- لا أدري لماذا كنت أتوقع العنف كلغة يستخدمها البعض مع خصومهم ، كنت أتحدث بهذا مع أحد أبناء تونس قبل حادثة إغتيال شكري بلعيد بأيام قليلة، ربما لأنني أستحضر دائما مشاهد تاريخية بعيدة منها وقريبة توحي بأن البعض لا يؤمن بالحوار بقدر ما إنه يجنح صوب التصفية الجسدية متوهما بأنها قادرة على أن تمنحه فرصة البقاء أكثر مما يجب أن يبقى. ومنذ تهاوي بن علي والبعض أدخل تونس في أنفاق مظلمة، وها هم اليوم يدخلونها نفق آخر عبر إغتيال شكري بلعيد، الرجل الذي طالما حذر من العنف وبلعيد من وجهة نظر الكثير من التونسيين يمثل الوجه الحقيقي لتونس الحالمة بدولة مدنية، وأحزاب ديمقراطية لا تحاول إعادة نظام الخلافة إلى بلد ظل يرفع شعار العلمانية ووزراء التكنوقراط، بلد لم ينحصر في هوية واحدة ولم يعرف للعنف طريقا ولغة يتحاور بها الخصوم مع بعضهم. ولعل إغتيال بلعيد يحمل رسائل كثيرة، أولها بأن عملية اغتياله رسالة لكل المعارضين لمسارات بناء الدولة على مقاسات معينة وبعيدة جدا عما يريده التوانسة لدولتهم، وهي رسالة خطرة جدا لأنها تفتح الباب على مصراعيه ليكون العنف اللغة السائدة في بلد لم يشهد عنفا منذ عقود طويلة. وبكل تأكيد فإن أصابع الإتهام توجه لخصوم بلعيد خاصة وإن الرجل قبل يوم من مقتله حذر من العنف وكأنه كان يتوقع ذلك. أما الرسالة الثانية وهي الأكثر خطورة تكمن بأن من يقف وراء إغتيال شكري بلعيد يُخير الشعب التونسي بين الفوضى والعنف وبين ترك بناء الدولة للنهضة، خاصة وإنها تسعى لأن تعيد البلد لقرون بعيدة جدا، في ظل تنامي موجة رافضة لها خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان ومحاولة اختصار الهوية التونسية بهوية واحدة وهو الأمر خرجت لأجله المظاهرات في عموم تونس التي يشعر شعبنا بأن الثورة سرقت منه في وضح النهار. سيناريو الفوضى، سيناريو خطر جدا، وأبرز مخاطره بأنه ينال من المواطن عبر النيل من أمنه، وهو ما ينعكس على الاقتصاد التونسي الذي يتدهور يوما بعد آخر، ولا أعتقد بأن حركة النهضة وحكومتها قادرة على أن تنتشل تونس من أزماتها لسبب بسيط جدا بأنها – أي النهضة – جزء من الأزمة وبالتالي يصبح من الصعب أن تكون جزءا من الحل. إذن تونس أمام سيناريو يعده البعض، هذا السيناريو كما قلنا قائم على (تخويف الشعب) من إن العنف قادم، والشعب التونسي شعب مسالم، بل صانع للسلام، ومتسامح لدرجة بأن إغتيال شخصية مثل شكري بلعيد يمثل صدمة كبيرة للشارع التونسي الذي ظل يتوجس خيفة من القادم، لكنه لم يكن يتوقع بأن القادم سيكون أسلوب بن علي في تصفية خصومه، لكن بن علي رحل، وأساليبه ظلت موجودة في عقلية أصحاب القرار في هذا البلد وما حصل لشكري بلعيد قد يحصل لغيره من المعارضين الذين لا تجمعهم أدنى القواسم المشتركة مع حركة النهضة التي تحاول أن تختصر كل تونس في فكرها وطريقتها وتحاول أن تبني دولة لا تصلح إلا لمقاساتها هي بغض النظر عن مدى مقبولية ذلك من أغلبية التوانسة الذي كانوا يحلمون بدولة مدنية تحافظ على مكانة تونس ودورها وتدعم اقتصادها.