يملك الرئيس الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي ميزة يعترف له بها القاصي والداني تتمثل في أن كل شيء أصبح منذ توليه قيادة بلاده في ربيع السنة الماضية يثير الإهتمام والفضول ويكون محل متابعة بالداخل والخارج. ويبدو الرئيس الفرنسي متأثرا بشكل كبير بالثقافة الأمريكية التي تجعل كل شيئ قابلا للفرجة. وهو يكون بذلك قد وفى بعهده فيما يخص القطيعة التي لوح بها خلال كامل حملته الإنتخابية. مع سابقيه ممن تعاقبوا على قصر الإليزي سواء من اليسار أو من اليمين ولكن القطيعة المعلنة تشمل أيضا حتى اليمين وبالتحديد مع الجناح الذي يستلهم عمله من الفكر السياسي الديغولي (نسبة إلى الرئيس الراحل شارل ديغول) ومع الرئيس السابق جاك شيراك بشكل خاص. القطيعة التي وعد بها ساركوزي تبدو إلى حد الآن منحصرة في العلاقة بوسائل الإعلام وبعض العلاقات الخارجية خاصة مع اسرائيل والولايات المتحدة. ما عدا ذلك لا تبدو السياسة الداخلية للرئيس الفرنسي مقنعة للفرنسيين الذين عبروا عن غضبهم من خلال استطلاعات الرأي التي تكتسي أهمية بالغة في الممارسة الديمقراطية ومن خلال صناديق الإقتراع. وكانت نتائج الإنتخابات الجهوية والمحلية الأخيرة دليلا على ذلك مما جعل هذا الحدث الإنتخابي الجهوي والمحلي يأخذ طابعا وطنيا ويكون محط اهتمام الملاحظين من الخارج. الحياة الخاصة والسياسة ما فتئت وسائل الإعلام تضع عمل الرئيس ساركوزي وحياته الخاصة تحت المجهر مع الحرص على عدم اهمال أية جزئية مهما كانت صغيرة أو تبدو بلا أهمية مثيرة بذلك فضول الرأي العام الفرنسي والمهتمين من الخارج. وبحكم طريقته الخاصة جدا في التعامل مع وسائل الإعلام وذلك منذ بداية تجربته السياسية ومرورا بفترة توليه لعدة حقائب وزارية فضلا عن ترأسه لحزبه ووصولا إلى الحملة الإنتخابية التي انتهت ببلوغه كما هو معروف الإليزي لفترة رئاسية تدوم خمس سنوات فإن الرئيس الفرنسي يكون بذلك قد حقق ما وعد به خلال الإنتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة أي أن يكون مختلفا. . لكن ولئن كان التعامل مع وسائل الإعلام بشكل مختلف تماما عن سابقيه من خلال إقحامها في كل شيئ تقريبا حتى في أدق تفاصيل حياته الخاصة إن كان ذلك يجعل الرئيس ساركوزي بالفعل في قطيعة مع سابقيه الذين كانوا أكثر حرصا منه فيما يخص حياتهم الخاصة فإنه وبعد مرور قرابة العام على وصوله إلى الإليزي لا يبدو أنه يملك العصا السحرية لحل مشاكل الفرنسيين. الفرنسيون كانوا قد منحوا أصواتهم لمرشح حزب اليمين الحاكم بعد أن قدم مشروعا انتخابيا وعد فيه بالخصوص بتحسين نوعية المعيشة بتطوير الطاقة الشرائية والقضاء على البطالة وتوفير الأمن والتعامل بشكل صارم مع مشاكل الهجرة. لكن وبعد فترة المائة يوم الأولى على ممارسته للحكم التي يكون فيها عادة في حل من الأحكام القاسية بدأت نسبة شعبية الرئيس ساركوزي لدى الفرنسيين تتقلص لتصل إلى ذروة الإنخفاض في الفترة الأخيرة. صحيح لقد بينت مختلف نتائج استطلاعات الرأي أن الفرنسيين يخلطون في أحكامهم بين تصرفات الرجل في حياته الخاصة التي لم ترق لهم على ما يبدو وبين عمله السياسي لكن عموما ما فتئت استطلاعات الرأي ذاتها تؤكد عدم رضاء الفرنسيين عن نتائج سياسة الحكومة خاصة في مجالي التشغيل والقدرة الشرائية وعدم الإرتياح للإصلاحات ومشاريع القوانين في مجالات متعددة كما أن حجم الدين الذي كان موضوعا جوهريا خلال الحملات الإنتخابية لمختلف المرشحين للإنتخابات الرئاسية لم يحقق تراجعا بل ازداد الوضع تفاقما إضافة إلى الوضع الإقتصادي في العالم وارتفاع أسعار المحروقات وجميعها كانت عوامل لم تخدم الحكومة الجديدة وبالخصوص الرئيس الجديد. وضع لا يتحسن وثقة تتراجع و يعيش الرئيس الفرنسي هذه الأيام فترة صعبة بحكم تدحرج شعبيته لدى الناخبين. ويرى الملاحظون أن نتائج انتخابات رؤساء البلديات والمستشارين بالبلديات التي دارت مرحلتها الأولى في الأحد الفارط وتدور مرحلتها الثانية هذا اليوم ( الأحد 16 مارس الجاري ) والتي جاءت في فترة لا تبدو إيجابية بالنسبة للحزب الحاكم تؤكد الحالة العامة من عدم الإقتناع بجدوى السياسة التي تقودها الحكومة حاليا. وقد حقق الحزب الإشتراكي الفرنسي المعارض نتائج إيجابية في هذه الإنتخابات البلدية أرجعها الملاحظون إلى رغبة الفرنسيين في الإعلان عن عدم تحمسهم للقيادة ببلادهم حاليا. ولئن كانت الإنتخابات البلدية موعدا سياسيا محليا فإن انعقادها خلال فترة لا تبدو فيها الأمور على ما يرام بالنسبة للرئيس الفرنسي بالذات ذلك أن رئيس حكومته ما فتئ يحقق الفارق لصالحه على مستوى استطلاعات الرأي ، إن انعقادها في هذه الفترة جعل الحدث يتجاوز النطاق المحلي إلى النطاق الوطني خاصة على مستوى المدن الكبرى لعل أبرزها العاصمة باريس التي لم يجد فيها مرشح اليسار " بارترون ديلانوي "أية صعوبات تذكر مما يعد ببقاءه بقصر بلدية باريس مستفيدا دون شك من الأجواء العامة بالبلاد وذلك رغم عدم انتخابه منذ الجولة الأولى كما حدث مع عدد من رؤساء البلديات الآخرين. وتكتسي هذه الإنتخابات الجهوية طابعا وطنيا ليس فقط من خلال تقدم الحكومة بثقلها من خلال عدد من الوزراء وكبار المسؤولين بالحكومة أو بحزب اليمين الحاكم في عدة دوائر انتخابية وإنما أيضا من حيث الرهانات التي تطرحها بالنسبة للرئيس ساركوزي بالخصوص. نتائج هذه الإنتخابات يمكن أن تكون مقياسا لمعرفة مدى تجاوب الرأي العام الفرنسي مع سياسة الرئيس الحالي وبالتالي فإن هذه الإنتخابات قد تكون فاعلة من حيث التأثير في سياسة فرنسا على مستوى الداخل قبل كل شيئ. فإن كانت استطلاعات الرأي غير كافية لوحدها لتؤثر في سياسة البلاد حاليا فإن نتائج صناديق الإقتراع يمكنها أن تكون مؤثرة حتى ولو سارع مساندو الرئيس إلى التقليل من أهمية هذا الحدث الإنتخابي معتبرين أن الخطوط الكبرى للسياسة الفرنسية قد صادق عليها الفرنسيون منذ الربيع الفارط لما انتخبوا نيكولا ساركوزي على رأس البلاد. مقابل ذلك يؤكد المعارضون وأيضا أغلب الملاحظين والمحللين السياسيين على البعد الوطني لهذه الإنتخابات التي كان الناخب من خلالها يعبر عن موقفه من السياسة العامة ببلاده. علاقات مع الدول العربية بعيدا عن العاطفة وعن التقاليد على مستوى السياسة الخارجية وبخلاف موقفه الإيجابي من الرئيس بوش وإعلان مساندته اللامحدودة لدولة اسرائيل لا يبدو أن هناك نقاط اختلاف كبيرة مع الرئيس شيراك بالخصوص الذي كان نشيطا جدا في هذا المجال خاصة على المستوى الأوروبي. لكن ساركوزي يسعى مقابل ذلك إلى ترك بصماته على مستوى العلاقات الدولية من خلال بعض المبادرات والتي من بينها ما يهمنا بالطبع وهو مشروع الإتحاد المتوسطي. . ساركوزي عبر من جهة أخرى عن رغبته في القطع مع سياسة فرنسا القديمة بإفريقيا وكان هذا الموقف سببا في إثارة الجدل بين مؤيد ورافض. أما فيما يخص العلاقة مع البلدان العربية خاصة وأن فرنسا كان لها ما يعرف بالسياسة العربية فإن الرئيس الحالي من الواضح من خلال زيارات الدولة التي قام بها إلى عدد من دول الخليج العربي أو بشمال افريقيا أو من خلال استضافته للزعيم الليبي من الواضح أنه يحرص على بناء علاقات لا تقوم على العاطفة أو تواصلا مع تقاليد فرنسا في علاقاتها بالخارج بل تقوم على المصلحة وكانت وسائل الإعلام التي تتولى الإهتمام بهذه الزيارات تركز في الغالب على الجانب الإقتصادي وعلى عدد العقود التي تم إمضاؤها مع الدول العربية. وتبدو الرغبة واضحة في العهد الفرنسي الجديد في عدم الإقتصار على العلاقات التقليدية مع دول شمال إفريقيا والتوسع نحو دول الخليج والدول العربية المنتجة للبترول بالخصوص وبقطع النظر عن نتائج هذه التحركات على مستوى الخارج ومحاولة الرجل لعب دور واضح في عديد النزاعات والقضايا بالعالم لا تبدو السياسة الخارجية لدولة فرنسا التي كانت تحاول دائما لعب دور هام في الخارج مؤثرة في مواقف الفرنسيين من رئيسهم الجديد وذلك على خلاف السياسة الداخلية التي يكون انعكاسها على الناخب فوريا ذلك أن نتائج هذه السياسة يعيشها المواطن يوميا ويلمسها في حياته لذلك يكون الحكم سريعا عليها أو لها دون أن ننسى الحياة الخاصة للرئيس ساركوزي التي اعتبر الفرنسيون في أغلبهم أنها كانت مكشوفة أكثر من اللازم