الرئيس المرزوقي أخبرني أنه على الشعب التونسي أن يصبر ..زيارة الدكتورة والروائية والمناضلة الحقوقية المصرية نوال السعداوي إلى تونس بعد غياب أكثر من ثلاثة عقود عن بلادنا يعد في حد ذاته حدثا استثنائيا تزامن خاصة مع اليوم العالمي المرأة.. نوال السعداوي التي تعتبر من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة وحرياتها في وطننا العربي شاركت أيام 7 و8 مارس الحالي في تظاهرة الإعلان عن بث قناة "نساء تي.في" المخصصة للمرأة الاورومتوسطية والتي سيكون مقرها في تونس وتدعم هذه المبادرة الإعلامية المفوضية الأوروبية ودولة فنلندا. ورغم تجاوزها الثمانين لم تفقد نوال السعداوي رغبتها في التغيير ومازال بريق النضال والجرأة يطل من عينيها ويرتسم على ملامحها المصرية الأصيلة وحركاتها التي لا تهدأ والتي تثير حولها أينما حلت رغبة الحياة... هموم الوطن وهواجس تحرير المرأة لم تفقد الكاتبة والناقدة المصرية الأمل وولدت كثرة الانكسارات في مشوارها النضالي تحديات أكبر.. هي تؤمن بأن الإنسان قوة لا تقهر وأن المرأة ليست ببقرة للبيع كما ترفض بعض العادات الإسلامية وترى في مناقشة الدين تفكير مبدع. أفكار نوال السعداوي حول الحجاب والحج والزنا صنعت لها عددا كبيرا من المساندين وكذلك الأعداء الذين طالب بعضهم بهدر دمها وسحب الجنسية المصرية منها هذا دون الحديث عن عديد القضايا المرفوعة ضدها أخفها ازدراء الأديان... "الصباح" التقت نوال السعداوي بمطار تونسقرطاج قبل ساعتين من مغادرتها بلادنا حيث حدثتنا صاحبة الأكثر من 50 كتابا مترجما لأكثر من 35 لغة منها رواية المرأة والجنس (المصادرة في السبعينات) و"الأنثى هي الأصل" و"الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة 2006 (ممنوعة في مصر) عن مواقفها من نتائج الثورات العربية الذي دونته في أحدث مؤلفاتها الصادرة في 2013 "الثورات العربية" بمحاوره الثلاث (كي لا تسرق الثورة- حقوق المرأة من أخذها وكيف تستردها- الحرية والديمقراطية) وعن نضالها المتواصل لأجل المرأة العربية مشيرة إلى لقائها بالرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي وبعض مما جاء فيه من تبادل للآراء إلى جانب تذكيرها بأسباب غيابها عن تونس منذ سبعينات القرن الماضي وصراعها ضد الأنظمة الدكتاتورية العربية العميلة فكان الحديث التالي: *تزورين تونس في إطار الإعلان عن بث قناة لدعم قضايا المرأة الأورومتوسطية فكيف تقيمين في البداية هذه المبادرة؟ - كنت قد اقترحت منذ أكثر من عشر سنوات في احد الملتقيات، التي حضرتها ببروكسيل بضرورة إنشاء قناة للمرأة العربية للأهمية التي يلعبها الإعلام في مجتمعاتنا وأعتقد أن القضاء على احتكار بعض رؤوس الأموال للقطاع يكون بإنشاء إعلام يموله الشعب ومكونات المجتمع المدني لكن في ذات السياق أرفض التدخل الأجنبي في هذه المبادرات على غرار تمويل الاتحاد الأوروبي لقناة "نساء تي في". *كرمت خلال زيارتك هذه لبلادنا من قبل الرئيس التونسي فكيف كان اللقاء وهل تحدثتما عن الأوضاع الراهنة في كل من مصر وتونس؟ - تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة وقع تكريمي من قبل الرئاسة التونسية وتحدثت مع الدكتور المنصف المرزوقي عن أسباب عدم رضا التونسيين عن أداء حكومتهم وشعورهم بأن أهداف ثورتهم مهددة فأعلمني أنه يؤمن بضرورة التحالف والحوار بين الإسلاميين والليبراليين للحفاظ على وحدة الوطن كما قال لي أن على الشعب التونسي أن يصبر قليلا على الحكومة حتى تتجاوز البلاد هذه المرحلة الاستثنائية وحين سألني عن مصر أخبرته أننا مقاطعون للانتخابات القادمة. *وكيف وجدت بلادنا بعد الثورة وأنت المناضلة الممنوعة من زيارتها منذ المرحلة البورقيبية؟ - الشعب التونسي لم يتغير مازال ثائرا ومتقدما وجميلا في تعامله مع ضيوفه كما زاد مقاومة وشعرت خلال زيارتي أن الثورة مستمرة في تونس كما في مصر وسأعود مجددا في السادس والعشرين من الشهر الحالي بعد سنوات المنع التي ترجع لرفضي التنويه بدور الحبيب بورقيبة في تمكين المرأة التونسية من حقوقها إيمانا مني بأن هذه الحقوق والحريات لم تتحقق إلا بعد نضالات شرسة خاضتها المرأة التونسية لتصل لما حققته اليوم على مستوى عربي ودولي. *هل مازالت تأملين في روح المقاومة لدى المرأة العربية وخصوصا التونسية والمصرية بعد صعود تيارات إسلامية للحكم في كلا البلدين؟ - أكيد، المرأة ستظل تقاوم كل أنواع القيود التي تجرها للعبودية والاهانة خصوصا في كل من مصر وتونس وعلى المرأة أن تكون واعية بأهمية مساهمتها في تحقيق مكاسب الثورة لأنها لن تتحرر إذا عاشت في بلد غير محرر يسير من خلال أجندات أجنبية بتواطؤ من الحكومات العربية وقد خاضت المرأة التونسية مؤخرا معارك حول وضعها القانوني في الدستور الجديد بعد الثورة وشخصيا فخورة بما حققته بعد إصرارها على المساواة لا التكامل في دستور بلادها. * تحدثت في أخر إصداراتك "الثورات العربية" عن التهديد الذي يمكن أن يطال أهداف ثوراتنا وطالبت بضرورة رفض المعونة الأجنبية والتعويل على إمكانياتنا فهل تعتقدين أننا قادرون على الاستغناء عن المعونة الأمريكية والأوروبية؟ - يجب أن تكون الدول العربية مستقلة وأنا ضد المعونة الأمريكية والأوروبية وضد التدخل الاقتصادي والعسكري في شؤوننا.. علينا الإنتاج لا الشحاذة من الغير فإن لم ننتج طعامنا لن تكون لنا كرامة والأكيد أننا قادرون على العيش دون معونة فنحن على سبيل المثال في مصر نستغل 4 بالمائة من أرضنا فقط والتنمية متوقفة في 96 بالمائة من ثرواتنا منذ الاستعمار.. نعم يمكننا إنتاج الكثير لكن حكوماتنا مرهونة في أيادي الاستعمار الأمريكي ومتعاونة سرا مع إسرائيل بما فيها الحكومات المدنية والإسلامية. *إذن أن تحملين حكومات دول الثورات العربية مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع بعد تغير أنظمتها الدكتاتورية؟ - صحيح أننا استطعنا إسقاط الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تتحكم في مصائرنا لكن هذا لا يكفي علينا مقاومة كل أشكال الاستعمار وهي واضحة في أيامنا الراهنة من خلال التدخل القطري والسعودي في شؤوننا فشخصيا أعتبر السعودية وقطر مستعمرتين أمريكيتين تحاول من خلالهما أمريكا السيطرة علينا بتصدير تيارات دينية متشددة وسلفية لبلداننا. *علمت من عدد من المناضلات التونسيات أنك كنت وراء تشجيعهن على تأسيس هيكل نسائي للدفاع عن حقوق المرأة فهل يمكن أن تجمع الثورتين المصرية والتونسية مجددا بين المرأة التونسية وشقيقتها المصرية؟ - صحيح أن علاقتي بالمناضلات التونسيات قوية جدا وكما قلت سابقا المرأة التونسية ثائرة بطبعها وسباقة ومن المؤكد أننا سنكون معا جبهة قوية للدفاع عن حقوق المرأة وحرياتها فهذه المسألة شغلي الشاغل وفي ديسمبر القادم سأعقد المؤتمر الخاص بجمعيتي النسائية وسيكون هذا الحدث فرصة لشراكة حقيقية مع عدد من الهياكل النسائية التونسية. ◗ حوار نجلاء قمّوع