كان يفترض أن اغتيال شكري بلعيد وجنازته المهيبة قد يؤكدان وحدة التونسيين على هدف واحد وهو إنقاذ البلاد من كل أشكال غياب الاستقرار التي تهدده ومن أجل تحرره من نير العنف والظلامية.. وكان يفترض أيضا أننا بمواراة شكري بلعيد التراب بروضة الشهداء قد توحدنا أيضا على دفن منسوب الكراهية الذي أدّى في السابق إلى الاعتداءات على السياسيين والاجتماعات والشخصيات وحتى على هيبة الدولة من أجل مستقبل جديد لبلد لملم جراحه ورتق الفتق بين الفرقاء وجميع الأطياف والطبقات والشخصيات بما في ذلك رئيس الحكومة حمادي الجبالي، الذي سرّع اغتيال شكري بلعيد في مساعيه لتشكيل حكومة غير متحزبة في انتظار الانتخابات وهو موقف شجاع لرئيس الحكومة باركه وسانده الأغلبية فالوضع الراهن للبلاد يقتضي إبعاد الحكومة عن التجاذبات السياسية والمحاصصة الحزبية التي أدت إلى تطويل وتمطيط التحوير الوزاري بسبب صراع أحزاب "الترويكا" على الحقائب. ومن المؤكد أن اغتيال شكري بلعيد قد كشف كل مساوئ التجاذبات السياسية في بلد طري العظم بعد ثورة قدم فيها شهداء وجرحى وتكاليف باهظة اقتصاديا واجتماعيا.. واذا كنا نريد الشرعية الانتخابية اليوم فإن الشرعية الأكبر هي تلبية نداء الواجب والعمل على امتصاص الاحتقان وتغيير هذه الحكومة من أجل رجة ايجابية خاصة ان جل وزرائها قد كلت الأعين من النظر إليهم، فلا شيء تغير على أيديهم بل انقدنا إلى منزلقات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة بسبب المحاصصة الحزبية وصراع المعارضة وكان حريا برموز حركة "النهضة" أن يكونوا أول المساندين لمبادرة رئيس الحكومة، فقد أكد حمادي الجبالي أن البلاد تنقاد نحو المجهول اذا تواصل الوضع على ما هو عليه. ومما لا يختلف فيه عاقلان، أن أرقى درجات الشرعية هي الانحياز لمصلحة البلاد بغاية انقاذها فالمرحلة تقتضي توحيد الجهود بدل انقسام في الآراء والمواقف وأيضا بدل التشبث بمواقع في الحكومة فالتجربة أكدت أن "الترويكا" قد ترهلت بسبب الكرسي والوضع يفترض ضخ هذه الحكومة بدماء جديدة فداء لروح الشهداء ودم المناضل شكري بلعيد.. فلنتوحد من أجل هذا الهدف بدل التوحد من أجل شرعية أحزاب حاكمة.