- خلال تصفّحي لحوار أجرته صحيفتكم الغرّاء يوم 2013/01/03 مع أحد الكوادرالقيادية السّابقة لحركة النّهضة ، لفتت انتباهي في الحوار كلمة جميلة مفادها أنّ: "حركة النهضة أضحت كسفينة نسي ربّانها صانعيها "، وهذا تعبيرعميق المعاني عن حال أولئك الشباب الذين اندفعوا في مطلع التسعينات من القرن الماضي وأرعبوا بشجاعتهم وجرأتهم نظام بن علي وكانوا وقودا لحرب غيرمتكافئة بينه وبين قياديي حركة النهضة آنذاك الذين هم أنفسهم الماسكون الآن بدفّة القرار . إنّ اعتصام الصّمود بساحة الحكومة بالقصبة لطلب تفعيل مقتضيات مرسوم العفوالتشريعي العام يقع تنفيذه من طرف أولئك الشباب الذين كانوا وقودا لتلك الحرب ، وخاصّة ذلك الشباب الذي انفلت عقاله لمّا كانت القيادات في السّجون آنذاك. هذا الشّباب الذي إلى حدّ الآن ما زال عقاله منفلتا ولكنه انفلات في صيغة أخرى هي صيغة الوضع المزري والمهانة والتّنكّرمن القريب قبل البعيد ، ومن الربان قبل الوافدين الجدد ، ومن أهل الدّارقبل الغرباء والأعداء . نعم يا سادتي الكرام ، هذه حال صنّاع السّفينة وهي قضيّة تستحقّ الاعتناء وملف واسع يجب أن يفتح رسميا من حركة النّهضة أوّلا وقبل كلّ شيء ولا يقع انتظارما ستجلبه لهؤلاء منظومة العدالة الانتقاليّة، لأنّه كما يقال في المثل: "ما حكّ جلدك مثل ظفرك فتولّ وحدك جميع أمرك ". فالحركة التي تحتفي الآن بالحرفاء لا يمكن لها أن تنسى صانعي السفينة تحت أيّ ظرف إذ لا بدّ على الأقل من حلّ داخلي لهؤلاء. هذا رأي ومن جهة أخرى ، فإنّ رأيا آخربدأ يتبلور ويرى ضرورة إخراج هذه القضيّة من نطاقها الحزبي إلى النّطاق الوطني، لأنّ حصرها في التجاذبات السياسيّة كادت تقضي عليها كمشروع أو تكاد ، بل جعلت منها موضوعا للمزايدات والمتضرّرالوحيد من ذلك كلّه هم أصحاب هذه القضيّة لوحدهم . فإذا كان حسين الديماسي الوزيرالتابع للترويكا لم يشأ أن يستقيل دون أن يغطّي على فشله بالصّيحة التي قيل عنها آنذاك إنّها قنبلة فجّرها للرأي العام وهي قضيّة التعويضات لمساجين العفوالعام وادّعاؤه بعزم الحكومة تمريرها تفعيلا للمرسوم عدد1 الصادرإثر الثّورة ، فإذا كان هذا هو موقف وزيرالترويكا ، النّقابي القديم ، فإننا بذلك لا نستغرب من مواقف الأطراف الآخرين . وما كان لهؤلاء أن يكون موقفهم هكذا لوأنّ قضيّة التعويضات وضعت في إطارها الصّحيح ، وهوالإطارالوطني؛ ذلك أنّه بطريقة أو بأخرى شاءت مجريات الأحداث أن يسقط هذا المرسوم في إطار التجاذبات السياسيّة والحال أنّه يشكّل قضيّة وطنيّة يجب لها أن توضع فوق الأحزاب. ولذلك ترى الناطق الرسمي لاعتصام الصمود بالقصبة يؤكّد الآن على هذا المعطى وينطلق في بياناته من هذه الأرضيّة ، ويبيّن أنّ الإطارالذي تنزّل فيه هوالإطار الوطني حيث اعتبره واضعوه آنذاك أولى استحقاقات الثّورة باعتباره كان أوّل مرسوم يصدربعد الثّورة . ولذلك أيضا مهما كانت تمظهراته في غالبها لفائدة فئة حزبيّة دون أخرى، فإنّ هذا لا يهمّ مادام تفعيله هومن بين تفاعيل أهداف واستحقاقات الثّورة، بل هوأهم مطلب ما قبل الثّورة. فالعفو التشريعي العام كان من المطالب التي أجمعت عليها توافقات هيئة 18 أكتوبر 2005 . وهذا في حقيقة الأمرما كان يجب أن يكون . أنظروا إلى بورقيبة رحمه الله كيف وضع قضيّة المناضلين في سياقها الحقيقي. فحين ظفرالشعب التونسي بالإستقلال بادرودون تأخير إلى تكريم المناضلين ليس بالمجاملات فقط وإنّما كرّمهم فعليّا وكرّم أرامل شهداء الحركة الوطنيّة، وأصبح المناضلون يدخلون عليه في أيّ وقت وبدون حجاب. وكان بورقيبة في تكريمه لهم يكرّم النّضال من أجل الوطن وهوفي ذلك التكريم يمثّل الدّولة إضافة إلى الحزب ربّما كان الأمرفي بدايته له علاقة تأثيروتأثّربالأزمة اليوسفيّة آنذاك أي في إطارالصّراع الداخلي للشقّين البورقيبي واليوسفي ولكنّ الأمربعد ذلك لم ينقطع بل استمرّ وتطوّر وتنظّم أكثر واستقرّ .. أذكر، فيما أذكر، القايد العجيمي بن مبروك ، قايد " فلاقة "جلاص ، كان يعامله بورقيبة في هذا الإطاربل إنّ ابنه البكرتمّ تكريمه لأجل خاطروالده وجعله نائبا بمجلس النّواب يكاد يكون مدى الحياة حيث قضى أكثرمن ثلاث دورات متتالية بالمجلس. كذلك فقد فرض بورقيبة للمناضلين والذين كان يسمّيهم بالمقاومين منحة شهريّة مدى الحياة تنتقل لأراملهم . وكان للمقاومين من يمثّلهم بجميع الهياكل الحزبيّة والرسمية للدولة حيث نذكرالفرجاني بلحاج عمّار، ذلك المناضل الأمّي الذي أعطاه بورقيبة الوزارة . وحتّى في نظام بن علي لم يقدرهذا الأخيرأن يوقف هذه الامتيازات؛ بل بالعكس ، فعلى ما أذكرأنّ من يسمّون ب"المطاوى" الآن نسبة إلى حومة المطويين في العاصمة ( بباب الخضراء حيث نهج ترنجة ونهج أم السعد يحي ونهج خديجة رابح وهنّ أسماء مناضلات في الحركة الوطنيّة من المطويين ) قلت كان هؤلاء يتفاخرون في اجتماعاتهم بدورهم البارز في الحركة الوطنيّة منذ بداياتها الأولى في أحداث الجلاّز 1911 وأحداث الترومواي 1912 بالعاصمة حيث كان أغلبهم من عملة الرصيف وكانوا يعتبرون أنّ بورقيبة لم يعطهم حقّهم واعتبارهم الكامل وتجاهل نضالهم ومقاومتهم ودورهم الوطني في معركة التحريرفكان أن فرضوا بطريقة أو بأخرى على بن علي احترامهم والاعتراف بهم وإعادة الاعتبارإليهم حيث عيّن منهم ثلاثة وزراء في عهده هم (عبد الحميد بالشيخ والصادق رابح والحبيب بن يحي..) إضافة إلى التعيينات السامية الأخرى. حقوقي