولا يمكن حل المشاكل ببيع الأوهام، كما لا يمكن التعامل مع مطالب ابناء الشمال والجنوب بالقوة... هذا خطأ كبير.
ومن جهة أخرى أيضا، لا بد من خطاب سياسي جريء ولا بد من توعية الناس ومن الاهتمام بهذه الامور الحاصلة في الجهات، وتجربة المنحة ضرورية ولا غنى عنها.
حتى لو استقامت الأمور وكتب الدستور وقامت مؤسسات مستقرة ودائمة، سيبقى المشكل الاجتماعي قائما. فنحن لا نزال في مرحلة لا يمكن التعويل فيها على أصحاب الاموال والاستثمارات الداخلية. هناك أمور واقعية ولا بد من استخلاص العبر منها، والاستثمارات الخارجية لا تزال مترددة. لا بد اذن من تصور سياسي وهذا ضروري جدا وهو الشرط الاساسي لتكوين مؤسسات قوية، وللأسف نحن شعب سريالي ويتخبط في الجدالات العقيمة .
* لو نتحدث عن الأولويات؟
- الاصلاح الاداري أساسي، وما حدث حتى الآن لم يقدم المطلوب. لدينا ادارة مأخوذة عن فرنسا من عهد الاستعمار ولم تتطور بعد. الادارة أساسية لكن المسائل السياسية تتجاوزها، ونصيحتي لرئيس الحكومة أن يترك كل ما هو إداري لغيره وأن يهتم بالشؤون السياسية، فهناك يوميا قرارات إدارية يوقعها وهذا أمر كان في السابق حاصل ومن مشمولات رئيس الجمهورية .
* وماذا بشأن الخبرة المطلوبة في العمل السياسي؟
- التجربة وحدها لا تكفي، والشعب قال لا لبن علي وجماعته الذين لديهم التجربة. هناك صعوبات كثيرة بالتأكيد وتونس الماضي ليست تونس الحاضر. هناك فكرة سائدة أن من ضحى بحياته لديه استحقاق في الحكم والنضالية قديمة وهذا ينسحب على مصر أيضا وفي اعتقادي أن الحكام الجدد سياسيون ومهنيون وبدؤوا يكتسبون الخبرة، فالرئيس المؤقت مثلا معارض سياسي وهذا منذ سنوات طويلة، وبعد المعارضة أصبح في الحكم والمعارضة ليست الحكم، وبن جعفر كذلك معارض وكان له موقعه على الساحة، ولو أنه لم يدخل السجن. ربما يصح القول أننا بلد صغير ولكننا لدينا الكثير من السياسيين.
* الشعب كله اليوم يتحدث في السياسة... هل هذا أمر طبيعي؟
- من الطبيعي أن يهتم البشر بشؤون بلادهم، فقد عشنا فترة طويلة الدولة كل شيء، وتاريخيا كل شيء يعتمد على الدولة ولكن غير ذلك في أمريكا مثلا، فالمجتمع أقوى من الدولة وهناك أصحاب الأموال والمؤسسات المالية والاقتصادية أقوى من الدولة وامكانياتها الاقتصادية تتجاوز امكانيات الدولة، ثم ان المجتمع مهيكل، ومن هنا فإن الدولة نراها تتدخل كثيرا في حالات استثنائية، من ذلك ما حدث في الكونغرس لتجاوز الأزمة الراهنة بين الجمهوريين والديموقراطيين وتجنب الهاوية المالية.
فرنسا مثال آخر ووضعية مختلفة والدولة كان لها في تاريخها دوما دور مهم في كل ما يتعلق بالاقتصاد الخاص الذي يمثل اليوم قلب الرأسمالية.
نستعرض كل هذا لأنه لا بد من الوصول الى درجة من الاستقرار وتجنب مزيد الاضطراب .
* التونسي اليوم خائف والكثيرون يبحثون عن الهجرة وانقاذ مستقبل أبنائهم، أو هذا على الاقل ما يقولونه، فما هو تعليق الدكتور هشام جعيط وهو الذي وجد نفسه في وقت من الأوقات يختار المنفى القسري بسبب التضييقات على أصحاب الفكر والنخب؟
-فعلا، كنت في مرحلة من حياتي مدفوعا الى المنفى الاختياري وهذا ليس بالمصطلح الجديد و يعود الى التضييقات وغيرها من الممارسات التي اعتمدها النظام السابق، ولكن قناعتي أنه لا يوجد بعدُ سبب للخوف.
قبل عامين كنا نسمع الكثير من المخاوف بأن المرأة لن تستطيع الخروج بدون حجاب وأنه سيمنع الخمر نهائيا في البلاد وغير ذلك من المخاوف، ولكن لا شيء حدث من ذلك وما نراه اليوم أن الكل حر في ممارسة خياراته وطريقته في الحياة، وهذا ما يجب احترامه.
ما نلمسه اليوم، وهذه حقيقة، أن هناك حرية وأشعر بالفرق الحاصل فيما تقدمه وسائل الاعلام وبالجهود في مجال صحافة الاستقصاء والصحافة المكتوبة والفرق شاسع وواضح بين ما كان موجودا وبين ما هو قائم اليوم ولا أعتقد ان هذا الامر قابل للتراجع مع أني لا أتابع كل الصحف.
* سؤال أخير قبل أن نختم هذا اللقاء، هل طلب منك الانضمام الى الحكومة؟
-أبدا لم يحدث مثل هذا الأمر...
* وهل تقبل بذلك لو عرض عليك؟
-لا أقبل الدخول في حكومة كيفما كانت ولو كانت أفضل الحكومات في التاريخ. سأبقى مستقلا في تفكيري وبحوثي واهتماماتي ودراساتي الاكاديمية، ولا يمكن أن أتقيد بشيء رسمي، وحتى في بيت الحكمة أقوم بما يريحني ويقدم لي الاضافة وأنا مرتاح لذلك واستقلاليتي لا تنازل عنها.
انتهى

من هو هشام جعيط؟
هشام جعيط، من مواليد 6 ديسمبر 1935 كاتب ومؤرخ ومفكر تونسي باحث في التاريخ الاسلامي .تخصّص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وهو أستاذ شرفي بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
من مؤلّفاته:
الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، بالفرنسية، 1974
أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة، بالفرنسية، 1978
الكوفة: نشاة المدينة العربية الإسلامية، بالعربية والفرنسية، 1986
الفتنة: جدليّة الدّين والسّياسة في الإسلام المبكّر، بالفرنسية، 1989، بالعربية 2002
في السيرة النبوية - 1 - الوحي والقرآن والنّبوّة 1999
أزمة الثقافة الإسلامية 2001
في السيرة النبوية - 2 - تاريخية الدعوة المحمدية 2006
في السيرة النبوية 3 حياة محمد سيرة النبي في المدينة وانتصار الاسلام 2012.عين المفكر هشام جعيط قبل عام مديرا لبيت الحكمة المجمع التونسي للعلوم و الاداب و الفنون .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.