كانت إيران قبل ثورة شباط فيفري 1979 ترزح تحت نظام الشاه الذي انغمس في ملذاته وأدار ظهره لشعبه تاركا إياه يواجه الفقر والأمية.. الشاه عاش حياة بذخ لا يوصف، فشيّد القصور للإقامة والسياحة والزيارة لخاصة نفسه وعائلته، واقتنى أغلى أنواع السيارات في تلك الفترة بعد أن خلف والده إثر إطاحة قوى التحالف برضا بهلوي خوفاً من جنوحه ناحية هتلر في الحرب العالمية الثانية وتزويده بالنفط.. ونظرا لهشاشة نظامه وضعف حكمه وفقدانه الشعبية، عانت إيران من اضطرابات سياسية بعد الحرب العالمية الثانية انتهت بإقدام رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدّق على إرغام الشاه محمد رضا بهلوي على مغادرة إيران، غير أنه نجح في العودة إلى طهران بانقلاب مضاد بمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية واستعاد عرش إيران وجنح إلى حياة اللهو والبذخ والاستبداد والظلم فشيد ستة قصور في العاصمة الإيرانية من بينها سعد آباد ونياواران وتوب خانه إضافة إلى قصرين بالعاصمة التاريخية اصفهان أحدهما يسمى"تشهل ستون" والثاني"علي قابو". "الصباح" زارت أحد هذه القصور بمدينة طهران، التي شيدت في ظل نظام دموي أسقطته الثورة الإسلامية لكنها قررت عدم التفريط فيها بالبيع رغم الإغراءات التي تلقتها وحولتها إلى متاحف أصبحت قبلة آلاف الزوار، إن لم نقل مئات الآلاف، سنويا من الخارج والداخل، تدر المليارات على الدولة وتنشط الحركة السياحية والتجارية والثقافية. أوجه شبه... بعض هذه القصور، أو لنقل على الأقل القصر الذي زارته"الصباح"، شبيه في منافذه الخارجية وأسواره الحديدية بقصري دار السعادة وقرطاج ويرجح أنه شيد في نفس الفترة تقريبا خاصة وأن شاه إيران كان على علاقة صداقة -حسب ما تردد- بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ويعتقد أنه أعجب بالأسوار والأبواب الحديدية لقصري قرطاج ودار السعادة فقام بصنع أسوار وأبواب عدد من قصوره بإيران على نفس الشاكلة تقريبا. نظام البذخ قصور الشاه المشيدة على هكتارات من الأراضي في أبرز المواقع بطهران وأصفهان تضم حدائق شاسعة يتوسطها الجناح الملكي المخصص لعائلة الشاه والجناح الوزاري المخصص للوزراء إضافة إلى جناح خاص بالأكل... وداخل كل هذه الأجنحة قاعات فسيحة وغرف نوم ومكتبات وقاعات علاج وقاعات رياضة تعود كل الأغراض المعروضة فيها للشاه ولعائلته، ويبرز فيها مدى بذخ هذه العائلة التي حكمت الإيرانيين بالحديد والنار باعتماد نظام بوليسي شبيه بنظام المخلوع بن علي، ركيزته البوليس السياسي (الشرطة السرية)، وهو ما يفسر سهولة خلعه بعد أيام من اندلاع ثورة فيفري 1979 وفراره إلى الخارج، فقد أُرغم الشاه على مغادرة إيران للمرة الثانية ولكن هذه المرة (1979) إلى غير رجعة، إثر اضطرابات شعبية هائلة ومظاهرات عارمة في العاصمة طهران ضد اضطهاده وظلمه. موروث ثقافي وحضاري الإيرانيون يصرون اليوم على أن يصل موروثهم الثقافي والحضاري إلى كل أصقاع الدنيا... ففي حدائق بعض هذه القصور-المتاحف، تنتصب بعض الخيم المختصة في تقديم المأكولات الإيرانية للزوار على غرار أنواع الخبز الإيراني والشوربة، وذلك في إطار تسويق للعادات والتقاليد الإيرانية، كما يحرص الإيرانيون داخل هذه الفضاءات على الترويج للسجاد الفارسي الذي تجاوز طهران ليصبح "ماركة" عالمية يتباهى الأثرياء في كل بقاع العالم باقتنائها... تونس تتقاسم مع إيران التجربة السياسية من خلال إسقاط الدكتاتورية، غير أن أحفاد الصفويين استطاعوا أن يحولوا قصور"شاههم" إلى متاحف تدر عليهم المليارات، فيما لم نحسم نحن في مصير ممتلكات الدكتاتور المخلوع بل ونعرض بعضها للبيع...